ديفيد شيبارد وجون ريد وأنجلي رافال
استوردت إسرائيل ما يصل إلى ثلاثة أرباع احتياجاتها النفطية في الأشهر الأخيرة من الإقليم الكردي شبه المستقل شمالي العراق، الأمر الذي يوفر للمنطقة التي تعاني ضائقة مالية مصدر تمويل يساعدها في صراعها ضد تنظيم “داعش”.
وتشكل هذه المبيعات علامة على جرأة متنامية في كردستان العراق ومزيدا من التنافر في العلاقات بين أربيل وبغداد، التي طالما كانت تساورها مخاوف من أن الهدف النهائي للأكراد هو الاستقلال التام عن العراق.
وتسلط الواردات الضوء على السبل والقنوات المهمة التي يجد من خلالها نفط كردستان العراق طريقه إلى الأسواق العالمية، مع ظهور إيطاليا وفرنسا واليونان بوصفهم من كبار المشترين أيضا. إنها تجارة يتم إجراؤها من خلال صفقات سرية مدفوعة مسبقا بواسطة بعض أكبر شركات تجارة النفط في العالم، مثل “فيتول” و”ترافيجورا”.
وخلال الفترة بين بداية أيار (مايو) والحادي عشر من آب (أغسطس)، استوردت المصافي وشركات النفط الإسرائيلية أكثر من 19 مليون برميل من النفط الكردي، وذلك وفقا لبيانات من شركات تعمل في مجال الشحن، ومصادر التجارة، وتعقب الناقلات عبر الأقمار الصناعية. وهذا من شأنه أن يعادل ما قيمته نحو مليار دولار بحسب الأسعار العالمية خلال تلك الفترة.
وهذا يعادل نحو 77 في المائة من متوسط الطلب الإسرائيلي، الذي يبلغ نحو 240 ألف برميل يوميا. وأكثر من ثلث جميع صادرات شمالي العراق التي يتم شحنها من ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، ذهب إلى إسرائيل خلال تلك الفترة.
وتقول مصادر في الصناعة إن بعض النفط ربما يكون قد أعيد تصديره من إسرائيل، أو وضع في مستودعات تخزين.
ويشير التجار ومحللو الصناعة إلى أن إسرائيل ربما تحصل على النفط الكردي بأسعار مخفضة، على الرغم من أن مسؤولين في حكومة إقليم كردستان ينفون هذا. وأشار آخرون إلى أن المشتريات ربما تكون وسيلة تقدم إسرائيل من خلالها دعما ماليا إلى الأكراد.
ووفرت الإيرادات من مبيعات النفط شريان حياة للسلطات الكردية في أربيل. وتوصلت حكومة إقليم كردستان إلى اتفاق مع الحكومة الفيدرالية في بغداد العام الماضي، يقضي بأن تصدرا معا النفط الخام من المنطقة الشمالية، مع حصول الأكراد على جزء من الميزانية الوطنية في المقابل. لكن الاتفاق تعرض لإجهاد نتيجة انخفاض أسعار النفط. وقدمت بغداد التي تعاني أزمة في الميزانية، دفعات محدودة لأربيل في الأشهر الأخيرة. ونتيجة لذلك أقدمت حكومة إقليم كردستان على بيع المزيد من النفط على حسابها الخاص. وتقول بغداد إن أربيل لم ترسل لها ما يكفي من النفط.
ويوضح ظهور إسرائيل واحدا من أكبر المشترين للنفط من شمالي العراق صدعا آخر بين أربيل والحكومة الفيدرالية. ومثل كثير من عواصم الشرق الأوسط، ترفض بغداد الاعتراف بإسرائيل وليست لديها علاقات رسمية معها. وحثت الولايات المتحدة، الحليف القريب لكل من إسرائيل وحكومة إقليم كردستان، أربيل على العمل مع بغداد بخصوص مبيعات النفط.
وقالت حكومة إقليم كردستان إنها لم تبع النفط إلى إسرائيل “بشكل مباشر أو غير مباشر”، لكن العلاقات بين أربيل وإسرائيل ترجع إلى عدة عقود، مع عثور كلا الجانبين على أرضية مشتركة كونهما كيانين غير عربيين متحالفين مع الغرب.
وقال أحد كبار مستشاري الحكومة الكردية في أربيل: “نحن لا نهتم إلى أين يذهب النفط بمجرد أن يتم تسليمه إلى التجار”. وأضاف: “أولويتنا هي الحصول على النقود لتمويل قوات البشمركة ضد “داعش” ودفع رواتب الموظفين المدنيين”.
من جانبها، الحكومة الإسرائيلية لا تعلق على مصدر إمدادات الطاقة، معتبرة ذلك مسألة تتعلق بالأمن القومي. يقول مطلعون إنها مستمرة في استيراد النفط من أذربيجان، وكازاخستان وروسيا، مورديها الرئيسيين خلال معظم العقد الماضي.
وإسرائيل ليست البلد الوحيد الذي يشتري المزيد من النفط الكردي. فمنذ أيار (مايو) الماضي استوردت المصافي الإيطالية نحو 17 في المائة من الإمدادات من شمالي العراق، أي ما يزيد في المتوسط على 450 ألف برميل يوميا خلال الفترة المعنية. واستوردت اليونان وتركيا 8 في المائة و9 في المائة، على التوالي. وجزء ضئيل من هذه الشحنات من شركة تسويق النفط الحكومي في بغداد، باستثناء تلك التي تذهب إلى إسرائيل.
وأبحرت 17 في المائة أخرى من صادرات شمالي العراق إلى قبرص، حيث يتم نقلها عادة من سفينة إلى سفينة – تكتيك يتم استخدامه في بعض الأحيان من قبل التجار لإخفاء الوجهة النهائية لمبيعات النفط.
وقالت مصادر في صناعة النفط، منها بعض المقربين للمبيعات، إن شركة فيتول، أكبر شركة مستقلة لتجارة النفط في العالم، كانت تساعد حكومة إقليم كردستان على تسويق نفطها منذ بداية هذا العام. لكن شركة فيتول رفضت التعليق. كذلك شركة ترافيجورا، التي تم تحديدها شركة كبيرة لتجارة النفط الكردي العام الماضي، لم تعلق هي الأخرى.
وتم أيضا تحديد شركة تجارة النفط، بيتراكو، من قبل ثلاثة مصادر على أنها تساعد حكومة إقليم كردستان في المبيعات. لكن الشركة نفت في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني، أنها تعمل حاليا مع حكومة إقليم كردستان.
وقالت المصادر إن كلا من شركة فيتول وشركة ترافيجورا دفعتا لحكومة إقليم كردستان مقدما مقابل النفط، بموجب ما يسمى صفقات “الدفع المسبق”، الأمر الذي يساعد أربيل على سد الثغرات في ميزانيتها.