اعلن الرئيس نبيه بري من النبطيه انه سيدعو “في العشر الاول من أيلول الى حوار يقتصر هذه المرة على (الرئيس) تمّام سلام وقادة الكتل النيابية، ومضمونه وجدوله البحث في رئاسة الجمهورية وفي عمل مجلس النواب والوزراء وماهية القوانين النيابية واستعادة الجنسية واللامركزية الادارية”. ورأى ان هذه الدعوة هي “محاولة متواضعة لادخال الضوء الى بيوتنا بدلا من النفايات السياسية”.
وعلمت “النهار” ان الرئيس بري، الذي بحث في الامر مع الرئيس امين الجميّل، كان أوفد الوزير علي حسن خليل للتشاور مع المعنيين قبيل اطلاق دعوته، وهو التقى لهذه الغاية النائب وليد جنبلاط والوزير جبران باسيل والسيد نادر الحريري. وقد أبلغ ضرورة تفعيل عمل الحكومة قبل مباشرة الحوار لئلا تصير طاولة الحوار بديلا من مجلس الوزراء، وهو ما أكده أيضاً الرئيس سعد الحريري في أول تعليق على الدعوة: “سننظر بايجابية الى موضوع الحوار عندما نتلقى الدعوة، وان الاتفاق على بتّ موضوع رئاسة الجمهورية يشكل المدخل السليم للبحث في القضايا الاخرى، واعلان التمسك بالحكومة وتفعيل عمل البرلمان قاعدتان للاستقرار المطلوب في هذه المرحلة”.
وصرح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لـ”النهار” بأن “كل مبادرة حوارية مرحب بها. في الاساس نؤيد المبادرة وخصوصا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد جراء الظروف السياسية والمعيشية الضاغطة”. وسئل هل تنجح مثل هذه المبادرة، فأجاب: “المهم اولا ان نبدأ الحوار”.
ويعقد المكتب السياسي لحزب الكتائب اجتماعاً اليوم لإتخاذ موقف من مبادرة الرئيس بري، بينما قال مصدر رفيع في حزب “القوات اللبنانية” لـ”النهار” إن الحزب سيدرس المبادرة، لكنه تخوف من “أن يكون جدول أعمال الحوار لإغراق المتحاورين في الملفات وإطالة أمد الفراغ الرئاسي، في حين يجب أن تكون الأولوية المطلقة لملف رئاسة الجمهورية”. وذكّر المصدر بأن “طاولات الحوار السابقة لم تؤدّ إلى نتائج حقيقية”.
وقالت “النهار: “لا ترى مراجع سياسية بارزة في دعوة بري سوى تقطيع لوقت ضائع في إنتظار برمجة أزمة لبنان في جدول اعمال التسوية الاقليمية التي لا تدل المؤشرات القائمة حتى الآن الى قرب نضجها في ظل استمرار الحدة التي تحكم ملف العلاقات السعودية الايرانية.
وإذ ترحب هذه المراجع بالمبادرة وبكل خطوة تفتح ثغرة في افق الحائط السياسي المأزوم، ترسم علامات استفهام أو محاذير حيال هذه المبادرة وإمكان نجاحها في تخطي العقبات السياسية الضخمة التي تحكم الوضع الداخلي وتؤدي عمليا الى تعطيل مجلس النواب وشل الحكومة.
اول هذه المحاذير يتعلق بتأثير مثل مبادرة كهذه في استحقاق الرئاسة الذي يفترض أن يكون بندا وحيدا على أي طاولة بحث، علما أن هذا الاستحقاق لا يحتاج إلى طاولة حوار بل إلى نزول النواب إلى المجلس والقيام بواجبهم الدستوري وانتخاب رئيس، مما يعالج كل الازمات الناتجة من الشغور الرئاسي، بدءا من التمديد العسكري وصولا الى آلية العمل الحكومي. وهذه أمور لا تعود مطروحة وتسقط بمجرد انتخاب رئيس جديد.
