خضر حسان
على مدى نحو 17 عاماً شكّلت “سوكلين” امبراطوية وصل نفوذها الى أروقة الدولة اللبنانية، وباتت الى حدّ كبير “هي الدولة” كما يصفها عدد كبير من عمّالها. الامبراطورية شغّلت جيشاً كبيراً من العمال، “أفنوا عمرهم في خدمة الشركة، وأصيب بعضهم إصابات بالغة”، وكل ذلك كان سهلاً أمام تأمين لقمة العيش.
تبدلت الأحوال، وأصبحت امبراطورية سوكلين أمام تحدّي البقاء، فإقتراب انتهاء العقد مع الشركة بعد حوالي 6 أشهر، يفترض القيام بمناقصات لتلزيم شركات جديدة، وهذا ما حصل مؤخراً بعد فترة من التملص نتيجة الحسابات والمصالح السياسية. غير ان المناقصات شهدت أسعاراً مرتفعة، دعت مجلس الوزراء الى رفض النتائج والعمل على اعادة المناقصات. هذا في الشكل، اما في المضمون، فإن ما جرى ليس بهذه البساطة، فقرار إعادة المناقصات يعني التمديد الفعلي لعمل سوكلين، “وهذا ما تعرفه إدارة الشركة، التي روّج البعض فيها الى استمرار عملها بفعل الامر الواقع. لأن اعادة المناقصات قد تستمر الى ما بعد الـ 6 أشهر، وربما الى سنة أو اكثر. واحتمال بقاء سوكلين يقارب نسبة الـ 70%”، وفق ما ذكرته لـ “المدن” مصادر مقربة من إدارة الشركة.
بقاء سوكلين الذي يكفله الأمر الواقع، لا يعني طمأنة العمال، فكل الاحتمالات مفتوحة، ان على صعيد اجراء سلسلة تغييرات لاحقاً، يُستغنى خلالها عن جزء من العمال، أو على صعيد عدم صدق التوقعات، وبالتالي انكفاء سوكلين عن العمل. لذلك، حاول عمال الشركة إستباق الاحتمالات، والمطالبة بتعويضات، او على الاقل بضمانات تحفظ حقوقهم في حال اجراء مناقصات جديدة وتوقف عملهم، لكن “الشركة رفضت إعطاء الضمانات”. فكان اعتصام العمال امام مقر الشركة في الكرنتينا، والذي لم يخلُ من الشوائب السياسية والطائفية، “فالتدخلات بهدف السيطرة على الاعتصام واستغلاله كانت سيدة الموقف”، كما تشير المصادر.
قبل الاعتصام، حاولت نقابة سائقي سيارات نقل النفايات، العاملة في الشركة، “التنسيق مع العمال والخروج بإعتصام موحد يرفع كافة المطالب، الا ان العمال سحبوا أيديهم من الموضوع، معلقين آمالاً على استمرار عمل الشركة، لكن بعد نتائج المناقصات الاخيرة، وجدوا ان الامور اختلفت، فخافوا على عملهم، ونفذوا اعتصاماً منفرداً”، على حد قول رئيس النقابة طه نصار، الذي يشير لـ “المدن” الى ان “الاعتصام العشوائي يشكّل خطراً على العمال لأنه أكثر عرضة للخرق والإستثمار”.
الإعتصام الذي ظهر وكأنه بداية إحراج للشركة، سرعان ما فُض، “ولا أحد يعرف لماذا”، فعاد العمل الى الشوارع، وبدأت عملية رفع النفايات التي كانت حتى صباح اليوم تغطي الشوارع، في مشهد يذكّر ببدايات أزمة النفايات. وتنفيذ الاعتصام ومن ثم فضه تحت ظروف غامضة، يردّه نصار الى “غياب الثقافة النقابية”، في حين تردّه مصادر “المدن” الى “الضغوطات” فالعمال وان كانوا أصحاب حق، إلا انهم “لا يستطيعون الوقوف بوجه الشركة”، لاسيما في ظل غياب التنظيم والثقافة النقابية، وفي ظل الحديث عن استمرار عمل الشركة.
من جهة أخرى، لم تُثمر محاولات الإتصال بمسؤولين في الشركة، والتي فضلت الإكتفاء بردّ مقتضب على الاعتصام، من خلال بيان أكّدت فيه انها “حريصة تماماً على حقوق جميع العاملين لديها وتلتزم بدفع جميع حقوقهم وأنها كعهدهم بها لن تخل بأي التزامات تجاههم”، لكن الشركة لم تحدد آلية دفع الحقوق في حال انتهاء عقدها. لكن ما نُقل عن “أحد المستشارين في الشركة”، يفيد بأن التعويضات ستكون “دفع 3 أشهر للجميع” دون الاخذ في الاعتبار سنوات الخدمة، في حين يطالب العمال بتعويض “6 أشهر لمن عمل ما بين شهر الى سنة و24 شهراً لمن عمل ما بين سنة الى ثماني سنوات و36 شهراً لمن عمل ما بين ثماني سنوات وما فوق، إضافة الى تعويضات عن الأمراض والاصابات والحوادث خلال العمل”.
بدأ العمال بتحسس رقابهم، فلا شيء يضمن بقاءهم حتى وان بقيت الشركة، وهؤلاء وقعوا اليوم بين نارين، نار المسارعة الى ضمان حقوقهم قبل انتهاء العقود والإضطرار الى ملاحقة الشركة هنا وهناك، ونار “السترة” التي تضمن استمرار العمل. وفي ظل غليان الشارع جراء أزمة النفايات، يتطلع كثير من العمال الى “إنتفاضة” خاصة بهم، تضغط على الشركة لضمان حقوقهم بشكل صريح ووفق جدول واضح. وبالاضافة الى العمال اللبنانيين، ينتظر آلاف العمال الأجانب مصيرهم بقلق، وأغلب هؤلاء لا يعرفون حتى اللغة العربية، فكيف بمعرفتهم لما يحدث في هذا الملف؟ وعليه، فإن مصير “الجيش الأجنبي” هذا سيُعلّق أيضاً، الى ان تحين لحظة الإنفراج.