كتب اسعد بشارة في صحيفة “الجمهورية”:
منذ يومين كان تقدير بعض القوى السياسية لحركة «طلعت ريحتكم» مقتصراً على تشخيص مفاده أنها مجرد حركة مجتمع مدني، لا تتقاطع مع أيّ مشروع سياسي، لكن تبيّن لهذه القوى بعد كلّ الاحداث التي حصلت في وسط بيروت، أنّ قوى الثامن من آذار تختبئ وراء هذا التحرّك، وتنتظر الفرصة للانقضاض على الحكومة، وهو ما يعني إدخال لبنان في الفراغ التام، بفعل عدم انتخاب رئيس الجمهورية وتعطيل المجلس النيابي.
ومنذ بعد ظهر أمس حصل حراك سياسي واتصالات مكوكية بين أطراف 14 آذار، قاد جزءاً منها منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» الدكتور فارس سعيد، باتجاه معراب، والرئيس سعد الحريري في الخارج، لبلورة تحرك مضاد يهدف الى منع إسقاط الحكومة، ودعم رئيسها تمام سلام الذي أطلق اشارة انذار الى نيّته الاستقالة، إذا لم يتم تسهيل عقد جلسة منتجة لمجلس الوزراء الخميس المقبل.
ثمّة مَن شعر من خلال اختباء «حزب الله» خلف تحرّك «طلعت ريحتكن»، ومن خلال تهديدات العماد ميشال عون للرئيس تمام سلام، ومحاولة ركوب قطار المزايدة واستثمار التحرّك، بأنّ فريق الثامن من آذار بات يتصرّف وكأنّ اتفاق الطائف «طلعت ريحتو»، وأنّ الساعة قد دقت لدخول لبنان في الفراغ الشامل تمهيداً لنَسْف الطائف والدخول في مؤتمر تأسيسي جديد، وهذا يشكّل برأي قوى 14 بداية انقلاب حقيقي يقف وراءه «حزب الله».
المؤشرات الى هذا الانقلاب بدت واضحة بحسب المتابعين من خلال طريقة التعامل مع الرئيس تمام سلام، الذي تُرك وحيداً طوال هذه الفترة بعدما بدا لوهلة أنّ رئيس المجلس نبيه بري يدعمه الى أبعد الحدود، وتبيّن لسلام أنّ كلّ الدعم الذي ناله، لم يعد كونه دعماً كلامياً، كان يتبخر عند اول جلسة يحدِّدها لبتّ جدول الاعمال.
وتبيّن لسلام أنّ قرار الحزب بدعم العماد عون قرار نهائي ولا عودة عنه، وبالتالي وجد نفسة شاهداً على التعطيل وأسيراً له، ولهذا قرّر بدوره أنْ لا يكون شاهد زور، وأن يحدِّد جلسة الخميس المقبل، وأنْ لا يتراجع عن وضع جدول أعمال الجلسة، ولو كلف تعطيلها هذه المرة تقديم استقالته، وهو ما سيؤدّي إن حصل الى فراغ شامل، والى تعذّر تشكيل حكومة جديدة، لتعذّر إجراء استشارات نيابية، ولغيرها من الاسباب.
يبقى السؤال: ماذا لو ذهب «حزب الله» هذه المرة الى الحدّ الاقصى بدعم العماد عون وعطّل جلسة الخميس، وماذا لو استقال الرئيس تمام سلام، أو أُجبر على الاستقالة تحت ضغط الشارع؟
تشير اوساط في 14 آذار الى أنّ هذا الخيار سيكون مقدِّمة لانقلاب سياسي كبير، وترجمة لرغبة الحزب بتعديل موازين القوى في لبنان، عبر نسف اتفاق الطائف، وذلك بسبب الازمات التي يعاني منها الحزب في سوريا، والتي تعاني منها إيران في العراق، وكلها تدفع الى محاولة التخلّص من معادلة التوازن النسبي التي يؤمّنها استمرارُ الحكومة.
وتشير المصادر الى أنّ سقوط الحكومة لا يحصل إلّا بضوء أخضر من الحزب، فالتيار الوطني لا يمكنه إسقاط الحكومة بمفرده، وما سيحصل في حال سقطت حكومة سلام، سيفتح الباب أمام المزيد من الفوضى في لبنان، لأنه سيكون مقدِّمة لصراع على الأحجام لا حدود للنتائج السلبية التي ستسفر عنه.