IMLebanon

مؤشرات سبقت انهيار بورصة الصين

ChinaStocks2
زياد الدباس
عندما ترتفع أسعار أسهم الشركات المدرجة في أي سوق مالية إلى مستويات غير منطقية ومبالغ فيها، تصبح الفجوة كبيرة بين السعر العادل وسعر السوق، وترتفع مؤشرات تقويم الأسعار، وفي مقدمها مضاعَف الأسعار (سعر السوق مقسوماً على ربح السهم) بنسبة كبيرة، إضافة إلى ارتفاع القيمة السوقية أضعاف القيمة الدفترية. هذا الوضع يعبر عادة عن مضاربات مفرطة في السوق لا يدعمها نمو أو مكاسب في الاقتصاد أو في أرباح الشركات أو توزيعاتها السنوية، فهذه الحقائق تعطي مؤشرات مهمة على قرب انفجار الفقاعة وانهيار الأسعار ومن ثم عودتها بعد الانخفاض إلى سعرها العادل.
في تشرين الأول (أكتوبر) 1929 عندما حدث الانهيار في سوق المال الأميركية قبل الكساد الكبير، كان مؤشر مضاعَف الأسعار ارتفع إلى 23 ضعفاً نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار، الذي بلغت نسبته 40 في المئة بحلول منتصف آب (أغسطس) من ذلك العام. وهذا الارتفاع الكبير كان يصعب على المحللين تبريره ما أدى إلى سيطرة حال من الخوف على المستثمرين حلت محل الجشع.
للمقارنة، يبلغ مضاعَف الأسعار في سوق أبو ظبي حالياً 10.5 ضعف وفي سوق دبي 10.9 ضعف، وهذه مؤشرات إلى جاذبية أسعار أسهم الشركات المدرجة في أسواق الإمارات ومنطقيتها يدعمها نمو في معظم القطاعات الاقتصادية، خصوصاً القطاعات غير النفطية. ويُذكَر أن مؤشر «داو جونز» الأميركي للشركات الصناعية هبط عندما حصل انهيار عام 1987 ما يزيد عن 22 في المئة، وهي أكبر نسبة هبوط خلال يوم في تاريخه وضعف نسبة الهبوط الذي شهدته البورصة يوم الانهيار السابق للكساد العظيم عام 1929.
في بداية عام 2011، كانت قيمة المؤشر المركب لسوق شنغهاي الصيني نحو 2800 نقطة، وارتفع هذا الرقم في حزيران (يونيو) الماضي إلى 5200 نقطة. وساهم في هذا الارتفاع الكبير وغير المبرر السياسة النقدية المتساهلة وتخفيف القيود على الائتمان، ما شجع المستثمرين والمضاربين على اللجوء إلى القروض الهامشية، فارتفعت قيمة هذه القروض من نحو 400 بليون يوان (63 بليون دولار) إلى 2.3 تريليون يوان في حزيران الماضي. يُضاف إلى ذلك توافر نمط غير رسمي للتمويل يجري خلاله إقراض مئات البلايين للمستثمرين. هذه السيولة الضخمة المتوافرة للمضاربين في ظل محدودية الفرص الاستثمارية البديلة، ساهمت مساهمة كبيرة في نفخ بالون الفقاعة في سوق الأسهم فارتفع مؤشر السوق بنسبة 150 في المئة بين حزيران 2014 وحزيران 2015، لكن هذا الارتفاع القياسي في المؤشر لم يكن يدعمه نمو اقتصادي ملحوظ بل تراجع في نسبة النمو. وبالتالي أعطى هذا الارتفاع غير المبرر إشارات إلى المتخصصين بقرب انفجار الفقاعة.
