شهدت الأسواق التونسية، في الأيام الماضية، نقصاً كبيراً في بعض أصناف السجائر المحلية الشعبية، التي يقبل عليها المدخنون بشكل كبير، وسط اتهامات للتجار باللجوء إلى التخزين، ما أجج الشكوك حول إمكانية لجوء الحكومة إلى رفع أسعار هذه السلعة لسداد جزء من عجز الميزانية، لما تبقى من العام الحالي. وتمثل السجائر والكحوليات ثاني مصدر للضرائب المباشرة لخزينة الدولة في تونس. وأدى صمت الجهات الرسمية حول إمكانية زيادة الأسعار من عدمه، إلى إثارة جدل واسع في أوساط المدخنين، لاسيما أنه سبق أن تم رفع أسعار السجائر مرتين في غضون العامين الماضين بنحو 8% في 2013 و2014. وتفيد إحصاءات حديثة للمعهد الوطني للإحصاء الحكومي، أن الفرد التونسي يخصص أكثر مصاريفه للإنفاق على السجائر، حيث يقدر معدل إنفاقه على التدخين أكثر من 70 ديناراً شهرياً (36.5 دولاراً)، بينما يخصص 53 ديناراً (27.6 دولاراً) لمصاريف التعليم. وأبرمت تونس اتفاقية مع المنظمة العالمية للصحة، تنص على رفع أسعار السجائر سنوياً بنسبة لا تقل عن 10%، وذلك بهدف تحفيز المدخنين على الإقلاع عن التدخين، لاسيما الأطفال والمراهقين. وقالت حبيبة اللواتي، المديرة العامة للجباية في وزارة المالية، إن الحكومة لم تقرر بعد زيادة أسعار السجائر، مشيرة إلى أن الوزارة تكابد من أجل دعم المصادر الجبائية للدولة، خاصة بعد إلغاء الحكومة لعدد من الإجراءات، التي أدرجت في قانون المالية على غرار رسوم المغادرة المقدر بـ 30 ديناراً (15.6 دولاراً) الذي كان مفروضاً على السياح.
وأضافت حبيبة في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الوزارة تبحث عن موارد جديدة لتخفيف العبء على ميزانية الدعم، لافتة إلى أن التونسيين لن يتقبلوا فرض ضرائب جديدة. وأكدت المديرة العامة للجباية، أن الدولة مطالبة بتدبير ما يعادل 9.9 مليارات دولار من الموارد الجبائية خلال العام الجاري، لمواصلة تمويل الميزانية. وتحتاج تونس في النصف الثاني من العام الجاري إلى 1.3 مليار دولار لسداد العجز في موازنتها العامة، في ظل وضع اقتصادي وصفته مصادر تونسية بالصعب نتيجة تراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي من العديد من القطاعات الحيوية مثل الفوسفات والسياحة. وكان البنك الدولي قد بيّن في تقرير للوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس، ضرورة اعتماد الحكومة تدابير جديدة للمالية العمومية وعلاج عجز الموازنة مصحوبة بإجراءات صارمة لاحتواء فاتورة الأجور المرتفعة وتخفيض دعم الطاقة وتحسين إدارة المالية العامة، وإصلاح المؤسسات العمومية من أجل تحسين مكونات العملية الجارية لضبط أوضاع المالية العمومية. ونشر صندوق النقد الدولي على موقعه الرسمي في مايو/أيار الماضي موافقته بإمهال تونس حتى 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل، لتنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها ضمن اتفاق القرض الائتماني المبرم بينها وبين الصندوق، واعتبر نواب بالبرلمان التونسي مهلة الصندوق بمثابة تعليمات حاسمة وسط ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد.
ويعتبر التبغ مصدراً مهماً من مصادر الضرائب في تونس وتخسر تونس سنوياً، حسب أرقام وزارة المالية، ما يقارب 500 مليون دينار (260.1 مليون دولار)، بسبب تراجع عائدات السجائر. وتعاني تونس منذ سنوات، من استفحال تجارة السجائر المهربة التي تباع في الأكشاك وعلى قارعة الطريق بأسعار أقل بكثير من السجائر المحلية. وتؤكد مصالح الجمارك، أن حوالى 25 مليون علبة سجائر مهربة تدخل الأسواق التونسية شهرياً، أي ما يعادل 300 مليون علبة مهربة سنوياً، وهو ما يكلف قطاع التبغ في تونس خسارة تتراوح بين 300 و500 مليون دينار (156 و260.1 مليون دولار). وتمثل الخسائر السنوية الضخمة التي تتكبدها تونس بفعل تهريب السجائر نحو 40% من إيرادات قطاع التبغ، الذي يوفر لميزانية الدولة 1.3 مليار دينار سنوياً (676.3 مليون دولار).
واعتبر أحمد النجيمي، المسؤول التجاري في وكالة التبغ والوقيد (مؤسسة محلية مختصة في تصنيع السجائر)، أن أزمة السجائر المحلية مختلقة، مشيراً إلى أن شح السجائر في الأسواق مفتعل من قبل المحتكرين لرفع الأسعار دون مبرر ودون قرار حكومي. وقال النجيمي لـ”العربي الجديد” إن أسعار بعض الأصناف زادت بشكل غير رسمي بأكثر من 20%، على الرغم من أن الوكالة رفعت إنتاجها على امتداد أشهر يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب، بأكثر من 10%، لتوفير الكميات التي تحتاجها السوق، غير أن المضاربة والاحتكار هما اللتان أدتا إلى تراجع التزويد. وتوقع انتهاء ما وصفها بالأزمة المفتعلة، مؤكداً تسخير الوكالة لإمكانياتها والآلات الجديدة التي تم اقتناؤها لرفع معدلات الإنتاج بنسبة 40% مع انتهاء العام الحالي، وذلك لقطع الطريق أمام جميع أشكال الاحتكار الذي أضر بالمنتج المحلي لصالح السجائر المهربة في أغلب الأحيان. وبالتوازي مع رفع الإنتاج المحلي، توقع المسؤول التجاري في وكالة التبغ، أن يتراجع عرض السجائر المهربة خاصة في ظل المجهودات، التي تبذلها الحكومة للحد من نشاط المهربين، وتمكن مصالح الديوانة من حجز كميات كبيرة من السجائر، التي ترفع إلى الوكالة ليقع إتلافها. وتقوم مصالح الجمارك التونسية بحملات مراقبة كبيرة في المعابر الحدودية ومداخل المدن الكبرى للإطاحة بمهربي السجائر، لإيقاف نزيف التبغ المهرب الذي لا يزال يجد سوقه، رغم كل التحذيرات التي أطلقتها وزارة الصحة حول نوعية هذه السجائر ومصادرها المشبوهة غير المراقبة. ورغم مراجعة الأسعار في مناسبتين متتالين خلال 2013 و2014، فإن النسبة الأكبر من التونسيين تقبل على السجائر المحلية، حتى في ظل وفرة عرض المنتجات القادمة عبر الحدود، حيث يعتبر المدخنون أن السجائر التونسية ذات جودة عالية وأكثر خضوعاً للمراقبة من حيث المكونات، مقارنة بالسجائر المهربة التي تبقى مجهولة المصدر. وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، فإن تونس تتصدّر الدول العربية في عدد المدخنين، بمعدل استهلاك يومي بلغ 17 سيجارة لكل واحد من المدخنين، البالغ عددهم حوالى 3.5 ملايين شخص، منهم 10% من النساء. ويعد رفع سعر السجائر من أبرز الآليات، التي أقدمت عليها عدد من الحكومات العربية لزيادة إيراداتها.