انطوان فرح
تبدو العلاقات اللبنانية-الايرانية على مفترق طرق، وهي تتجه الى تغييرات جذرية، أو على الأقل هذا ما تأمل به طهران وتعمل له في هذه الحقبة بنشاط غير مسبوق. فهل يتمكّن لبنان الرسمي من التجاوب مع المخططات الايرانية الطموحة، بعد زوال عائق الحظر والعقوبات الدولية نتيجة الاتفاق النووي؟
«الدبلوماسية الاغترابية»، هي التعبير الذي استخدمه وزير الخارجية جبران باسيل، في معرض محاولاته إحداث خرق في السياسة الاغترابية. لكن المؤتمر الاغترابي الاول الذي نظمه باسيل في بيروت، كان ناقصا بسبب مقاطعة قسم من الشيعة للمؤتمر.
فهل تنجح «الدبلوماسية الاقتصادية الناشئة»، وهو التوصيف الذي يحلو للملحق التجاري الايراني في بيروت اطلاقه على السياسة الايرانية المعتمدة حاليا لاحداث نقلة نوعية في العلاقات مع لبنان، اكثر مما نجحت «الدبلوماسية الاغترابية»؟
وهل تتمكن الدبلوماسية الاقتصادية، وهي مُرادف لتوصيف الاغراء الاقتصادي، في إحداث خرق في جدار الخلافات السياسية، فتنجح طهران في نقل العلاقات الثنائية من مستوى التحالف مع شريحة من اللبنانيين الى مستوى التعاون مع لبنان واللبنانيين؟
تبدو الزيارة التي سيرئسها وزير الاقتصاد آلان حكيم الى طهران في الخريف المقبل، هي المؤشر لما ستؤول اليه العلاقات. صحيح ان مسؤولين لبنانيين من مستويات رفيعة سبق أن زاروا ايران، لكن الامور بين الامس واليوم تبدلت.
حاليا، تكتسب الزيارات الرسمية أهميتها من الفرص المتاحة لتطوير العلاقات. وما كان مستحيلا في الأمس صار مُتاحاً اليوم، ونحن على قاب قوسين أو أدنى من رفع الحظر الدولي على ايران، وفتح السوق الايراني الدسم بالفرص امام المستثمرين من خارج البلاد.
ويبدو ان ايران تواكب هذه المرحلة بجدية وعناية، بهدف إحداث تغيير جذري في العلاقة مع لبنان. ومن هنا يكتسب دور الملحق التجاري في السفارة الايرانية في بيروت سجاد نجاد أهمية خاصة في هذه المرحلة حيث ينشط لشرح الوضع الاقتصادي الايراني، والفرص المتوفرة في بلاده للمستثمرين الراغبين، خصوصا للمصنفين من الاصدقاء، كما هي حال لبنان الرسمي والشعبي.
ويؤكد ان بلاده حققت نجاحات في اكثر المجالات العلميه والاقتصادية عبر الاعتماد على قدراتها الذاتية والتغلب على عقبات الحظر وتبديل هذه التحديات الى فرص لتحقيق التقدم والاكتفاء الذاتي لبناء مقومات اقتصاد مقاوم يعتمد على الطاقات المحلية والتركيز على التعليم واحياء الابحاث العلمية وذلك على الرغم من الحظر الدولى.
يكشف سجاد نجاد ان بلاده كانت تتحضّر لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي منذ فترة. وهي كانت تعرف، انطلاقا من مسار المفاوضات والوقائع المرتبطة بفشل العقوبات، ان الاتفاق سيحصل. ومن هنا عمدت السلطات الايرانية الى انجاز التحضيرات الضرورية. وعلى سبيل المثال، تم إدخال تعديلات جذرية على مجموعة واسعة من القوانين ذات الصلة بالاقتصاد والاستثمارات.
ويؤكد نجاد ان ايران اليوم تحولت الى سوق حرة، وهي تفتح ابوابها امام المستثمرين الاجانب، وتقدم حوافز جيدة. وهناك حاليا سبعة مناطق حرة منتشرة في ایران مقابل الدول الخمس عشرة المجاورة لإیران ويمكن للمستثمرين الافادة منها، لجهة الحوافز المغرية التي تقدمها، ومنها اعفاءات واسعة من الضرائب. كذلك هناك حوالي 30 منطقة اقتصادية خاصة تقدم الحوافز، وتسمح للمستثمرين فيها بادخال منتجاتهم الى السوق المحلي.
ويوضح الملحق التجاري الايراني في بيروت، ان عملية الاستثمار الأجنبی مسموحة فی الجمهورية الاسلامية الايرانية في ضوء الضوابط المتعارف عليها فی البلاد .