– ثاني هذه المحاذير يتمثل بالدور الذي سيضطلع به الرئيس بري ويحل فيه محل رئيس الجمهورية الذي تعود اليه حصرا قيادة الحوار بين الاطراف السياسية انطلاقا من موقع الرئيس الحكم والتوافقي الذي تطالب به القوى السياسية.
– ثالث هذه المحاذير يتعلق بالجدوى المعقودة على طاولة حوار في ظل اصطفاف سياسي حاد وأعمى لا يحيد أنملة عن الثوابت التي وضعها كل فريق لأجندته السياسية. في هذا الاطار، تسأل المراجع هل يمكن البحث في قانون انتخاب او في سلاح “حزب الله” او تورط الحزب في سوريا او أي ملف من ملفات النزاع في الظرف الراهن؟ وهل وصل فريقا الصراع الى مرحلة وضع الملفات على الطاولة لبحثها او لإجراء تنازلات في شأنها؟
في أي حال، ستشكل مبادرة بري التي اطلقها رسميا مساء امس في احتفال حركة “امل” بذكرى تغييب الامام موسى الصدر عنوان الحركة السياسية هذا الاسبوع، في انتظار ما ستتكشف عنه حركة الاتصالات في شأن الوضع الحكومي وكيفية إعادة تفعيل مجلس الوزراء وفض الخلافات الناتجة من ازمتي الصلاحيات والمراسيم.
صحيفة “الجمهورية” كتبت: “لولا عامل الشارع لكانت الدعوة إلى الحوار لزوم ما لا يلزم، لأنّ لبّ المشكلة اليوم يكمن في الفراغ الرئاسي، ولا مؤشرات إلى نيّات العماد ميشال عون التراجع عن موقفه المتمسّك بترشيحه لهذه الانتخابات، ولا أيضاً عن تراجع «حزب الله» عن دعمه لعون. وبالتالي، يتحوّل الحوار إلى فولكلور إضافي أو مشهدية سياسية لا تقدّم ولا تؤخّر في تقديم حلول عملية للمعضلة الأساسية المتمثّلة بالفراغ الرئاسي.
وعلى رغم أن لا بديل عن الحوار، إلّا أنّ هذا النوع من الحوارات جُرِّب ولم يؤتِ بأيّ نتيجة منذ صيغته الأولى في العام 2006 إلى اليوم، حيث لم يتمّ الالتزام بأيّ بند تمّ التوافق حوله، فضلاً عن أنّ الحوارات الثنائية بين «المستقبل» و«حزب الله» من جهة، و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى، والتي شكّلت البديل عن الحوار الجامِع، لم تنجح بدورها في إنهاء الفراغ الرئاسي، وإن نجحت في تبريد المناخات المتشنّجة داخل البيئتين الإسلامية والمسيحية، الأمر الذي شكّل مصدر ارتياح لدى كل الأطراف من منطلق الحفاظ على الاستقرار إذا كان متعذراً إعادة تفعيل الحياة السياسية وتنشيطها.
فالاستقرار مضبوط تحت سقف الحوار الثنائي بين الحزب و»المستقبل»، والذي يحظى برعاية سعودية-إيرانية ودولية، وقد أظهرت جملة من التطورات أن لا تراجع عن هذا الحوار، إذ على رغم وصول الانقسام السياسي إلى حدوده القصوى بقي الحوار بينهما خارج إطار المراجعة، بل من ثوابت المرحلة السياسية. وبالتالي، الحوار الجامع لن يضيف شيئاً من هذا القبيل، لأنّ عامل الاستقرار مؤمّن ومتوافق عليه.
وفي موازاة العنصر المُستجدّ المتصِل بالشارع، تسعى أوساط سياسية إلى استكشاف ما إذا كان لدعوة رئيس المجلس كلمة سر إقليمية كانت وراء دعوته في هذه اللحظة السياسية التي جاءت بعد الاتفاق النووي، ودخول طهران في مرحلة جديدة ظهرت بوادرها من خلال مبادرتها لحلّ الأزمة السورية. وبالتالي، عدم استبعاد أن تبادر لبنانياً، خصوصاً أنّ زيارة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف تركت انطباعات إيجابية.
