كتب حبيب معلوف في صحيفة “السفير”:
في حين انتهت قدرة الاستيعاب في المواقع المختارة لجمع نفايات العاصمة في الكرنتينا، وفيما معامل شركة «سوكلين» تنتهي قدرة استيعابها يوم غد الأحد، تعود الأزمة مطلع الأسبوع المقبل في بيروت الى نقطة الصفر.
تراكم النفايات سيبدأ مجددا في الحاويات، في ظل فشل الأطراف كافة في إيجاد الأماكن البديلة او في ابتداع خطط مخففة من الأزمة. أما في بقية المناطق من جبل لبنان، فما تزال الأزمة هي نفسها، بين إبقاء النفايات متراكمة في أماكنها او رميها في مكبات عشوائية في الوديان او التخلص منها عبر الدفع لأصحاب شاحنات، من دون السؤال إلى أين تذهب.
اما جديد هذه التصرفات العشوائية فهو البدء برمي النفايات في البحر على ساحل المتن الشمالي قبالة شاطئ منطقة الزلقا. يحصل كل ذلك فيما لا يزال مكب برج حمود الضخم والتاريخي صامدا ومقفلا.
وتسأل أوساط بيئية: هل من المنطق او المعقول ان يتم استحداث مكبات جديدة على الشاطئ، ومكب برج حمود الذي تم إقفاله العام 1997 وقبل ان يطمر بالردميات والأتربة، موجود بطوله الذي يبلغ اكثر من 700 متر على الشاطئ وعرضه الذي يمتد ما يقارب 500 متر وارتفاعه البالغ ما يقارب 47 مترا عن سطح البحر؟!
وسط ذلك، كان نواب المتن، بعد رفض «حزب الطشناق»، قد رفضوا اقتراحات اللجنة الوزارية المشكلة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 74 بتاريخ 27/3/2014 والتي كانت تنص على إنشاء معامل لفرز وتسبيخ النفايات في منطقة برج حمود مقابل معالجة المكب الضخم بمبلغ 40 مليون دولار، تمهيداً لتحديد وجهة استعماله لاحقاً بما فيها حديقة عامة بمساحة إجمالية تبلغ 160٫000 متر مربّع.
بعد هذا الرفض، الذي يمكن اعتباره اليوم من احد الأسباب لازمة النفايات التي نعيشها الآن ولفشل الدولة في إمكانية تامين البديل عن مطمر الناعمة او التخفيف عنه قبل سنة من موعد إقفاله، بكون الخطة المقترحة كانت تقضي بزيادة عمليات الفرز والتسبيخ والتقليل من حجم النفايات التي كانت تذهب إلى مطمر الناعمة، عاد البحث اليوم في إمكانية الاستفادة من هذا المكب.
لكن البحث يتم على قاعدة إعادة إحياء ما كان يسمى مشروع «لينور»، لترتيب ساحل المتن، أي إنشاء مشروع استثماري (او ما يسمى «منطقة اقتصادية») اسوة بما حصل في منطقة النورمندي لمعالجة المكب، وإعطاء المتعهد مساحات مهمة من الردميات في البحر.
وتقول مصادر وزارية معنية لـ «السفير» ان الاقتراح نقل رسميا الى رئيس الحكومة، كجزء من اقتراح حل لازمة النفايات. هكذا، يظهر مرة جديدة مدى برودة القوى السياسية المتحكمة بالقرارات وبمصير اللبنانيين، تحت عنوان «الاستثمار أولا»، ولو على حساب الصحة العامة وسلامة البيئة، في وقت يختنق جبل لبنان وأهالي المتن وساحله يوميا من اشتعال النفايات المتراكمة في الشوارع، منذ أكثر من شهر!
وتسأل مصادر بيئية معنية: «هل قام نواب المتن وقواه السياسية باستطلاع رأي اللبنانيين عموما والمتنيين خصوصا، لاسيما في هذه الظروف الكارثية بالذات، اذا كانوا يريدون حديقة عامة والمحافظة على منطقة الردميات الجديدة كملك عام لكل الناس ومعالجة أزمتهم الآن، ام انتظار صفقة ما للاستثمار في المكان؟».
يأتي ذلك مع العلم أن مشروع «لينور» توقف منذ أكثر من عشرين سنة، ولم تتم معالجة المكب لان بعض المستثمرين الطامحين، بالتنسيق مع القوى السياسية المتحكمة بقرارات المنطقة آنذاك، وجدوا ان مياه الشاطئ التي يفترض ردمها والاستفادة من الأمتار المردومة بعد فلش المكب، عميقة نسبيا ولن يستفيد المتعهد من الأمتار المربعة المردومة كثيرا بعد عمليات الردم.
وبالتالي، لا توجد جدوى اقتصادية كبيرة منه، لاسيما ان المستثمر في المناطق المردومة المجاورة في ضبيه (مارينا جوزف خوري) لم يسجل، آنذاك، بيعا سريعا في الأراضي، كما تأخر وكلف كثيرا معالجة مكب النورمندي، مما يعني عدم وجود ظروف مشجعة للاستثمار.
لذلك، ولأسباب أخرى لن ندخل فيها، تم غض النظر عن مشروع «لينور» وبقي مكب برج حمود جبلا بشعا وقنبلة موقوتة دون معالجة، فما سيكون الموقف الآن، اثر هذه الأزمة الكبيرة والخانقة التي وصلنا اليها، وقد ظهر أمس مكب وليد جديد على الشاطئ المتني، ومكب برج حمود الهرم يتفرج بحسرة!؟
عكار: النقطة الأمنية لا تمنع تهريب القمامة!
