IMLebanon

حين تصبح الخشية على “التيار”.. مسيحية

 

gebran-bassil-fpm-martyr-square

 

 

كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:

قد يجد بعض المسيحيين ممن يصنفون «مستقلين»، بمعنى لا يدورون في أي فلك حزبي أو اصطفافي، كل المبررات التي تدفع بميشال عون الى تعطيل قيام حكومة اذا رفض صانعوها إسناد الحقيبة الملائمة الى جبران باسيل، أو لا تليق به وبخبراته… أو أن يتحايل على أرقام الاستطلاعات لبقائه مرشحاً عن أحد المقعدين المارونيين في البترون.

وقد يتفهّمون أيضاً كل الحروب التي يخوضها الرجل للوصول الى الرئاسة الأولى انطلاقاً من المكانة الشعبية التي أتيحت له وتسمح له ببلوغ المرتبة «الذهبية». فهو بالنهاية «من لحم ودم، ولا يجوز معاملته على أنّه من صنف الملائكة المتعففين عن مغانم الدنيا».. ويمكن بالتالي مغفرة كل التمادي في طموحاته.

ولكن ما لا يمكن هضمه أو استيعابه من جانب هؤلاء، ولا حتى قبوله، هو أن يدفن الجنرال بيديه «مولوده النضالي»، ويقبض على روحه في ليلة تسليمه الى جبران باسيل كوريث وليس رئيساً ترفع صناديق الاقتراع مكانته الحزبية.

بنظر بعض هؤلاء، لقد كتب ميشال عون بيديه ورقة النعي لتيار سيموت حكماً لحظة «إخراجه من مائه». وفي هذه الحالة، الديموقراطية هي ماؤه وأوكسيجين نبضه.

الأكيد أنّ آراء «المحزّبين» أو المؤيدين للأحزاب التقليدية، لا تؤخذ بالاعتبار حين يصل النقاش الى عتبة «التيار الوطني الحر» ويصيبه اتهام التوريث السياسي بالعمق. فهؤلاء ليسوا أفضل حالاً ولا أكثر احتراماً للرأي الآخر من أبنائهم، ولم تُسلّم قياداتهم أو هي في وراد التسليم، بواسطة الآليات التنظيمية السليمة التي تتيح الفرص المتساوية أمام جميع الحزبيين، وانما يعاملون كأبناء ستّ وأبناء جارية.

طبعاً، هذه الفئة من الناس استغلت الفرصة فهشّمت القشّة التي بانت في عيون البرتقاليين وأغفلت الخشبة الموجودة في عيونهم. عملياً هؤلاء كلهم تساووا في «الجريمة»، وصاروا بنظر غير الحزبيين، شركاء في ارتكاب الخطيئة بحق العمل الحزبي.

لا شكّ بأنّ عملية التوريث التي شهدها «التيار» هي الأكثر إيلاماً بالنسبة لهؤلاء غير المحازبين، حتى لو جرى تغليفها بورقة توت التوافق التي لا تغيّر في الجوهر. وهي النقطة التي طافت بكوب الإحباط. بنظرهم «التيار» الذي نشأ نضالياً وقدم حتى الأمس تجربة غير تقليدية ولا تشبه غيرها لا في قيامها ولا في مسيرتها، فيها بعض الأمل وإمكانية تطويرها لتكون مؤسسة نموذجية.. واذ بها تصاب في قلبها.

يقول هؤلاء إنّ «التيار» ليس ملكاً للبرتقاليين فقط أو لحاملي البطاقات الحزبية، ولا تمثّل أفكاره هذه الشريحة من دون غيرها. فحتى الجنرال كان يلمّح دوماً الى «العونية» التي هي أوسع من دائرة «التيار»، أي الواردة أسماؤهم على لوائح الانتساب. وهذه الطبقة هي الأكثر تأثراً اليوم بما حصل داخل التنظيم غير المنظم، الذي صار عمره أكثر من ربع قرن.

كان بإمكان هذه التجربة، كما كان يؤمل منها، حتى من «حراسها»، أي تلك القيادات العتيقة، أن تكون نموذجاً ناجحاً من الأحزاب في وسط مهترئ، قادراً على استقطاب أطياف كثيرة من المجتمع المسيحي القابع في منزله والراغب في أحداث التغيير.

ما يهم بالنسبة لهذه الطبقة الحريصة على «التيار» وغير المحزّبة، ليست هوية وريث ميشال عون ولا من سيجلس على كرسيه، ولكن المؤسسة التي ستكون من بعده. الإطار التنظيمي القوي القادر على مواجهة عواصف الخارج والداخل، هو الأهم، والذي يحول دون تفتت هذا الجسم وقضمه من جانب القوى المسيحية الأخرى، التي يسيل لعابها منذ الآن وتستعد لفتح فاها…

ما يعنيهم هو تثبيت هذه المؤسسة على رجليها كي تقف على أرض صلبة تحميها من عواصف الغد وتؤمن منظومة دفاعية للمسيحيين حتى لو لم يكونوا من اللون «البرتقالي». لكن احترام الممارسة الديموقراطية هي الضمانة لهذه المؤسسة و «ألف باء» قيامها.

لذلك فإنّ إلغاء الانتخابات بسبب فرض خيار التوافق، أظهر أنّ هذه التركيبة الحزبية لا تزال ضعيفة، من دون مناعة وغير قادرة على استيعاب مؤيدين ولا تؤمن لهم ضمانات الطمأنينة. وبالتالي كيف يمكنها أن تكون نموذجاً قادراً على إقناع الآخرين؟

إنّ تقديم «التيار» كجسم ضعيف يخشى الانقسامات ويخاف اختبار الصناديق هو ما دفعه الى اللجوء الى مسكنات الأحزاب الأخرى وخزعبلاتها للتحايل على الديموقراطية، سيزيد من حالة الإحباط وسيحيل الحزب الناشئ الى نادي الأحزاب التقليدية العاجزة عن خرق أسوارها.

إلّا أنّ أبرز تبعات هذا الانتقال في رئاسة التيار البرتقالي هو فقدان مصداقية شعاراته. كيف يمكن لقيادته أن تطالب بالشراكة الوطنية اذا كانت محرّمة على أبنائها؟ كيف يمكن المناداة بالحقوق الوطنية اذا كانت ممنوعة على الأقربين قبل الأبعدين؟

بنظر هؤلاء إنّ مأسسة التيار كان حلم ليلة صيف.. انتهى بكابوس.

ولكن ثمة متفائلين من هذه الفئة من المسيحيين. يقول هؤلاء إن الممارسة الديموقراطية هي أوكسيجين العونيين وسبب وجودهم، وهي أساس التركيبة. وبالتالي إنّ اللجوء الى تسويات مخالفة لطبيعتهم لا يعني أبداً انتهاء حالتهم، لأنهم سرعان ما سيعودون الى ممارساتهم الأولية والى قواعد نشأتهم. ولا خوف عليهم من «غيمة صيف» عابرة، لا تعكر الجو إلا لبعض الوقت.

ولهذا لا يخشى هؤلاء من تداعايات كبيرة قد تصيب التنظيم.. لا بل يعتقدون أنّ خيار التوافق كان سيئاً لكنه كان لتجنب ما هو أسوأ، فيما لو صحت التحذيرات المنبهة من استمرار حال الانقسام داخل البيت البرتقالي.