وفي هذا السياق بالذات تقاطعت معلومات ديبلوماسية عن وجود مساع جدية لإعادة تحصين الساحة اللبنانية بمجموعة خطوات عملية تبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية ولا تنتهي بالذهاب نحو انتخابات نيابية على أساس قانون جديد للانتخابات.
وكشفت المعلومات عن التقاطها إشارات إيرانية تتصِل بنيّات الأخيرة توجيه رسالة إيجابية للسعودية والولايات المتحدة الأميركية بأنها حريصة على شراكة حقيقية في المنطقة تحت عنوان الاستقرار.
وقد ذرعَت سرعة تجاوب الرئيس سعد الحريري مع مبادرة بري الشكوك حول احتمال وجود مناخ سعودي يتقاطع مع الإشارات الإقليمية للدفع نحو خَلق واقع سياسي جديد في البلاد، خصوصاً أنّ معلومات كانت تحدثت عن وجود التزام بين مكوّنات أساسية داخل 14 آذار بعدم اتخاذ موقف متسرّع من المبادرة المتوقعة لرئيس المجلس قبل درسها والتقدّم بموقف موحّد ومشترك.
ويبدو انّ انكباب الدكتور سمير جعجع على المبادرة ورفضه إطلاق موقف سلبي أو إيجابي منها، يتصِل بمحاولة إجراء مروحة اتصالات دولية وإقليمية لمعرفة ما إذا هناك من تبدّل في الموقف الغربي-الإقليمي ومدى استعداده للدفع نحو انتخاب رئيس جديد، وإلّا «القوات» التي كانت أوّل مَن بادر إلى الانسحاب من الحوار لرفضها منطق الحوار للحوار، كما رفضها أن تقدّم غطاء للقوى المعطّلة لقرار الدولة في لبنان، كانت قد سارعت إلى إعلان رفضها هذه المبادرة من منطلق أنّ جوهر الأزمة السياسية اليوم يتصِل بالفراغ الرئاسي.
وطالما أن لا مؤشرات إلى تحقيق خرق على هذا المستوى، فلا لزوم لحوار يؤدي إلى مزيد من شرعنة حالة الفراغ، أو الالتفاف على مطلب الانتخابات الرئاسية عبر وضعه جانباً نتيجة تعذّر التوافق حوله، والذهاب نحو تفعيل مجلس النواب والوزراء بمعزل عن الانتخابات الرئاسية.
وقالت أوساط مطلعة إنّ مبادرة بري التي تزامنت بين حدثين، إقليمي تمثّل بالنووي، ومحلي يتصِل بتحرّك الشارع، قد تكون آخر فرصة للبننة الملف الرئاسي قبل دفع الأزمة السياسية إلى حافة الهاوية التي تقود إلى استدعاء القيادات اللبنانية إلى مؤتمر عاجل برعاية دولية-إقليمية لإعادة إنتاج السلطة وتثبيت دعائم الاستقرار بغية وضع لبنان على سكّة انتظار مسار التطورات الإقليمية.
وتحدثت الأوساط عن وجود مناخ غربي-عربي يريد دعم الدور الذي يَتولاه الرئيس بري وجَعله الحاضنة للحلول اللبنانية، وعَزت هذا التوجّه إلى تلقّف عواصم القرار إيجاباً عدم مشاركة حركة «أمل» في الحرب السورية، ورفض رئيسها الانخراط في مواجهات سياسية مع السعودية على خلفية الأحداث اليمنية، بل حرصه على أفضل العلاقات مع الدول الخليجية، ومشاركته في جلسات انتخاب الرئيس، ودفاعه عن اتفاق الطائف والحكومة والحوار، ورَفضه مجاراة «حزب الله» بدعم العماد عون.
