على رغم تطوّر العقليات المجتمعية ومَنح المرأة جزءاً من حقوقها السياسية والمدنية، وأهمها الحقّ في تقرير مصيرها ومنحى حياتها العاطفية، إلّا أنّ النظرة إلى العزوبية لا تزال “سوداوية” بعض الشيء. فهل تكون العزوبية رديف تعاسة أم على العكس دليل سعادة وراحة؟
لا يخفى على أحد أنّ العازبة تتعرّض لضغوطات كثيرة تجعلها تُعيد النظر في وضعها العاطفي، خصوصاً عند مشاركتها في نشاطات وأمسيات يطغى عليها الطابع العائلي. ولا يخفى على أحد أنّ العزوبية، وعلى رغم كونها خياراً شخصيّاً، إلّا أنها قد تكون أحياناً سبباً لتعاسة المرأة، لا سيّما عندما يطرح عليها السؤال ذاته آلاف المرّات: “لمَ لم تتزوّجي بعد”؟
فارق بين العزوبية والارتباط
وعلى رغم اعتبار البعض أنّ العزوبية مَدعاة حزن وتعاسة إذ إنها تترافق مع الوحدة والانفرادية في اتخاذ القرارات والمشاركة في الاحداث والنشاطات العامّة، إلّا أنّ دراسة حديثة أجرتها جامعة أوشلاند في نيوزيلاندا ونشرت في مجلّةSocial Psychological and Personality Science أكدت أنّه “عندما يتعلّق الأمر بالسعادة فلا فرق بين الزواج والعزوبية.
بمعنى آخر إنّ العزوبية قد تكون رديفاً للسعادة أيضاً”. وأوضح الباحثون أنّ “عدم مشاركة الحياة مع شخص آخر ليس بالضرورة أمراً مؤسفاً، بل على العكس قد يحمل السعادة إلى صاحبه فيشعر بالرضا أكثر من المرتبطين والمتزوّجين”.
مشاكل الحياة الزوجية
من جهتها، علّقت إحدى القيّمات على الدراسة الدكتورة في العلوم النفسية Yuthika Girme قائلة: “أبحاث عدّة كان سبق أن أظهرت تأثير العزوبية السلبي على الحالة النفسية ونسبة السعادة مقارنةً بالمتزوجين أو من يعيشون علاقة عاطفية. ولكنّ هذه الابحاث والنتائج ليست أكيدة بنسبة مئة في المئة ولا تنطبق على كلّ الناس”.
موضِحة أنّ “الحياة الزوجية والمشتركة ليست جميلة دائماً وأحياناً تجتاحها الخلافات والمشاكل التي توتّر الشريكين وتُربكهما وتحزنهما أيضاً”. وفي هذا السياق، لاحظ الباحثون أنّ “الاشخاص الذين يميلون إلى تفادي الخلافات الزوجية والمشاكل العاطفية يؤكّدون أنّهم شعروا بسعادتهم أكثر في عزوبيتهم منها في ارتباطهم، وذلك بعكس الاشخاص الذين لا يقلقون بشأن المشاكل التي تجتاح العلاقة والذين أقرّوا أنّهم كانوا أقلّ سعادة في فترة عزوبيتهم”.
بعيداً من تنازلات الزواج
وللتوصّل إلى هذه النتيجة، استطلع الباحثون 4000 مستطلع مرتّين في غضون سنتين. وقد شكّل العازبون نسبة 1/5 من المستطلعين، في حين أنّ النسبة المتبقية منهم تعود إلى المتزوجين أو المرتبطين بعلاقات عاطفية.
وفي المجمل، تبين أنّ “الاشخاص المندرجين في علاقة عاطفية مهما كان نوعها ظهروا أكثر سعادة من العازبين”. ولاحظوا أنّ “العازبين الذين يكرهون الخلافات العاطفية ويخشون المشاكل التي تَنشب بين الشريكين، يشعرون بالسعادة إثر عزوبيتهم الخالية من الخلافات والتنازلات”.
وسيلة للحدّ من التوتّر
وبحسب تقرير نشرته صحيفةNew Zealand Herald فإنّ “الاشخاص الذين يخشون الخلافات العاطفية مقتنعون بعزوبيتهم ويقرّون بسعادتهم على رغم الضغوطات المجتمعية التي تفرض عليهم البحث عن شريك”. وأقرّت Girme أنّ “العزوبية هي بالنسبة إلى البعض وسيلة فعّالة للتحرّر من الخلافات والمشاكل والتوتر الناجِم عنها”.
منافع العزوبية
وختمت الاختصاصية في علم النفس حديثها مشيرةً إلى أنّ “العزوبية ليست بالضرورة تلك التجربة السلبية التي يخشاها الناس”، موضِحة أنّ “العزوبية شكّلت بالنسبة إلى البعض تلك الوسيلة التي شجّعتهم على تطوير ذواتهم وتحقيق طموحاتهم وأهدافهم الشخصيّة والمهنية وتوطيد علاقتهم أكثر بأسَرهم وأصدقائهم”.