Site icon IMLebanon

إلغاء “المناقصات”.. عودة الى الوراء وإلتفاف على “الحراك الشعبي”

beirut-manifestation-10
خلف الجدار الاسمنتي الذي وُضع في ساحة رياض الصلح، كحاجز بين الشعب ومجلس الوزراء، طُبِخت عملية فض عروض المناقصات وإعلان الأسعار المرتفعة، ولاحقاً رفض النتائج.

خرج الوزراء من جلسة المجلس اليوم بإجماع حول إلغاء مناقصات النفايات وتكليف اللجنة الوزارية المتابعة للملف، البحث عن بدائل. الوزراء إتفقوا على عدم تقديم أي حلّ جدي، لا بل اتفقوا على الرجوع الى الوراء عبر كسب الوقت في عملية “البحث عن البدائل”. غير ان الرفض لم يكن ليخرج علناً من دون “ديباجة” تسبقه، خاصة وان الشارع كان قد بدأ بالغليان وبات يهدد السلطة السياسية الى حدّ كبير، ولم تعد هتافات المتظاهرين الذين خرجوا الى ساحة رياض الصلح، تنحصر بملف النفايات، بل اتّسعت لتشمل ملفات والمياه والتعليم والصحة، أي انها أنذرت بعدم خروج المتظاهرين من الساحة حتى وان حُلّ موضوع النفايات.

الديباجة كانت عبارة عن التمهيد لتمديد الأزمة عبر مسرحية فض العروض والإعلان عن الأسعار المرتفعة التي قدّمتها الشركات، والتي فاقت الكلفة التي كانت تتقاضاها شركة سوكلين. ففي حين كانت سوكلين تتقاضى من الدولة حوالي 120 دولاراً لقاء الطن الواحد من النفايات، بات على الدولة، بموجب الأسعار التي أعلنها وزير البيئة محمد المشنوق أمس، ان تدفع حوالي 149 دولاراً للطن الواحد كحد أدنى، وما يزيد عن 170 دولاراً كحد أقصى. أي ان الإتفاق السياسي كان عبارة عن خطة للتخلص من الإحتجاجات عبر ايهام الناس بأن الحل قادم، وبالطبع، الناس قد تقبل بالاسعار المرتفعة نظراً للمجهول الذي دخله الملف، وفي حال عدم القبول، فإن الخطوة التالية جاهزة، وهي رفض النتائج.
مسرحية الأسعار تبعها سلسلة مطالبات بـ “إعادة النظر”، حيث دعا وزير المال علي حسن خليل الى “إعادة النظر بأسعار المناقصات المرتفعة أكثر من المتوقع”، أما وزير العدل أشرف ريفي، أكد أن الإتفاق “لن يمر” وأنه لن يوقع عليه. من جهته أوضح وزير الداخلية نهاد المشنوق ان “الاسعار يمكن مناقشتها وتعديلها”، وذهب الى إمكانية “إعادة المناقصة من جديد”. ولم يخرج جنبلاط عن الإجماع الرافض للأسعار، إذ اعتبر العملية برمّتها “فضيحة كبرى” معلناً أنه ليس معنياً بأي شراكة في هذه المناقصة.

نجح الوزراء بسحب الإحتقان من الشارع بنسبة كبيرة، وخلت الساحة لإعادة تموضع كل طرف سياسي حول مطلبه، إن لجهة المحافظة على عمل سوكلين بفعل الفراغ، أو استمرار العمل بالمطامر، او حتى إيجاد مطامر او معامل جديدة تصلح لأن تكون مسرباً للمال. والغاء المناقصات يعني ان النفايات ستبقى في الشارع لفترة أكبر، وتوزيع أطنان منها على المناطق وإستفادة بعض البلديات والأشخاص سيبقى قائماً، وسيشكل ذلك ضغطاً متزايداً لجهة إعادة العمل بمطمر الناعمة على وجه الخصوص لمدة تزيد عن الـ 6 أشهر التي يروّج لها اليوم، ولجهة استعمال مطامر أخرى، بوتيرة أكبر، كمكب سرار في عكار، والذي اقر مجلس الوزراء إستعماله، وترافق ذلك مع تقديم مساعدة مالية للمنطقة بقيمة 100 مليون دولار تُدفع على مدى 3 سنوات. أي ان الضحية الأولى للنتائج الجديدة هي منطقة عكار، وذلك يستدعي انتظار ردود فعل أهالي المنطقة، خاصة وان الأهالي كانوا قد رفضوا سابقاً فكرة نقل النفايات الى المكب.

وصول العملية الى هذه النقطة يدعو الى الاستغراب، فهل فعلاً لم يعلم أحد مسبقاً بأرقام المناقصات؟، وهل كانت نتائج اليوم مُقرّرة سلفاً كخطة “ب”؟. واقع حال السلطة السياسية في لبنان يشي بغير ذلك، لأن لا شاردة أو واردة تمر في الأطر السياسية دون تدقيق وتوزيع للحصص. وعملياً، فدفتر الشروط التي تقدمت الشركات الى المناقصة وفقه، هو حجر الأساس “إدارياً” لما وصلنا إليه، أما الركيزة الثانية، فهي أسعار سوكلين، فالمنطق يقول بأن الأسعار الجديدة التي ستُقدّم لاحقاً في حال أجريت مناقصات جديدة، لن تكون أقل مما تتقاضاه سوكلين، فالعُرف كرّس هذه الكلفة كنقطة بداية، في حين ان كل التقارير والدراسات البيئية تشير الى ان كلفة معالجة الطن الواحد هي حوالي 60 دولاراً. فهل ستقدم المناقصات الجديدة اسعاراً تدور حول الـ 60 دولاراً أم ستعني التخلّي عن دولارين أو ثلاثة فقط، لتبقى الأسعار مرتفعة بأكثر من ضعف الكلفة الحقيقية؟