مارسيل محمد
تأخر انفجار الخلاف على تحديد المسؤوليات في ملف استبدال قوارير الغاز لحوالي سنة، لكن في التفاصيل، فإن الخلاف قد لا يكون حول المسؤوليات بشكل أساسي، خاصة وان كلاماً كثيراً يُقال في أوساط شركات الغاز والموزعين يدل على أن هناك صفقات يُختَلف على تمريرها وتوزيع حصصها.
منذ حوالي سنة، إنشغلت وسائل الإعلام بمتابعة اتخاذ قرار بإستبدال قوارير الغاز القديمة، والتي تشكل خطراً على المنازل واصحابها، بأخرى جديدة تحمل مواصفات تضعها مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية “ليبنور”، ومن بينها تسجيل تاريخ الاستبدال. وكان على المواطن وفقاً للقرار، ان يدفع مبلغ 1000 ليرة عن كل قارورة يستبدلها، بحسب ما تم تداوله يومها. على ان توضع الاموال المحصّلة “في حساب وزارة الطاقة، وتنفذ بها مشاريع في وقت لاحق”، على حد تعبير عضو اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الاشغال العامة، النائب جوزيف معلوف.
الاستبدال لم يتم، والاموال لم تُجمع. وبعد نقاشات واجتماعات خرج وزير الصناعة حسين الحاج حسن ليعلن انسحابه من عملية الاستبدال، معللاً ذلك بأن الوزارة “أعدت مشروع قرار يتضمن تحميل الشركات المستوردة وشركات التعبئة والمواطنين كلفة الاستبدال، وأرسلته إلى كل من وزيري الطاقة والمياه والداخلية والبلديات. فجاء الرد من وزير الطاقة بأنه الوحيد صاحب الصلاحية باعداد وتوقيع قرار بهذا الخصوص”. وجاء في بيان للوزارة أنها قدمت اقتراحاً يقوم على “تحميل المواطنين فقط كلفة الاستبدال من دون تحميل الشركات أي تكلفة”. وأضاف البيان ان هناك “إشكالية تتعلق بالعدد الفعلي لقوارير الغاز الموجودة في السوق والمطلوب استبدالها. فهناك من يتحدث عن ثلاثة ملايين قارورة، وآخرون يتحدثون عن أربعة ملايين وفريق ثالث عن سبعة ملايين قارورة؟ وهنا يطرح سؤال بديهي عن الجهة المستفيدة من التلاعب بالعدد الصحيح ولأي غاية يتم ذلك؟”.
التساؤلات المطروحة أثيرت منذ اليوم الأول لإطلاق مشروع الاستبدال، لكن أحداً من المعنيين لم يُجب عنها. فلماذا تأجّل طرحها الى اليوم؟، ولماذا لم تؤخذ في الحسبان منذ اللحظة الأولى؟. أسئلة كثيرة تجيب عنها مصادر مطّلعة على الملف، حيث تشير الى ان هناك “صفقات للإستفادة من حديد القوارير ونحاسه، وهناك امكانية لتصدير القوارير المستبدلة الى الخارج، وتحديداً الى افريقيا، لكن التصدير سيكون تحت عنوان الخردة، في حين ان القوارير ما تزال صالحة للإستعمال، وتحتاج الى صيانة بسيطة، يمكن ان تُحل بالدهان”. وتتساءل المصادر عن العدد الحقيقي للقوارير، “فحتى العدد المخفّض الى حوالي 4 ملايين، مبالغ فيه”.
من ناحيته رأى مدير شركة “صيداكو” للغاز جمال عون، ان “الشركة ستلتزم بالقرارات التي تتفق عليها الوزارات، حتى وان كان لدينا ملاحظات عليها”، واعتبر عون في حديث لـ “المدن” ان “تحمل كلفة الاستبدال هي من مسؤولية المواطن، مشبهاً العملية بشراء سيارة، حيث يتكفل المواطن بإصلاحها بعد فترة طويلة من شرائها، ولا تلتزم الشركة بالاصلاح طيلة الوقت”، لافتاً النظر الى ان “الشركة تنبّه زبائنها الى ضرورة صيانة القارورة، وعدم وضعها تحت الشمس او المطر، او وضعها في ظروف تساعد على تلفها. وحتى من دون وجود قرار الاستبدال، الشركة تساعد زبائنها في اعادة دهن القارورة وصيانتها اذا لزم الامر”.
في كلّ مرة يُعاد طرح موضوع قوارير الغاز، لكن من دون أن يفهم المواطن أو الشركات ما يحصل، حتى ان نقيب العاملين والموزعين في قطاع الغاز فريد زينون، تساءل في حديث لـ “المدن” عن التفاصيل، قائلاً: “نحن لا نعرف التفاصيل، وننتظر الوزارات واللجان المعنية”. لكن سواء وقعت كلفة الاستبدال على كاهل المواطن او الشركات، الا ان القضية الاساس تبقى قضية الفوضى والمحسوبيات التي تدخل في أساس أي ملف. فقرار إستبدال القوارير ليس وليد اليوم، بل هو قرار مطروح منذ سنوات، وتؤلّف لأجله لجان تصرف الوقت والمال، وبعدها تُقفل القضية من دون محاسبة، وتبقى اسباب الاقفال مجهولة، ويُعرف منها ان خلافات في وجهات النظر وتحديد المسؤوليات هي التي اوقفت المشروع، على ان يُستكمل فور ازالة العراقيل. وبالنتيجة، أحد الاطراف يتنصل من الموضوع، ليدور النقاش بين المعنيين حول من عطّل المشروع، من دون التطرق الى المشروع ذاته.