Site icon IMLebanon

عوامل تدهور أسعار النفط وخسائر الأسهم العالمية

OilPrices3
وليد خدوري
تدهورت الأسعار في أسواق المال العالمية خلال الأسبوع الماضي، فخسرت أسهم الشركات العالمية معظم الأرباح التي جنتها من القفزة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها الصين خلال السنوات الأخيرة. وما الزلزال الذي عصف بالأسواق إلا خير مثال على دور العولمة في الاقتصاد العالمي. فالصين دولة صناعية كبرى الآن، لا يمكن الاستهانة بقوتها الاقتصادية. ولما يحدث من تطوّرات اقتصادية فيها، تأثير مشابه في الأسواق العالمية، حاله حال ما يجري في الدول الصناعية الغربية، أكانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
إن الذي حدث في الأسواق هو انخفاض قيمة السلع الى أدنى مستوياتها منذ العام 2003، وما شاهدناه الأسبوع الماضي هو خسارة قيمة كل أرباح السلع تقريباً التي حققت أرباحاً عالية منذ العام ذاته بفضل النمو الاقتصادي الباهر في الصين.
لم يكن النفط الخام بمنأى عن هذه العاصفة التي شملت أسعار معظم السلع العالمية المهمة، من الحديد والصلب والمنتجات الزراعية المختلفة. وكما هو معروف، لم يبدأ تدهور أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي، فقد بدأ الانخفاض السريع هذه المرة منذ تموز (يوليو)، حيث انخفض معدل سعر سلة نفوط «أوبك» نحو 10 في المئة، ووصل الى أدنى مستوياته في ست سنوات.
ولعبت عوامل أخرى دوراً مهماً في تدهور أسعار النفط. فهناك مثلاً، الارتفاع المستمر في إمدادات النفط الخام وزيادة المخزون التجاري عن معدلاته التاريخية، ما يؤدي الى الضغط على الأسعار، ناهيك عن ارتفاع قيمة الدولار، عملة تداول النفط الخام. كما تعرّض الطلب على النفط لضغوط في أهم دولتين مستهلكتين له. فقد انخفض النشاط الصناعي الصيني الى أدنى مستوياته في خلال سنتين، واستمر هذا الانخفاض لمدة خمسة أشهر متتالية. وتراجع مؤشر الثقة لدى المستهلك الأميركي الى أدنى معدل في ثمانية شهور.
فلماذا إذاً لم تتوافر مؤشرات واضحة المعالم الى ما قد يعصف بأسواق النفط؟ وعلى رغم ضعف الاقتصاد الصيني، ارتفع الطلب العالمي على النفط نحو 1.6 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي عن مستواه عام 2014. وتوقع المراقبون انخفاض الاستثمارات لتطوير حقول النفط غير التقليدية (النفط المضغوط والنفط الصخري في الولايات المتحدة، والسجيل القاري في كندا والنفط من أعماق البحار والمحيطات). وبالفعل، فمنذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، انخفض عدد الحفارات في حقول النفط الجديدة نحو 42 في المئة. وأنهت شركات النفط عقود العمل لحوالى 70 ألف موظف وعامل. كما خفضت شركات النفط نحو 129 بليون دولار من موازناتها الاستثمارية للعام الحالي. لكن على رغم هذه الإجراءات، فالذي حصل هو أن مستوى إنتاج أقطار «أوبك» ارتفع خلال هذه السنة من نحو 30.50 الى 32 مليون برميل يومياً، بخاصة من السعودية والعراق، بينما انخفض الإنتاج الأميركي الى معدلات محدودة، أقل مما كان متوقعاً.
تتباين التوقعات حول مستقبل أسعار النفط في هذه الظروف المتغيرة. فهناك من يرى أن أسعار النفط قد ترتفع مرة أخرى الى مستويات معقولة أكثر، في حال استمرار زيادة إنتاج أقطار «أوبك» ورفع الحصار عن صادرات النفط الإيراني وتحسّن الطاقة الإنتاجية الليبية في حال استقرار الأمن في البلاد، ونجاح السياسات الاقتصادية التي تتّخذها الحكومة الصينية لتحسين اقتصاد البلاد ورفع القدرة التنافسية للصادرات، وإمكان تحسّن معدلات إنتاج النفط غير التقليدي الأميركي مرة أخرى، بسبب انخفاض أسعار الخدمات البترولية ومن ثم كلف الإنتاج. وتعتمد وجهة النظر هذه، على عاملين أساسيين. الأول: تحسّن نوعي في نمو الاقتصاد الصيني. والثاني، تفاهم أكثر جدية بين منظمة «أوبك» والأقطار المنتجة الكبرى غير الأعضاء في المنظمة، بالذات روسيا.
وتعتمد وجهة النظر أعلاه، على توازن معدلات العرض والطلب ثانية، على رغم توقّع استمرار زيادة إنتاج أقطار المنظمة عن سقف الإنتاج المحدّد، وهو نحو 30 مليون برميل يومياً. لكن هذه الفرضية تستوجب توافر تحسّن ملحوظ في نمو الاقتصاد الصيني لاستيعاب الإمدادات الإضافية في الأسواق. كما تفترض وجهة النظر هذه، موقفاً أكثر مرونة من روسيا التي تعتمد، حالها حال بقية الدول المنتجة الكبرى، على الريع النفطي.
إن النتيجة الواضحة للأزمة الحالية هي أن من الضروري التنسيق بين منظمة «أوبك» والأقطار المنتجة الكبرى خارج المنظمة. فقد ارتفعت الطاقة الإنتاجية النفطية العالمية، ومنظمة «أوبك» ليست الوحيدة في الأسواق. بل إن إنتاج أقطار المنظمة، كما هو معروف، لا يشكل سوى ثلث الإنتاج العالمي. ونتوقع أن تستمر منظمة «أوبك» في لعب دور مهم في الأسواق، لكنه دور يختلف عن الدور الأساسي الذي عرفناه حتى الآن. ومن المهم للمنظمة، خلق آلية منتظمة للحوار مع الدول المنتجة الكبرى غير الأعضاء، آلية تختلف عما هو حاصل حالياً. كما تبيّن أن سوق الصين الضخمة، على رغم أهميتها على المدى البعيد، تتعرّض مثل غيرها للاضطرابات الاقتصادية. فلا يمكن التغاضي عن التجربة الحالية وما يمكن أن تؤدي إليه مستقبلاً. أخيراً، لا يمكننا إلا أن نؤكد مرة أخرى، ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية أساسية في الدول المنتجة. كما أن الأزمة الحالية لا تعني أننا أمام سنوات عجاف. لكن ما تدل عليه هو أن أسواق النفط تواجه متغيرات أساسية كبرى تستوجب إعادة النظر في المنطلقات الاقتصادية التي تم تشريعها قبل عقود، وفي فترة يختلف فيها دور منظمة «أوبك» عما هو الآن وفي المستقبل.