ويشير نجاد الى ان التداول في العملات سيعتمد مبدأ السوق الحرة، بحيث ان المستثمر سيكون قادرا على إدخال او سحب الاموال من دون أية عوائق.
عن التعاون مع لبنان الرسمي، يؤكد نجاد ان هناك عددا كبيرا من الاتفاقات الثنائية، لكن قسما كبيرا منها ما زال مجمدا. وسيكون تحريك هذه الاتفاقات أحد أهداف احياء اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين.
اذ منذ إنشاء اللجنة الاقتصادیة اللبنانیة – الإیرانیة المشترکة عام 2009 حتی الیوم، جرى توقیع عدد من مذکرات التفاهم والاتفاقات للتعاون فی کل المجالات (تجاریة، اقتصادیة، جمرکیة، صحة، صناعة، بیئة، سیاحة،…)، إضافة الی مذکرات تفاهم بین وزارتي العمل، والتجارة في مجال إقامة المعارض والأسواق الدولیة المشتركة.
وينبغي تفعیل الکثیر من الاتفاقات التي بقیت دون تنفیذ، علی صعید إزالة المعوقات الإداریة والفنیة والجمرکیة أمام تسهيل التبادل التجاري بین البلدین، ورفع حجم التبادل التجاري بین البلدین، وتشجیع حجم الاستثمارات المتبادلة، والتعاون فی المجال المصرفی.
ولا يبدو ان الجانب اللبناني بعيد من هذه الاجواء. اذ يؤكد وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني انه ذاهب الى طهران في تشرين، وهو مقتنع بضرورة إحداث نقلة نوعية في العلاقات. ويقول انه كان ينوي القيام بهذه الزيارة منذ فترة، لكن عوائق تقنية تتعلق بجدول الاعمال أدت الى التأجيل.
لكنه هذه المرة مصمّم على عدم السماح لأي عائق بتأجيل هذه الزيارة التي يعلّق عليها حكيم أهمية كبيرة. وهو يقول، ان ايران سوق اقليمية كبيرة، ومن مصلحة لبنان ان يكون له موقع قدم فيها. سواء على المستوى الرسمي، اوعلى مستوى القطاع الخاص.
وفي هذا السياق، يبدو الملحق التجاري الايراني في بيروت، مندهشا كيف ان المصارف اللبنانية لا تزال تنتظر، ولم تتقدم اية خطوة باتجاه السوق الايراني. وعندما تقول له ان الحظر الدولي لا يزال قائما، وبالتالي، لا يستطيع اي مصرف لبناني ان يخطو باتجاه ايران قبل رفع هذا الحظر، يجيب: لدينا حتى اليوم لائحة طويلة من الطلبات التي تقدمت بها مصارف دولية للدخول الى ايران.
هذه المصارف تحاول ان تحفظ لنفسها مكانا في السوق الايراني منذ الان. لماذا لا تبادر المصارف اللبنانية الى الانضمام الى لائحة المصارف العالمية التي تبدي رغبة في الدخول الى السوق الايراني وعندما يحين الوقت، تكون جاهزة، وتكون قد حجزت لنفسها في وقت مبكر مكانا في السوق؟
ولا يعتبر نجاد ان التعاون الاقتصادي يمكن ان يكون محصورا في قطاع دون الآخر. وهو يشير باعتزاز الى ان بلاده حولت الحظر الدولي الى فرصة تمكنت خلالها من تطوير قدراتها الذاتية في كل المجالات، واكتسبت معرفة واسعة في اكثر من قطاع.
وهكذا تستطيع ايران ان تساعد لبنان في كل القطاعات، بما فيها الكهرباء والسدود والنفايات. والتجارب الايرانية في هذه المجالات واضحة، كما يؤكد نجاد، اذ ان ايران لم تؤمّن الاكتفاء الذاتي فحسب، بل صار لديها فائض من الكهرباء تبيعه الى دول الجوار.
ويبدو كلام وزير الاقتصاد اللبناني متماهياً مع كلام الملحق التجاري الايراني، اذ يقول ان ايران قدمت عرضا مغريا للبنان لانشاء معامل انتاج الكهرباء بكلفة تكاد تكون نصف الكلفة التي سيدفعها في حال اختار دولا اخرى لتنفيذ هذا المشروع.
في كل الاحوال، ولو أن حكيم ونجاد تحدث كل منهما على حدة، وبالتالي، لم يكن أحدهما يوجه الحديث الى الآخر، الا أن الواضح ان الحماسة لتطوير العلاقات الثنائية ظهرت في مواقف كلٍ منهما. واذا ساعد المناخ السياسي العام في المنطقة، قد نشهد بدءاً من الخريف مرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية الايرانية.