حاوره رولان خاطر
في ظل اشتداد الأزمات، وتوسّع رقعة الانهيار في المجتمعات، بغض النظر عن الأسباب، لا بدّ من الغوص في تجارب الماضي لأخذ العبر وتحديد المسار. فكانت العودة إلى الجذور، جذور المقاومة والنضال الوطني – اللبناني- الماروني – المسيحي.
من هنا، كان ضرورة الحديث مع الأباتي الرؤيوي بولس نعمان للاستقاء منه الخطوط العريضة، وخارطة طريق، تحمي الوجود المسيحي، وترسم ضوابط أداء قياداته، للارتقاء إلى مستوى الرسالة التي حملها الأولون، من مار مارون، إلى يوحنا مارون، إلى كل البطاركة، ودور بكركي في حمل الهمّ المسيحي، ولواء القضية اللبنانية، وضرورة الحفاظ على الكيان اللبناني.
ففي حديث لموقع IMLebanon، شرح الأباتي نعمان رؤيته للخطر والأزمة التي تحدق بلبنان والمنطقة، وشدد على رؤيته للحفاظ على الوجود المسيحي وسط هذه النار في الشرق. ولم يتوان عن توجيه رسائل صارمة باتجاه الرئيس نبيه بري و”حزب الله”، وللزعماء المسيحيين.
وفي هذا السياق، رأى الأباتي نعمان أن هناك هجمة “داعشية” في الشرق شبيهة بخروج الاسلام من الجزيرة العربية، فالاسلام اليوم يعيش حالة تفسّخ، فيهم من يريد ان يبني دولة، وفيهم من يريد أن يؤدي “رسالة إسلامية”، لأن البعض ينظر إلى “الاسلام” كثورة توسّعية لا كدين ولا كبناء دولة، ثورة تزول عند أول انكسار أو خسارة، وسوف تأتي حتما الخسارة. ووسط هذه التطورات المحورية، شدد على أن المسيحيين يجب أن يعيشوا إيمانهم كدين لا كمفهوم سياسي فحسب في بناء الوطن. فهذا هو الدور المطلوب منهم للحفاظ على وجودهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، أيّ “عيش إيمانهم كدين كما عاش الرسل الأوّلون، لا كمفهوم سياسي توسّعي فقط، وفصل الدين عن بناء الوطن وبناء الانسان. وهذا يعني أن مفهوم الوطن يجب أن يكون مفصولا عن الدين، فنحن في وطن تعددي، وبالتالي يتوجب على المسيحيين أن يعيشوا إيمانهم كدين، وليس فقط في الممارسة السياسية”.
وعما إذا يرى تردّياً في الوضع المسيحي في لبنان، قال الأباتي نعمان: “ربما يكون قد أصابنا شيء من هذا المرض، لكن كلما عشنا إيماننا قوي ترابطنا مع بعضنا البعض”، مجدداً التأكيد أن الأولويات التي يجب أن تكون لدى المسيحيين اليوم هو “عيش إيمانهم كدين لا كمفهوم سياسي اجتماعي فقط، والعمل لبناء الوطن الحديث”.
وحذّر من أن لبنان بدأ يتطوّر لا كدولة حديثة تفصل الدين عن الدولة، من هنا، على السياسيين مسيحيين ومسلمين، أن يتحاوروا فيما بينهم على أسس بناء الدولة، وخصوصاً المجلس النيابي الذي لا يلعب دوره في بناء الدولة. فللرئيس نبيه بري دور أساسي في تحويل المجلس إلى مدرسة تعمل وتشرّع لبناء الدولة الحديثة”.
الأباتي نعمان، رحّب بالتقارب المسيحي – المسيحي، موضحاً رداً على سؤال، أنه لم يطّلع على ورقة “إعلان النيات” بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ”، لكنه أعرب عن أمله في أن “يشركوا الطرف المسلم في هذا البناء حالما ينتهون من إنجازه”.
وإذ أكد ان هناك تأثيراً خارجياً على تطوّر سياسة لبنان، لأن الخارج لا يريد أن يتطوّر لبنان نحو الدولة الحديثة، بل أن يبقى مزرعة من “مزارع العرب”، ومن هنا الفراغ المستمر في موقع رئاسة الجمهورية، في محاولة منهم للإتيان برئيس “مطواع” لهم ولسياساتهم.
وعن أداء “حزب الله” بعد الاتفاق النووي الايراني، توجّه الأباتي نعمان إلى “حزب الله” الذي يكنّ له كل الاحترام، بنصيحة، فذكّره بالمثل اللبناني القديم الذي يقول “ما تكبّر فشختك أحسن ما تنفتئ”، ساهِم في بناء لبنان دولة حديثة لا كمزرعة”.
وعن كيفية مواجهة المسيحيين للأفكار “المعلنة وغير المعلنة” المناهضة لاستمرار اتفاق الطائف، ومحاولة فرض نظام جديد، دعا الأباتي نعمان المسيحيين لأن ينصبّوا على بناء الدولة الحديثة ويكونوا روّادا في هذه المنطقة. وأشار إلى أن دور بكركي ينحصر فقط في النصح والارشاد، والإكثار من الاجتماعات المشتركة، وأضاف: “أفضّل أن تكون مدرسة في بناء الدولة الحديثة، المتعددة الطوائف”.
في الختام، وجّه الأباتي رسالة إلى الزعماء المسيحيين، فقال: “آمل أن أرى فيهم بشيرا همُّه بناء الدولة الحديثة لا تنفيذ طموحات شخصية”.