يشار إلى دور القروض المفرطة التي يمنحها وسطاء وفق نظام الشراء بالهامش وساهمت في معظم الانهيارات وفي مقدمها انهيار عام 1929. هذا النظام يساعد المستثمرين على تكوين محافظ من الأسهم باستخدام أموال مقترضة كوقود للمضاربة، ويعمل النظام في شكل جيد في حال استمرار اتجاه الأسعار نحو الارتفاع، لكن عندما تتراجع الأسعار عن حدود معينة، يبيع الوسطاء الأسهم المرهونة تجنباً للخسارة التي يمكن أن تلحق بهم إذا انخفضت القيمة السوقية للأسهم عن إجمالي الائتمان الممنوح. وهذا البيع يؤدي عادة إلى خسائر كبيرة في الأسواق.
وأدى انتشار المتاجرة بنظام الهامش في الصين هذا العام إلى فتح 20 مليون شخص حسابات في سوق الأسهم من اجل الانضمام إلى المضاربين فبلغ عدد المستثمرين في البورصة الصينية نحو 90 مليون مستثمر يشكل الأفراد 85 في المئة منهم. ويؤدي ارتفاع نسبة الأفراد عادة إلى بيع عشوائي عند تراجع السوق. ومعلوم أن الاقتراض يضخم المكاسب حين ترتفع السوق بينما تتضخم الخسائر عندما تبدأ السوق بالانخفاض. وفي الأسواق المتقدمة قد يساهم التحليل الفني بتوقع الانهيار باعتبار أن الأسواق تسير في أنماط قابلة للتوقع. وهذا يتضح في التشابه المذهل بين الرسوم الخاصة بالأسواق خلال انهيار 1929 وزلزال 1987.
وتخوف المستثمرين حول العالم مما يحدث في بورصة الصين بعد خسارتها نحو 3.5 تريليون دولار خلال تموز (يوليو) إضافة إلى الخسائر الجسيمة والمستمرة خلال آب، أكثر مما تخوفوا من تراجع سعر النفط أو قوة الدولار أو احتمال رفع مجلس الاحتياط الأميركي سعر الفائدة أو المشاكل في اليونان. فالصين تملك الحجم الكافي للتأثير في العالم باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعدما ساهم نموها الكبير بتجاوز اليابان وألمانيا. وتحتل الصين المركز الأول في التجارة العالمية وهي أيضاً اكبر مستهلك للمواد الخام مثل النفط والنحاس.
وتراجع النمو في الصين من 10 في المئة عام 2010 إلى 7 في المئة خلال النصف الأول من هذا العام، ما أدى إلى تراجع أسعار هذه المواد خلال الفترة الأخيرة نتيجة تراجع حجم الطلب. وثمة تخوف من تراجع أكبر في النمو يساهم في تراجع اكبر في أسعار المواد الأولية، وتخوف من دخول الصين في مرحلة ركود قد تطول أو تقصر لتنهي عقوداً من النمو الاقتصادي المرتفع.
ومنذ بداية تموز تتخذ الحكومة الصينية إجراءات غير مسبوقة بهدف وقف تراجع أسعار الأسهم، ومنها منع أي مستثمر يملك خمسة في المئة من أسهم أي شركة ببيع أسهمه لستة أشهر لتخفيض عدد الأسهم المطروحة للبيع، إضافة إلى برنامج لشراء الأسهم من خلال خطوط الائتمان التي يمنحها المصرف المركزي وغيرها من الإجراءات. واعتُبِرت هذه الإجراءات مبالغة في التدخل الحكومي في البورصة يشوه مسار السوق، لكن الحكومة الصينية تتجه إلى مواصلة الإجراءات كلها لضمان استمرار نمو الطلب الكلي وضمان عدم دخول الاقتصاد في حالة ركود.
أنهى انهيار سوق نيويورك عام 1929 عقوداً من الازدهار الاقتصادي عاشتها الولايات المتحدة ودخل الاقتصاد الأميركي في ركود اقتصادي عميق استمر فترة طويلة ولم يخرج منه إلا مع بداية الحرب العالمية الثانية. والتخوف من تكرار هذا السيناريو في الصين يؤدي دوراً سلبياً في مؤشرات الأسواق العالمية التي تعرضت إلى خسائر فادحة.