وفي موازاة كل ذلك، هناك سؤال أساسي يطرح نفسه: هل ستنجح هيئة الحوار الجديدة في إنهاء حالة الفراغ الرئاسي، لأنّ المواضيع الأخرى تُحلّ تلقائياً بمجرد انتخاب رئيس جديد؟ فالهدف الأساس من الحوار يجب أن يكون فتح أبواب قصر بعبدا، وإلّا لا لزوم لمشهدية سياسية تنعكس سلباً على أصحابها وتقدّم مادة إضافية أو دليلاً إضافياً للقوى المتحركة في الشارع بأنّ الطبقة السياسية عاجزة عن فِعل أي شيء.
فالدعوة للحوار اليوم على أثر الحراك في الشارع المُندّد بالطبقة السياسية يحمِّل القوى المتحاورة مسؤولية إضافية من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية تسحب من يد المتظاهرين ورقة أساسية مفادها أنّ مطالباتهم هي في غير محلّها، وأنّ هذه القوى قادرة على اجتراح الحلول للأزمات الرئاسية والنيابية والحكومية، وخلاف ذلك يقدّم أكبر هدية لهؤلاء المتظاهرين بأنّ الشعارات التي رفعها كانت في محلها.
صحيفة “السفير” كتبت: “في 30 آب، أطلق الرئيس نبيه بري «نداء الاستغاثة»، لمنع أو تأجيل الانهيار الكبير، الذي يتسارع إيقاعه مع التحلل المتواصل لجسم الدولة الآخذ في التعفن، حتى.. «طلعت ريحتو».
وغداة تظاهرة ساحة الشهداء المدوّية، اختار بري ساحة عاشوراء في النبطية ـ حيث أحيت «حركة أمل» الذكرى الـ37 لتغييب الإمام موسى الصدر بمهرجان جماهيري حاشد ـ ليطلق مبادرة الفرصة الأخيرة والوحيدة.
ومع أن ردود الفعل الأولية لبعض المعنيين بطاولة الحوار المتجدد أظهرت تجاوباً مع دعوة بري، إلا ان المهمة لا تبدو سهلة، في ظل استمرار التوتر الإقليمي والافتقار الى قدرة داخلية على إنتاج دينامية مستقلة للحل، تعيد الاعتبار الى «اللبننة»، إلا إذا «استحقها» أهل النظام وقرروا تبادل التنازلات لإنقاذه، قبل أن يهوي، تحت تأثير التفاعل بين عاملين: اهترائه من الداخل، والضغط المتزايد عليه من الشارع.
وقال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» إنه يرحب ترحيباً عالياً بمبادرة الرئيس نبيه بري الذي يحرص على الحوار في الأوقات الصعبة والمصيرية. مشيراً إلى أن الحوار الآن هو أكثر من ضروري لمعالجة شتى الأزمات، آملاً في أن يؤدي إلى إخراج لبنان من كل هذه المآزق وفي طليعتها مأزق انتخاب رئيس الجمهورية.
وقال الوزير الكتائبي سجعان قزي لـ «السفير» إن المكتب السياسي لحزب الكتائب سيتخذ اليوم الموقف النهائي من المبادرة الحوارية، «لكن ما أستطيع تأكيده هو أن بري يحاول من خلال طرحه فتح ثغرة في جدار الجمود الدستوري والوطني، ونحن لا نعتبر أن هذا الطرح سلبي، بل اننا في الاساس لم نكن بعيدين عنه وهو كان مدار بحث مؤخرا بين رئيس المجلس ورئيس الكتائب».
إلا أن قزي شدد على ضرورة ألا يأتي الحوار أو تحريك عمل مجلس النواب على حساب عمل الحكومة.
ودعا عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله الجميع إلى ملاقاة المبادرة الحوارية المطروحة من قبل الرئيس بري، لأن الحوار بين القوى اللبنانية هو المدخل الطبيعي للتوافق على القضايا المختلف عليها، مطالباً الجميع بعدم تفويت هذه الفرصة وعدم إدارة الظهر لمطالب المواطنين.