بعض وكالات الأنباء وأجهزة الحرس الثوري الإيراني الإعلامية تغدق على العالم في الآونة الأخيرة بتقارير تعكس الانتصار السياسي والديبلوماسي لإيران في ملفها النووي، ولأنّ تلك التقارير تناست حجم الأرواح التي حصدها التدخل الإيراني الطائفي في كل من العراق وسوريا، فإنّ ذلك التناسي لا يمنع من إلقاء نظرة في داخل طهران ذاتها، إذ وصلت نسب التشرد والنوم في العراء وانتشار الأمراض المعدية والجنسية إلى أرقام مخيفة، ربما تعكس طبيعة تعاطي النظام مع الداخل، وهو ما يعطي فكرة أوضح ربما عن ممارساته في الخارج.
اعترفت مساعدة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة والأطفال شهيندخت مولاوردي بأنّ عدد النساء اللاتي يبتن في الشوارع يفوق الـ5 آلاف من مجموع النائمين على “الكراتين” في العاصمة الإيرانية طهران والذين يبلغ عددهم 20 ألفا.
وقد ازدادت أعداد المشردين وسكان الشوارع في طهران مقارنة بالعام الماضي حوالي 35 بالمئة خلال سنة واحدة، إذ بلغ عدد النائمين في الشوارع السنة الماضية 15 ألفا، ليصبح هذا العام 20 ألفا كما أشار إلى ذلك مساعد رئيس بلدية طهران. وتعتبر نسبة 5 آلاف امرأة معدل أعمارهن بين الثلاثين والخمسة والثلاثين عاما من المشردات مسألة خطيرة ومن المستغرب عدم لفت انتباه السلطات إلى مثل هذه الكارثة.
وبالعودة إلى أهم النقاط التي ركز عليها جلّ سياسيي إيران منذ أحداث 1979 التي جاء فيها الخميني بنظام إسلامي عائدا من باريس، فإنّ أهم نقطة على الإطلاق في كل الخطابات السياسية والبرامج والمقترحات هي القضاء على الفقر، لكن الأمر ومنذ ستة وثلاثين عامًا لم يتغير.
فقد وعد الخميني قبل 35 عامًا بإنهاء الفقر في إيران، وردّد هذا الوعد من بعده الرؤساء الإيرانيون المتعاقبون، ولكن تشير الإحصاءات الرسمية الإيرانية إلى أن أكثر من 15 مليون إيراني، أي 20 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
عدد النساء اللاتي يبتن في شوارع طهران على الكرتون فاق الـ5 آلاف امرأة معدل أعمارهم بين الـ30 والـ32 سنة. هذه الأرقام تبقى محل تشكيك من المنظمات الحقوقية داخل إيران وخارجها، إذ تذهب إلى أعلى من ذلك بكثير، كما أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 10 ملايين.
ويجهل المدافعون عن إيران وسياستها الإقليمية التي يصورونها بأنها نابعة من قوة داخلية، أن عدد الأطفال المشردين من اللقطاء الذين يعيشون دون مأوى في شوارع طهران وحدها يعادل عدد أطفال الشوارع في دول أميركا اللاتينية الأشد فقرا، وهذا الأمر يعود إلى تفشي الفساد في الإدارات العمومية وعدم قدرة النظام على إعادة إنتاج منظومة أخرى في الإدارة نظرا لارتباط الفساد عضويا بأجهزة النظام وآلية عمله.
وتؤكد الدراسات والتقارير الحقوقية التي تقوم بها لجان سرية في إيران، أن المخدرات والانحراف والجرائم بكل أنواعها هي العناصر التي تؤثث حياة هؤلاء المشردين في إيران، وخاصة المدن الكبرى مثل العاصمة طهران. فبعد أن أصبحت المخدرات (وخاصة الهروين) المادة التي يتقاضاها العمال الأفغان كأجر على عملهم، لأنّهم أدمنوا عليها، فإنّ آفة المخدرات تنتشر في صفوف المشرّدين خاصة الأطفال في الشوارع وسكان أركان الكرتون التي ينامون عليها.
وكان آخر ما قدم من هذه الدراسات فيلمين وثائقيين أحدهما بعنوان “كركدن: المتعة أم اللواط أيهما يسبق الآخر في إيران”؟ هذا الفيلم مدته 107 دقائق وهو من إخراج السينمائي الإيراني هوتن شيرازي ويتحدث عن حالة الأطفال المشردين في إيران وكيف يتم استغلالهم جنسيا بصورة بشعة من قبل عصابات المافيا التي يديرها مسؤولون كبار في نظام طهران، وقد عرض هذا الفيلم مؤخرا في مهرجان أقيم في مدينة غوتنبرغ السويدية.
عدد الأطفال المشردين في طهران وحدها يعادل عدد أطفال الشوارع في دول أميركا اللاتينية الأشد فقرا.
أما الفيلم الآخر والذي عرض على شاشة أحد التلفزيونات السويدية وكانت مدته 57 دقيقة فهو يسلط الضوء على عمليات بيع الكلى التي يقوم بها فقراء إيران، حيث وصلت حالة الفقر المدقع بالإيرانيين إلى درجة عرض كلاهم للبيع إلى مجموعات من الأطباء المرتبطين بشبكات دولية لمافيا الأعضاء بوساطة من النظام.
وتؤكد وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها، أنّ مراكز علاج مدمني المخدرات المنتشرة في ضواحي طهران تستقبل كل يوم حوالي مئة وثمانين شخصًا من المدمنين أغلبهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، هم أساسًا من الأطفال المشرّدين وفاقدي الأهل والذين لا يجدون مسكنا.
وتؤكد الشهادات الطبية في تلك المراكز، أنّ أغلب حالات الأطفال التي تأتي تكون عبر أناس عاديين يجيئون بهم إلى المركز العلاجي أو من خلال فرقة مكافحة التشرد إذا قامت بحملة في الشوارع، لكن في الغالب لا تلتفت الشرطة إلى هؤلاء في الشوارع، التي في أغلب الأحيان يتم فيها استهلاك الحقن المخدرة والحشيش وبطريقة علنية.
ومن ناحية أخرى، تقول شهادات من موظفين في أحد مراكز جمع المشردين، إن المراكز المنتشرة في البلاد وخاصة في طهران لا تسمح بطاقة استيعاب كبيرة، فأعداد المشردين تزيد كل يوم، والدولة لا يمكن لها أن تحتمل طاقة استيعاب أكثر من تلك الموجودة الآن من أسرة وأكل ولباس ورعاية صحية، فالأمر أشبه بالحظ، إذا كان المشرد محظوظا في إيران، يجد نصف فراش دافئ يقيه برد الشتاء لبضعة أيام. وتتوقع المنظمات الدولية وغير الحكومية ارتفاع نسبة المشردين وسكان الشوارع في طهران في غضون الأشهر القادمة.