في الوقت الذي عمل فيه تنظيم داعش على ربط مقراته ومراكزه العسكرية والأمنية البارزة بخط كهربائي مباشر وفر لها وصول التيار دون أي انقطاع، أقدم التنظيم قبل نحو عشرة أيام على قطع التيار الكهربائي عن معظم أحياء مدينة الرقة بشكل كامل، كما زاد من عدد ساعات قطع الكهرباء عن باقي مناطق الريف الواقعة تحت سيطرته إلى 22 ساعة يومياً.
تتعلق مسألة انقطاع الكهرباء في الرقة بجملة من الأسباب التجارية والعسكرية، لكن برزت في الأونة الأخيرة أسباب انتقامية، ترجمت على لسان أمير الكهرباء المعين من قبل التنظيم في المدينة، والذي توعد أهالي الرقة بقطع التيار عن مدينتهم نظراً لعدم تعاونهم مع التنظيم. ما جعل معظم أحياء المدينة تعيش تحت جناح الظلمة الحالكة منذ عشرة أيام، من دون توفر أي نوع من الكهرباء البديلة.
وذكر الصحافي ياسر محمد من الرقة لـ “المدن” أن ثمة أهدافا مباشرة من وراء قطع التيار الكهربائي، تتعلق باجراءات عسكرية اعتيادية، كقطع الكهرباء للاعتام ليلاً لتفادي الغارات الجوية المحتملة، أو حالات الانزال الجوي كما يشيع التنظيم. لكن غالب الظن أن هناك أهدافاً تجارية بعيدة المدى. حيث يعمل تنظيم داعش على دفع أهالي الرقة لشراء ما يعرف بالكهرباء البديلة، التي يشترك فيها مع تجار معروفين بولائهم المطلق له وسبق أن عينوا من قبله كي لا يظهر هو في واجهة تلك الأعمال التجارية. وتعرف الكهرباء البديلة بأنها مشروع بدأ منذ أكثر من عام ونصف ويقوم على بيع مجموعة من خطوط الكهرباء بعد انتاج التيار من مولدات كبيرة. ويدفع كل مشترك ثمن اشتراكه بشكل أسبوعي، بمعدل 550 ليرة (1.75 دولار) عن كل 1 أمبير.
وكان التنظيم قد أقدم قبل أيام على رفع ثمن الكهرباء البديلة عن كل 1 أمبير من 400 ليرة (1.3 دولار) إلى 550 ليرة أسبوعياً. مع الاشارة أن كل 1 أمبير لا يؤمن للمنزل سوى الإضاءة البسيطة، بينما يحتاج كل منزل إلى 5 أمبير في الحالات الطبيعة للاستهلاك.
ومنذ أن انطلق مشروع الكهرباء البديلة لم يلق إقبالاً لدى عامة الناس الذين كانوا عاجزين عن شراء الكهرباء نظراً لغلاء ثمنها مقارنة مع إمكانياتهم المادية الضعيفة، باستثناء فئة قليلة من ميسوري الحال أو عائلات مقاتلي التنظيم التي كانت تمنح أكثر الأحيان ميزة التنعّم بالكهرباء لقاء مبايعتها لداعش وانخراط رجالها في القتال إلى جانب التنظيم.
وشمل انقطاع الكهرباء عن الرقة كلا من الكهرباء العامة والبديلة، بحجة حدوث الأعطال الفنية للمحركات وعدم وجود قطع الغيار اللازمة لاصلاحها، وقلة الأيدي الخبيرة القادرة على إصلاح الأعطال المتواصلة الناتجة عن سوء نوعية محركات التشغيل.
وكان الانقطاع الأخير للكهرباء قد أدى إلى اندلاع أزمة انقطاع المياه عن مدينة الرقة، نتيجة توقف محركات الضخ من الأبار ومحطات المياه، ما اضطر الأهالي لشرائها عن طريق صهاريج بيع المياه التي زادت أثمانها من 1000 ليرة (3.30 دولار) إلى 1500 (5 دولارات)، وهي أثمان تعتبر مرتفعة أمام الواقع الاقتصادي السيء للسكان.
ولفتت مصادر “المدن” الى أن الكلام عن انخفاض مستوى انتاج الكهرباء في سد الفرات ليس سوى أكاذيب يقوم التنظيم بترويجها لدفع الناس للاعتماد على الكهرباء البديلة وشرائها. فمستوى المياه في بحيرة الأسد قد زاد 185 سنتيمتراً عما كان عليه في العام الماضي. ولازالت عنفتان اثنتان تعملان من أصل ثماني عنفات، وهما قادرتان على تأمين كمية من الكهرباء الكافية لانارة جميع مناطق الرقة بشكل متواصل ودون انقطاع.
وبالرغم من أن تنظيم داعش قد سبق أن أقفل مكاتب الهلال الأحمر في الرقة بداية العام الجاري إلا أنه بدأ يستعين ببعض الموظفين السابقين في الهلال للتواصل مع النظام لتحقيق صفقة شراء الزيوت اللازمة لتشغيل العنفات في سد الفرات، وهو زيت روسي الصنع لا يمكن للتنظيم الحصول عليه إلا عن طريق النظام. ما يعكس شكلا أخر من التعاون بين التنظيم والنظام في مسألة الطاقة، على غرار ما يحدث في مناطق دير الزور من اقتسام لانتاج الغاز، وأيضاُ التعاون لتقاسم تيار كهرباء المحطة الحرارية في ريف حلب الجنوبي.