عندما دعت دول مجلس التعاون الخليجي في يونيو/حزيران 2013 مواطنيها لعدم السفر إلى لبنان نظرا لعدم استقرار الأوضاع الأمنية فيه أصيب اللبنانيون بصدمة كبيرة لعلمهم أن قطاعات أساسية في بلادهم تعتمد على الخليجيين بصورة رئيسة.
اليوم وبعد أكثر من عامين على هذه المقاطعة عادت دول الخليج -وعلى رأسها السعودية والبحرين والكويت- لتطلب من رعاياها عدم التوجه إلى لبنان أو البقاء فيه بفعل الاضطرابات التي شهدتها منطقة وسط بيروت على إثر قمع القوى الأمنية احتجاجا شعبيا على تفاقم أزمة النفايات.
غير أن رئيس نقابة أصحاب المؤسسات السياحية جون بيروتي يرى أن “القرار الخليجي الأخير لن يحدث تأثيرا كبيرا على القطاع السياحي اللبناني الضعيف أصلا”.
الدخل والإنفاق
ويضيف بيروتي للجزيرة نت أن مقاطعة الخليجيين للبنان مستمرة فعليا منذ أربع سنوات، وقد انخفض الدخل السياحي خلالها من ثمانية مليارات دولار في العام 2010 إلى 3.5 مليارات في العام 2014.
ومرد هذا التراجع -وفق بيروتي- هو غياب السياح الخليجيين الذين يتراوح معدل إنفاقهم بين 13 ألفا و14 ألف دولار في السفرة الواحدة مقارنة بثلاثة آلاف دولار للسائح الأوروبي.
ويضيف “إذا كانوا يشكلون -أي الخليجيين- في العادة 30% من إجمالي السياح إلا أنهم ينفقون ما نسبته 50% من إجمالي الإنفاق السياحي في لبنان”.
ويشير المتحدث إلى أن “القطاعات الأكثر تأثرا بغياب الخليجيين -إلى جانب السياحة- هي التجارة والعقار، إذ تراجعت الحركة التجارية في السنوات الأخيرة بنحو 30%، خصوصا ما يتعلق بالسلع الفخمة، كما تراجعت حركة القطاع العقاري، ولا سيما شراء الشقق الفخمة بحوالي 12% أيضا”.
ويضيف بيروتي أن النشاط السياحي في مناطق الاصطياف التي تشكل مقصدا أساسيا للخليجيين (بحمدون وصوفر وما حولهما) تراجع بحوالي 80%.
وتظهر أرقام وزارة السياحة -التي حصلت الجزيرة نت على أحدث نسخة منها- أن عدد السياح العرب حتى نهاية يوليو/تموز 2015 بلغ 271 ألفا من أصل 880 ألفا يشكلون إجمالي الوافدين إلى لبنان، ويأتي العراقيون (101 ألف) والأردنيون (45 ألفا) والمصريون (42.7 ألفا) في رأس قائمة الوافدين، يليهم السعوديون (29.7 ألفا) والكويتيون (20.4 ألفا).
ومقارنة بالعام 2014 فقد بلغ إجمالي السياح العرب 235 ألفا، أي أن الفترة ذاتها من العام 2015 شهدت زيادة بحوالي 15% مقارنة بالعام الماضي، وناهز إجمالي عدد السياح في 2014 قرابة 1.3 مليون سائح.
غير مؤثر
من جهة أخرى، يرى رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر أن الوضع السياسي والاجتماعي والمالي للبنان يلقي بظلاله على السياحة، ويشير إلى أن “نسب الإشغال الفندقي في الأشهر السبعة الأولى من 2015 لم تسجل تراجعا حادا مقارنة بالسنة الماضية، فالتراجع الكبير قياسا إلى العام 2010 -السابق على الأزمة السورية وقرار الخليجيين غير الرسمي مقاطعة لبنان- لا يزال على حاله”.
ويتفق الأشقر مع بيروتي على تقديره لحجم التراجع في مداخيل القطاع السياحي بالسنوات الأخيرة، يرد الأول هذا التراجع بصورة أساسية إلى مقاطعة الخليجيين الأولى، لافتا إلى أن القرار الأخير لن يكون له إلا تأثير طفيف جدا.
ويشير الأشقر إلى أن معدل الإشغال الفندقي في النصف الأول من العام 2015 تراوح بين 40% و42% ليرتفع في موسم الصيف إلى 55%، فيما كان يبلغ في السنوات السابقة على الأزمة بين 88% و92% صيفا.
كما تراجع سعر الغرفة -وفق الأشقر- من 250 دولارا و350 دولارا إلى ما بين 150 دولارا و170 دولارا (خمس نجوم)، أما الغرف التي كان سعرها يبلغ 150 دولارا فقد انخفضت إلى ثمانين دولارا تقريبا.
ويوضح الأشقر أن الأرباح تراجعت كثيرا نتيجة المضاربة الحامية بين أصحاب المؤسسات وتعطشهم للسياح، مما أدى إلى خفض الأسعار كثيرا، ويشير إلى أن “السائح الخليجي لا يزال يزور لبنان، ولكن نمط استهلاكه وإقامته تغير تماما، فبدلا من البقاء لشهر أو أكثر لم تعد إقامته تتعدى بضعة أيام، كما إن إنفاقه تراجع كثيرا”.
ويلفت رئيس نقابة أصحاب الفنادق إلى أن القطاعات التي تعتمد على السوق المحلية كالمطاعم لم تشهد تراجعا دراماتيكيا، فيما سجل وكلاء السفر نموا في أعمالهم بسبب اعتماد السوريين الكثيف عليهم.