Site icon IMLebanon

الاستحقاقات الاجتماعية والخدماتية تسابق المستحقات المالية ونمو العجز

Lebanon-Economy

عدنان الحاج

لا شك أن الموضوع المعيشي الضاغط، وتردّي قطاع الخدمات العامة والحراك الشعبي والمطلبي، مرحلة تعكس بعض الصعوبات في المجالات المختلفة. لكن محاولات مجلس الوزراء الأخيرة في الاجازة للمالية اصدار سندات اليوروبوند لتغطية الاستحقاقات المالية من السندات خطوة أساسية لتغطية مستحقات شهر آب من العام الحالي بحوالي 500 مليون دولار. لكن الهم الأساسي هو مستحقات العام المقبل التي تقدر بما يزيد عن 2250 مليون دولار اعتباراً من كانون الثاني 2016 وحتى تشرين من العام ذاته.

الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد تساعد على خفض تصنيف لبنان وعدم الاقبال على الاوراق في الدول الناشئة نتيجة أزمة الصين التي تعيشها الأسواق العالمية عموماً والاسواق الآسيوية بشكل خاص في ظل تراجع اسعار النفط وتراجع النشاط الاستثماري التجاري والاقتصادي. في لبنان هناك المشكلة الأمنية والسياسية المرتبطة باستمرار الفراغ الرئاسي. وهناك القضية المطلبية التي تحاكي الهموم الحياتية.

فتراجع المؤشرات مع التأزم السياسي والأمني والفراغ الرئاسي يزيد من امكانية تخفيض تصنيف لبنان وارتفاع كلفة المديونية والاستدانة الجديدة إسوة بالمنطقة. يضاف إلى ذلك عدم القدرة على تحسين الصورة نتيجة التشرذم الداخلي المستمر على مستوى غياب المعالجات للمشكلات القديمة منها والمستجدة والطارئة واللاحقة.
ما يجري اليوم على الرغم من محاولات استغلال البعض للثغرات لضرب التحرك أو التقليل من أهميته، ما يجري يشكل فرصة بسيطة لاعادة تكوين الهيئات الأهلية واالماضية السابقة لتكتلات الطوائف المذاهب في وجه الحركة السياسية والمطلبية. انها فرصة متاحة وصعبة لكنها غير مستحيلة على عودة الحراك المطلبي البعيد عن التوظيف السياسي لفئة ضد فئة أخرى. الشعار الاضافي والأساسي في هذه المرحلة هو الشعار الاجتماعي بكل جوانبه الاقتصادية والمعيشية والخدماتية وتقلص فرص العمل في وجه الشباب الضائع بين الشعارات الطائفية والسياسية والمذهبية بعيداً عن أي تفكير بخلق ابواب جديدة لمعالجة الخدمات وتحسنها، وخلق فرص عمل وتحسين التقديمات المعيشية والحياتية والخدماتية من المياه إلى الكهرباء والطرق وكلها مشاريع لسمسرات بعيدة عن تحسين هذه الخدمات. لقد تحولت قطاعات الخدمات خدمة لبعض أو لكل المراجع السياسية وليست خدمات للمواطن الذي يتحمل تعدد الفواتير (من الكهرباء إلى الهاتف إلى المياه) وهو لايحصل على خدمة كاملة في هذا المجال أو ذاك. المسؤولون يخدمون اتباعهم ليس إلا، بينما الغالبية تستجدي الخدمة بكلفة عالية من دون مرجعية ورجال دولة يفكرون بالوطن والاجيال وليس بزواريبهم السياسية فقط. لقد كانت الاحزاب العلمانية واليسارية وحتى اليمينية واتحاد طلاب الجامعة اللبنانية الذي كان طليعة التحركات المطلبية، ايام كمال جنبلاط وريمون اده وكميل شمعون وصائب سلام تتسابق لتواكب الحركة النقابية وتتسابق لخدمتها، بينما اليوم تستخدم القوى السياسية والطائفية النقابات والهيئات لخدمة مصالحها وهذا فرق كبير بين الأمس واليوم.

بالعودة إلى الهم الاقتصادي والمالي فإن كل المؤشرات تشير إلى تراجع من الانتاج على الاستيراد والتصدير، مروراً بانتاج الكهرباء وتزايد عجز الخزينة في غياب الحد الادنى من المعالجات، أوحتى الميزانيات التي ترسم حدود النفقات والايرادات العامة وتؤمن الاستحقاقات لما تبقى من العام الحالي والمستحقات الكبرى للعام المقبل.

ولا بد من تناول موضوع عمليات الصرف الجماعي في المؤسسات نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي والمالي وانخفاض حركة الرساميل الوافدة بأكثر من 43 في المئة خلال النصف الأول من السنة والحبل على الجرار في ظل تراجع النشاطات وعناصر النمو الثلاث من استثمارات ورساميل وافدة إلى الصادرات والحركة السياحية. في الخلاصة أن الضرر الكبير خلال الفترة القليلة المقبلة سيصيب القطاعات التي تنتظر موسم الصيف ومنها المؤسسات السياحية، بخاصة وأن لبنان خارج من حملة كبيرة لبعض الوزراء على تلوث الطعام والمياه فجاءت مرحلة تلوث الخدمات والقطاعات المتبقية على قيد الحياة بعدما امتد الفراغ الرئاسي إلى فراغ القطاعات والمؤسسات وفراغ المعالجات تمهيداً لمزيد من اتساع رقعة الفراغ أو الهوّة بين هموم المواطن العامة، وبين اهتمامات اكثر المسؤولين الخاصة منها والعائلية. لقد زاد هم المواطن بشكل كبير، فبات ضحية الهموم مع ارتفاع درجة الحرارة فوقع بين «الهم والشوب» وبين ضحية حرّ الصيف وبرد الشتاء وهي فترات الذروة بالحاجة إلى الكهرباء.
اجتماعياً تغيب المعالجات على صعيد توافر القدرة لمحاربة البطالة أو مجرد الحد منها نتيجة عوامل عدة أبرزها انعكاس تراجع الاستثمارات وهجرة الرساميل الباحثة عن فرص أكثر أمناً إضافة إلى عنصر يعتبر الأهم وهو عجز القطاع العام والقطاع الخاص على خلق 30 إلى 35 الف فرصة عمل سنوياً وهو أمر كان مستحيلاً في الايام التي كانت أكثر استقراراً من هذه المرحلة. العنصر الإضافي عليها اليوم هو منافسة النزوح السوري للقوى العاملة داخل لبنان. وإقفال بعض الاسواق العربية والخليجية في وجه اللبنانيين الخارجين إلى سوق العمل نتيجة الظروف السياسية والأمنية في المنطقة.

كل هذه الأمور تترافق مع ضيق فرص العمل الجديدة وارتفاع معدلات البطالة وتزايد عمليات الصرف في المؤسسات التي تجد في تخفيف الكلفة عنصراً لاستمرارها ومنها من يتحجج بتراجع النشاط لصرف العمال. يكفي هنا التذكير بموضوع تنامي الترك المبكر عن طريق تزايد حالات تصفية تعويضات نهاية الخدمة قبل بلوغ السن وقبل انهاء خدمة 20 سنة وما فوق. ربما يعني أن الأزمة الاجتماعية تجعل المضمون يقبل بخسارة ما بين 25 و50 في المئة من قيمة تعويضه مقابل تأمين بعض المال لتغطية احتياجات ملحّة وهي باتت كثيرة ومتعددة نتيجة تعدد الأزمات.