لم يكن سوق الأسهم السعودية بمنأى عن أزمة تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، والتي أدت في الأيام القليلة الماضية إلى هبوط حاد بمؤشرات الأسواق العالمية، إذ خسر مؤشر بورصة الرياض في مطلع الأسبوع الجاري 12% من قيمته.
وبعدما التقطت السوق السعودية أنفاسها في تداولات الثلاثاء ما لبث مؤشرها أن تراجع مجددا أمس الأربعاء ليشكل حاجز ٧٣٠٠ نقطة مؤشرا مقلقا لدى المضاربين والمستثمرين لن يبدده سوى توقف أسعار النفط عن الانخفاض، ووجود صانع سوق سعودي يمتص حالة الهلع لدى المستثمرين.
وذهب خبراء ماليون واقتصاديون سعوديون إلى أن ما يحدث في السوق السعودية ناتج عن متغيرات وبيانات اقتصادية عالمية بفعل المخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وتأثيره على نمو الاقتصاد العالمي.
ولا يعزو محللون تحدثوا للجزيرة نت سبب هبوط البورصة السعودية إلى العوامل الخارجية فقط، بل يشيرون إلى عوامل داخلية زادت من حدة الهبوط المرتبط بأسعار النفط، وسلوك البنوك المحلية التي عمقت الأزمة، وغياب الصوت الرسمي أيضا.
أسعار النفط
ويرى مدير إدارة الأبحاث والمشورة بشركة البلاد المالية تركي فدعق أن أزمة الصين تزامنت مع هبوط مؤشر بلومبيرغ للسلع الأولية (الذي يتابع أداء 22 مادة من المواد الخام) إلى أدنى مستوياته منذ أغسطس/آب 1999، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جديدة أسهمت في زيادة العجز بموازنات دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما ضاعف حدة هبوط الأسواق المالية المحلية.
وفي السياق ذاته، يرى الاقتصادي السعودي فضل البوعينين أن انخفاض أسعار النفط أثر على الإنفاق الحكومي الذي يعد المحرك الرئيس للاقتصاد.
وعلى الرغم من أن الرياض تمتلك احتياطيات مالية ضخمة وخيارات متعددة لضمان التمويل اللازم للإنفاق فإن ذلك لم يمنع من إحداث أثر نفسي كبير على المتداولين في البورصة ليفرز موجة من البيع أثرت سلبا على المؤشر حسب البوعينين.
البنوك والمضاربة
ويعتقد الاقتصادي السعودي أن البنوك تسببت في تعميق أزمة سوق الأسهم في الأيام الماضية عن طريق تسييل المحافظ لتغطية المراكز المكشوفة، ويقصد بتسييل المحافظ بيع الأسهم وتحويلها إلى سيولة لتعزيز محفظة أخرى بالمال أو نفس المحفظة تكون في وضع خسارة.
غير أنه من وجهة نظر فدعق فإن ما قامت به البنوك ليس سببا رئيسيا في الانخفاض، لأن هذه المؤسسات شركات مساهمة تحكمها أنظمة مؤسسة النقد والتسهيلات المالية موجودة في جميع الأسواق، كما أن نسبة التسهيلات إلى قيم التداول تبقى منخفضة.
ويؤيد هذا التحليل المستشار الإداري والباحث في اقتصاديات المعرفة خالد الحارثي، إذ يقول “إذا حدثت أي مخالفة من البنوك لاتفاقاتها مع المستثمرين، فالنظام يكفل حصولهم على تعويضات غير مباشرة منها، والقضايا التي كسبها المستثمرون مؤخرا ضد بنوك كبرى هي أكثر بكثير من التي كسبتها البنوك”.
الاستثمار الأجنبي
ويأتي الهبوط الحاد للبورصة السعودية بعد شهرين من المستويات المرتفعة جدا التي شهدتها بعد إعلان السلطات عن فتح السوق للمرة الأولى أمام الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويرى محللون أن المستويات الحالية للأسهم تعد مغرية للمستثمر الأجنبي الباحث عن فرص استثمارية، إذ تفيد المؤشرات المالية بانخفاض متوسط السعر للعائد للسوق من 19 مضاعفا مطلع مايو/أيار الماضي إلى 15 مضاعفا آخر أغسطس/آب الحالي.
ويشير الحارثي إلى أنه في الوقت الذي يعتبر فيه الانخفاض الحالي لأسعار الأسهم محفزا على الاستثمار وتعديل الأسعار، إلا أن غياب التفاصيل من الجهات الرسمية قد يحول دون الاستفادة من هذه الفرصة.
ويقول البوعينين “انخفضت مكررات الربحية (مؤشر لتقييم الأسهم) بشكل كبير، خاصة الأسهم الاستثمارية التي تعتبر هدفا للمستثمرين الأجانب، حيث إنه لا توجد جهة واحدة بيدها مفاتيح السوق السعودية، فالسوق تتحرك وفقا لتوقعات المستثمرين الذين يستحوذ فيهم الأفراد على نسبة عالية من قيم التداول الإجمالية”.
وحسب فدعق، فإن غلبة نشاط المستثمرين الأفراد تجعل تحركات السوق حادة انخفاضا أو ارتفاعا، لأن الأفراد يؤثر فيهم الجانب النفسي بشكل أكبر من المؤسسات المالية.
وحتى لا تستمر أزمات السوق يشدد أبو العينين على ضرورة وجود صانع سوق محترف يساعد على امتصاص حالات الهلع عن طريق الشراء السريع في حالة البيوع الجائرة.