Site icon IMLebanon

جبران باسيل يتربع على عرش “التزكية المُحبطة”

 

كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”: 

…وبات جبران باسيل رئيساً لـ«التيار الوطني الحر». صار له ما يريد، في الرئاسة، في صلاحياتها، في التركيبة.. وحتى في الشكل. لم يكبّد نفسه عناء خوض معركة انتخابية ديموقراطية تعبّر عن روح «التيار» ووجدان مناضليه، فقُدِّم له «العرش» على طبق «تزكية مُحبطة» اشتغلها الجنرال ميشال عون بتفاصيلها، مجيّراً هالته وصورته وتاريخه لمصلحة خليفته المختار منذ زمن.

بالأمس تقدم الرجل بطلب ترشيحه لموقع رئيس الحزب حاملاً في جيبه اسمين إضافيين لمرشحَيه لموقع نائبَي الرئيس. انتظر اليوم الأخير المتاح لباب الترشيحات، كي يسجّل اسمه في خانة بقيت شاغرة، ليس خوفاً من مفاجآت غير محسوبة طالما هو متيّقن أنّ ما كتبه ميشال عون قد كتب ولن يجد من يغيّره.. وإنما كي تترك ورقة نائبَي الرئيس مستورة حتى اللحظة الأخيرة.

وحين فتحت هذه الورقة، تمنى كثر، خصوصاً من ضفّة المعارضة البرتقالية، لو أنها بقيت مغلقة بعدما قضت على آخر أحلام اليقظة التي راودتهم في الأيام الأخيرة، وجعلتهم يصدِّقون أنّ الاتفاق الهجين الذي شرّع رئاسة باسيل، قد يحمل حفنة من الشراكة في الحكم. فجاء ترشيحا نقولا صحناوي ورومل صابر ليعيداهم الى القعر، ويصيباهم من جديد بالإحباط لأنهم تيقنوا أنّ المكتوب يقرأ من عنوانه، ولا مقدرة على محو سطر منه. وما التسوية التي جرت الا محاولة فاشلة لتغيير واقع يريده ميشال عون بأي ثمن، لتتويج باسيل رئيساً «فوق العادة»…

أما الدليل فهو أنّ الترشيحين أثبتا أنّ منطق الغالب والمغلوب هو السائد، وهو الذي سيظلل عهد التأسيس الأول، خلافاً لما وعد به الجنرال بأنّ التسميتين ستكونان متناغمتين مع جو التوافق. وهناك من يذهب بكلامه الى حدّ القول إنّ المشكلة ليست في تصنيف المرشحين لا بل في قدرتهما على استنهاض القواعد واستعادة الثقة بالقيادة، حيث كان المطلوب نائباً للرئيس يكون ابن القاعدة ومنها.

هكذا، فقد استعاد بعض هؤلاء أدبيات الرثاء على ديموقراطية «التيار» التي اعتقدوا أنها نموذجية ويمكن لها أن تخرق الأنماط المعلَّبة للأحزاب التقليدية، وإذ بالرياح تجري بغير ما تشتهيه سفنهم، فصُدموا مجدداً من الواقع الذي بلغوه ومفاده أنّ الشعارات التي يقدمونها للناس، هم أنفسهم عاجزون عن تطبيقها.

بنظر هذه الفئة المحبطة فإنّ فرض التسوية «بزنود الجنرال» كان لها وقعها السيئ على القواعد البرتقالية، حتى لو أنكر المستفيدون من هذه الصياغة حصول ضغوطات، محمّلين النواب مسؤولية المبادرة باتجاه الاتفاق… لكنَّ القاصي والداني يعرف كيف صيغ هذا الاتفاق وبأي روحية وبأي ظروف.

أضف الى أنّ التسوية بحدّ ذاتها لم تروِ غليل المطالبين بشراكة فعلية على طاولة القرار، حيث أنّ الصياغات اللغوية التي قدمت كمبرر لوضع اليدّ بيد باسيل، بدت وكأنها نوع من التذاكي الذي لا يعطي من «الجَمَل إلا أذنه». وهي كرّست بنظرهم منطق التفرد والآحادية، بشرعية «الأكثرية» وبمباركة «التزكية».

حتى أنّ الإخراج الضعيف للاتفاق، زاد من نقمة الأرضية المعارضة كونها لم تُمنح الوقت ولا حتى السؤال عن رأيها بمضمون ما جرى التوصل اليه، خصوصاً أنها لم تقتنع بما قُدّم لها فيما بعد من صياغات يفترض أنها انتصار متعادل للفريقين، لتبين لها أنّ النتيجة أتت «واحد ـ صفر».

هكذا بدا اللقاء الذي دعا اليه بعض المعارضين وعقد مساء أول من أمس، استقطابياً لعدد من الكوادر البرتقالية الباحثة عن «جبهة رفض» تشكو اليها همها وتودعها مطالبها وشكواها.. لكن اللقاء انتهى من حيث بدأ.

ثمة من اعتقد أنّ زياد الأسود سيكمل ما بدأه هؤلاء، أو بالأحرى ما أوقفه رفاقه النواب، ليقدم ترشيحه تعبيراً عن مناخ الرفض للاتفاق، ولكن النائب الجزينيّ قصد الاجتماع من باب استعياب المنتفضين وطمأنتهم بأنهم ليسوا متروكين برغم الشائعات والضغوطات الحاصلة، وإقناعهم بعدم تمزيق بطاقاتهم الحزبية وبأنّ المعارضة من الداخل تحفّز على تصحيح الاعوجاج كي لا ترمى جهود المناضلين في سلّة النفايات.. وهي على وشك.

بالنتيجة، أبلغهم أنه لن يرمي حجراً في البئر التي شرب منها وأن ترشيحه في هذه اللحظة المفصلية بالذات سيُفهم على أنه تحدٍ للجنرال، وهذا ما لا يريده. فكان جبران باسيل رئيساً بالتزكية.

عملياً، انتهت موجة الاعتراض الى استسلام لقضاء ميشال عون وقدره، ولأفكار سوداوية تجتاح كثراً منهم بعدما سُحب الهواء بنظرهم من قلب «التيار» فصارت المسافة شاسعة بين «أسطورة» ميشال عون.. والأرض. والسقوط القاتل بدا متوقعاً، وسط تخوف بعض القدامى من تحوّل التنظيم من حالة نضالية الى شبكة مصالح تدفع بالمنغمسين فيها الى استبدال سؤال: «ماذا أقدِّم؟».. الى «ماذا سأحصِّل؟».