ميليسا لوكية
التظاهرتان اللتان بدأتا السبت والأحد بطريقة سلمية، تحوّلتا أعمال تخريب ومواجهات دامية مع القوى الأمنية، مما حول بيروت ساحات لحرب مفتوحة، وأجّجت المخاوف من أن تدفع القطاعات الإنتاجية ثمنها. وفيما تحاول الأخيرة الخروج من الخسائر التي تكبّدتها في الاعوام الماضية، يعمد البعض إلى تشويه صورة لبنان عبر الإخلال بالأمن واللجوء إلى الشغب، بما شكّل مادة دسمة تنقلها وسائل الإعلام العالمية بكل تفاصيلها.
بأسى وخيبة يتحدّث القيّمون على القطاعات الرئيسية عن التداعيات المحتملة، وما يمكن أن يسبَّبه الوضع المستجد في وسط بيروت من إساءة إلى صورة لبنان في الخارج. ويبدو أنَّ الآثار بدأت تظهر ملامح جلية عبر البيانين اللذين أصدرتهما سفارتا الكويت والبحرين، طالبة إلى مواطنيها عدم التوجه إلى لبنان.
في هذا السياق، يؤكّد نقيب أصحاب المجمعات السياحية والبحرية جان بيروتي لـ”النهار” أنَّه نظراً إلى ضآلة السياح الخليجيين الوافدين إلى البلاد، فإنَّ التأثير المحتمل للحوادث قد يكون معنوياً فقط. علماً ان الموضوع قد ينعكس سلباً على عطلة عيد الأضحى التي باتت على الأبواب. وفيما “كنا نصدّر إلى العالم صورة عن لبنان تتمثّل في قدرة شعبه على محاسبة الحكومة التي أخفقت في حلّ موضوع النفايات وغيرها من المواضيع التي برزت مع انتهاء شهر رمضان”، أطاح الشغب شيئاً من محاولات المحافظة على هذه السمعة الجيدة، ليفرض مكانها صورة سوداوية متشائمة.
ويرى بيروتي أنَّ لبنان الحقيقي هو لبنان المهرجانات والاحتفالات، بدليل أنَّ اللبنانيين المغتربين والسيّاح العراقيين، الأردنيين والمصريين لم يتردّدوا أبداً في زيارته ومواصلة نشاطاتهم فيه، بما رفع نسبة الحجوزات خارج العاصمة إلى ما بين 60-70%، فيما اقتصرت النسبة في بيروت على ما بين 40-50%. ولفت إلى أنَّ الأندية الرياضية العربية أتت هذه السنة إلى لبنان لإقامة المخيمات على أراضيه، ما شكّل نقطة إيجابية تضاف إلى الرصيد السياحي، وأسف للمحاولات التي تبعث رسالة إلى المواطنين فحواها، على حد تعبيره، أنَّهم “ما دون الحضارة”.
ويبدو أنَّ القطاع التجاري يتشارك والسياحي الهم عينه، مع اعتداء المشاغبين على بعض المحال التجارية في وسط العاصمة وكسر زجاجها، ما يشكّل تخطياً للحدود الأخلاقية وتعدّي الخطوط الحمراء التي على أساسها نزل المعتصمون إلى الشارع. وعلى رغم أنَّ المخرّبين لا علاقة لهم بالتحرّك السلمي، فإنَّ ذلك لم يمنع أصحاب هذه المحال من تكبد خسارة لم تكن في الحسبان. وهنا، يفسّر رئيس اتحاد تجار جبل لبنان نسيب الجميل لـ”النهار”، أنَّ المغتربين والسياح يهمّون إلى التسوق في لبنان بدءاً من نصف شهر آب، علماً أنَّ مشترياتهم تراوح بين الملابس، المجوهرات وغيرها من السلع. لكن المتسبّبين بالخراب لم “يتركوا لهؤلاء الذي أتوا إلى لبنان على رغم كل شيء سبباً للعودة”. وأسف للحالة التي آلت إليها الأمور، إذ أنَّ ما يحصل يزيد المشكلات التي كانت موجودة أصلاً والتي لم تفتح للقطاع التجاري أي متنفّس.
أمام مشهد اول من أمس ونداء المجتمع المنتج في 25 حزيران الماضي ومع الفارق بينهما، يستخلص رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز شارل عربيد بين ثلاث عبر يمكن تلخيصها بالآتي: وجود رأي عام كبير يتملّكه الألم والغضب بفعل إهمال أمورهم المعيشية، وجود رغبة كبيرة في محاربة الفساد على كلّ المستويات، وغياب تام للسياسات الاجتماعية والاقتصادية، بما أفضى إلى نزول الناس إلى الشارع. ويؤكّد أنَه ليس من بين الذين يقولون “أنا مع، ولكن”، إذ “على الجميع تعلّم الدروس من هذا المشهد والانتقال إلى مرحلة من المعالجة الجدية”، كما على المسؤولين “فهم الإشارات والتقاطها للذهاب نحو إنتاجية أكبر في العمل السياسي، الذي لا يمكن أن يتحقق إلا مع انتخاب رئيس للجمهورية”.
ووفق عربيد أنه في غياب السياسات الاقتصادية والاجتماعية، قد يكون من المفيد اعلان حال طوارئ اقتصادية واجتماعية لتصغي الحكومة الى المطالب وتكب على ابتكار حلول آنية تخفف من الاحتقان.
ورأى أنَّه على الناس التجمّع لإسقاط الفساد، البطالة، وغيرها، والتجمّع من أجل الجمهورية والمحافظة على الدولة ومنطق الدولة، مشيراً إلى أنَّه في 25 حزيران، أي عندما اجتمعت القوى المنتجة في لبنان، “حذرنا من الوضع الراهن ونبّهنا من حالة الانتحار الجماعي”. وأكّد عربيد أن الاجتماعات بين هذه القوى مفتوحة، والتواصل بينها لا يزال قائماً لتشكيل حلقات ضغط وإيجاد الحلول والمخارج.
ويختم عربيد: “بدل أن نلعن الظلمة، تعالوا نضيء شمعة أمل ونعمل للانتاج الحقيقي”.
وعلى خط مواز، أصدر رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار بياناً تناول فيه الأحداث التي شهدها لبنان في اليومين الأخيرين، وقال: “الهيئات الاقتصادية التي لطالما أيّدت التحركات السلمية، وتؤيّد التحركات الشعبية المنادية بتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، انطلاقاً من احترامها لمبدأ التظاهر الذي كفله الدستور، إلا أنها في الوقت عينه ترفض كل أعمال التخريب والشغب التي قام بها بعض المتظاهرين، ما حرّف الأنظار عن طبيعة التحرّك السلمي، وحوّله إلى تحرّك مشبوه لا يمت إلى الأهداف التي نزل اللبنانيون إلى الشارع للمطالبة بتحقيقها”.
وإذ نوّه بـ”الدور الاستثنائي الذي يلعبه الرئيس سلام في هذه المرحلة المصيرية”، أكد أن “بقاء حكومة المصلحة الوطنية أمر في غاية الأهمية، لأن استقالتها ستؤدي إلى عواقب وخيمة”. وجدد القصار تأكيده أن الممر الإلزامي لانتظام عمل المؤسسات الدستورية في لبنان، يبقى في انتخاب رئيس جديد.