يؤمن الكثير من الاقتصاديين والتقنيين في العالم بحقيقة أننا نعيش على حافة ثورة صناعية جديدة، تلعب فيها تقنيات الذكاء الصناعي أدوارا أساسية في رسم مستقبل الحياة على وجه الأرض بالشكل الذي يجلب معه الكثير من الفوائد، إلى جوار سلبيات متنوعة تتصدرها الآثار المتوقعة على انخفاض معدلات العمالة البشرية.
ففي دراسة صدرت في سبتمبر/أيلول 2013، حلل باحثان من جامعة أكسفورد الآثار المستقبلية للذكاء الصناعي وإحلال الآلات مكان الإنسان على ما يزيد عن سبعمئة وظيفة مختلفة، ليتبين لهما أن الآلات والتقنيات الذكية ستسيطر على حوالي 47% من الوظائف خلال بضعة عقود.
وإذا صدقت توقعات التقرير، فإن ذلك قد يعني مشاكل اجتماعية خطيرة ستصيب المجتمع إن لم يتم التعامل مع الموقف بالشكل المناسب، بحسب ما أكده عالم الحواسيب الأميركي جيري كابلان، الذي أشار إلى أن معظم الوظائف المهددة بالانقراض هي التي ينفذها عادة الرجال، في حين تبقى وظائف النساء آمنة نوعا ما.
وعلى الرغم من عدم التمييز بين الرجال والنساء في أمور التوظيف خاصة في بعض الدول، فإن الواقع يظهر عكس ذلك، فعلى سبيل المثال 95% من أصل الثلاثة ملايين سائق شاحنة في الولايات المتحدة الأميركية هم من الرجال، كما أن 95% من وظائف المساعدة المكتبية والإدارية هي للنساء.
السيارات الذكية
إن انتشار السيارات الذاتية القيادة في الشوارع -وهو أمر متوقع حدوثه في الأعوام القليلة القادمة- سيؤدي إلى فقدان السائقين ومعظمهم من الرجال وظائفهم، بينما لا تقع أعمال الدعم المكتبي والإداري -على الأقل في المستقبل القريب- تحت خطر الاندثار.
كما يسيطر الرجال على 97% من الوظائف المتعلقة بأعمال البناء والنجارة، وقد أوضح تقرير أوكسفورد أن الروبوتات قد تسيطر على حوالي 70% من هذه الوظائف، وبالمقابل تشغل النساء 93% من الوظائف في قطاع التمريض، واحتمال تأثر هذه الوظائف بتقنيات الذكاء الصناعي والروبوتات لا يتعدى 0.009%.
ويعود السبب في ذلك إلى امتلاك الروبوتات الذكية التي يتم تطويرها حاليا مهارات يتقنها الرجال عادة في أعمالهم، كالتي تتطلب قوة جسدية ومهارات يدوية، حيث تمتلك الروبوتات الحديثة الكثير من التقنيات والحساسات التي تجعلها قادرة على تنفيذ أعمال مثل قص الأشجار والضرب بالمطرقة.
ولا يقتصر تأثير التقنيات الذكية على الوظائف التي تتطلب قوة جسدية فحسب، فوفقا لكابلان، تتمتع بعض الآلات الذكية بقدرات على المحاكمة العقلية واتخاذ القرار، وذلك بفضل تقنيات تعليم الآلة، التي من شأنها تزويد الآلات بالقدرة على منافسة الإنسان في مواقع اتخاذ القرارات، وهي المواقع التي غالبا ما يشغلها الرجال.
وفي المقابل، تبدع النساء عادة في الأعمال التي يجب تنفيذها في ظروف متغيرة، والتي تتطلب لنجاحها قدرات على قراءة النوايا والعواطف، فعلى سبيل المثال، تنجح النساء في أداء أعمال كالتمريض نظرا لقدرتهن على مواساة المرضى والتعاطف معهم، والتعامل مع الأطفال والعناية بهم، وغير ذلك من المهام التي لا يبدو أن الروبوتات قادرة على تنفيذها بنفس النجاح، على الأقل ليس في الوقت القريب.
ومن المنتظر أن تبدع آلات المستقبل في أداء الأعمال الواضحة والمنظمة، أي الأعمال التي يمكن للمطورين دمجها بتلك الآلات بسهولة، بل جعل الآلات قادرة على الحكم على النتيجة، كأن تقوم الآلة بطلاء الحائط ومن ثم قياس جودة العمل.