بعد مرور أقل من 24 ساعة على اجتماع خلية الأزمة في محافظة عكار الذي أدى الى وضع نقطة أمنية ثابتة عند مدخل عكار في منطقة المحمرة أو ما يعرف بجسر البارد، استفاق العكاريون على خبر تفريغ كميات من النفايات في بلدة كفرملكي – سكة الحديد القديمة في سهل عكار.
وفتح الخبر الباب واسعاً على أسئلة عدة، أبرزها: من هي الجهات التي تدعم أصحاب هذه الشاحنات التي يتنقل البعض منها في وضح النهار بعد تغطيتها بالأتربة؟ هل ثمة صفقة تتم على حساب العكاريين؟ أين أصبحت مطالب بعض نواب المنطقة بوضع نقاط ثابتة عند مدخل عكار للتدقيق في الشاحنات؟ لماذا لا تقوم الاتحادات والبلديات بتكليف شرطتها تسيير دوريات ليلية لمنع تكرار هذه الظاهرة، خصوصاً أن الأمر قاب قوسين أو أدنى من تفلت الشارع، ما قد يؤدي الى خطوات تصعيدية؟
ويطرح العكاريون سؤالاً عن مصير أزمة النفايات وهل سيكون مثل بقية الملفات الحساسة في عكار، مثل موضوع صهاريج الغاز وسرقة رمول البحر والمقالع والكسارات التي فشلت الجهات المعنية في إيجاد حلول ناجحة لها؟
ويمكن القول إن موضوع النفايات تحول الى الشغل الشاغل للعكاريين، الذين يتقاذفون التهم وسط مخاوف من أن تكون هناك نية لتمرير سر ما تم رفضه في العلن، فتدفع عكار الثمن كالعادة ويتم اشراكها في النكبات، فيُستكمل بذلك مسلسل الاهمال واللامبالاة تجاه محافظة عكار.
ويتخوف المجتمع المدني في عكار من «استمرار تقاعس المسؤولين عن القيام بواجباتهم، ما قد يدفع بأهالي عكار الى تشكيل ما يعرف بالأمن الذاتي البيئي لمراقبة ورصد الشاحنات التي تدخل المحافظة، لأن ما يجري غير مقبول على الاطلاق ولا يمكن السكوت عنه، لافتين الى أن «عشرات الشبان مستعدون لتجنيد أنفسهم لهذه الغاية».
وكان مجهولون قد عمدوا منذ بدء أزمة النفايات في بيروت وضواحيها الى تفريغ كميات كبيرة من النفايات في مختلف البلدات العكارية، وتحديدا في مناطق الدريب وساحل القيطع وسهل عكار. وأظهر التدقيق في محتويات النفايات انها تحتوي اوراقا لمواطنين من بيروت، بالاضافة الى افادات من بيروت العقارية والبلديات المحيطة.
طرابلس غاضبة: لن نقبل بمعاقبتنا
تصاعدت وتيرة الرفض السياسي والمدني والشعبي في طرابلس من تحويلها مكبا لنفايات المناطق اللبنانية الأخرى، لا سيما بعد قيام شبان طرابلسيين تولوا الحراسة الليلية بتوقيف شاحنتين من جونيه محملتين بالنفايات تمهيدا لرميهما في عقارات خاصة ضمن مناطق طرابلس، فضلا عن الرفض المطلق للعقاب المفروض على المدينة بساعات التقنين الكهربائي التي وصلت في الأيام الأخيرة الى 22 ساعة.
وأعلن نقيب محامي طرابلس فهــد المقــدم، في مؤتمر صحافي عقده في مقر النقابة أمس، أن «نقابة المحــامين تقــدمت بشكوى أمام المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، اتخذت فيها صفة الادعاء الشخصي ضد كل من يدخل النفايات الى طرابلس والشمال».
وتداعت هيئات المجتمع المدني الى لقاء عقد في غرفة التجارة والصناعة بهدف توقيع عريضة ضدّ بلدية جونيه ولمعاقبة كل المسؤولين عن رمي النفايات في المدينة. وشددت المداخلات على الرفض التام لاستقبال شاحنات النفايات، مطالبة محافظ الشمال والقوى الأمنية بأن يقوما بواجباتهما في حماية المدينة.
وجرى التوقيع على عريضة ضد بلدية جونيه التي أرسلت نفاياتها الى طرابلس ودفعت مبالغ مالية للسائقين. وفي السياق، قال رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إنه «من الواضح أن احدا في السلطة التنفيذية لا يهتم بشؤون وشجون الوطن، لا سيما طرابلس والشمال وأهلهما، بدءا بواقع التيار الكهربائي المعيب، حيث لا تحظى طرابلس الا بساعات قليلة من التغذية في اشد مواسم الحر، وصولاً الى النفايات التي ترسل بالشاحنات تحت جنح الظلام لترمى في بساتين المدينة وحقولها وجوارها».
بدوره، شكر رئيس بلدية طرابلس المهندس عامر الطيب الرافعي «أبناء طرابلس الغيورين على مصالحها، وأثبتوا أن طرابلس لا تزال غنية بأصحاب النخوة من أبنائها، الذين تعتمد عليهم المدينة مستقبلاً في إعادة صورة طرابلس الحقيقية وبناء الثقة بتقدمها وازدهارها».