Site icon IMLebanon

التصعيد إذا لم تصل الرسالة!

 

قالت صحيفة “السفير” إن انتفاضة 29 آب نجحت في التحدي التنظيمي الى حد كبير، فقدمت صورة حضارية عن الحراك الشعبي، كادت تكون نموذجية لولا بعض الخروقات التي سجلت عند «خط التماس» بين السرايا الحكومية وساحة رياض الصلح، من دون إغفال الدور الذي أدته القوى الامنية أيضا في المحافظة على الامن، بفعل سياسة ضبط النفس التي اعتمدتها في مواجهة استفزازات قلة من المتظاهرين.

وإذا كانت أعداد المشاركين في تظاهرة ساحة الشهداء وامتداداتها الى ساحة رياض الصلح، بقيت موضع اجتهاد وتباين، إلا ان الأكيد أن الحشد كان كبيرا، وغير مسبوق في تاريخ التظاهرات المدنية في لبنان.

وفيما أكد المنظمون أن رقم المشاركين في حراك السبت الماضي تجاوز الـ100 ألف، قالت مصادر وزارة الداخلية ان العدد تراوح بين 10 و20 ألف شخص، موضحة ان هذا الرقم هو نتاج تقاطع بين تقديري قوى الامن الداخلي والجيش اللبناني.

وأبعد من اختباري العدد والتنظيم، يواجه الحراك الشعبي تحدي إثبات جدواه وقدرته على التغيير، في معركة طويلة، تتطلب مخزوناً من النفس الطويل والزخم الشعبي والحكمة والشجاعة.

ولعل المحطة المقبلة في هذه المعركة ستتضح غدا، الثلاثاء، مع تحديد الخطوات التصعيدية التي ستلجأ اليها الحملات المنضوية في المجتمع المدني، إذا مضت مهلة الـ72 ساعة التي مر منها نصفها تقريبا، من دون أن تتجاوب السلطة مع المطالب الاربعة. (استقالة وزير البيئة، محاسبة وزير الداخلية ومطلقي النار على المتظاهرين، تحرير أموال البلديات، والدعوة الى انتخابات نيابية).

وتعليقا على احتمال التصعيد، قال الرئيس تمام سلام أمام زواره أمس: نحن حافظنا على أمن المسيرة وما زلت عند موقفي بأنني مع مطالب الناس، وهذه المرة سيطرنا على الشارع، لكن اذا فلتت في المرة المقبلة فماذا يحصل؟.

وبينما يصر منظمو الحراك على استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، قال المشنوق لـ «السفير»: لست في وارد الاستقالة من واجباتي، ولن أكون كبش محرقة لأحد.. وإذا كان يقال بأنني أتحمل وحدي المسؤولية، فهذا يشرفني، لأنني المسؤول الوحيد الذي يحاول أن يفعل شيئا بغية إيجاد حل لأزمة النفايات، فيما تهربت معظم الأطراف السياسية من تحمل مسؤولياتها.

واعتبر المشنوق ان استقالة الحكومة تظل أقل وطأة من استقالة وزير في هذه الظروف، لان الحكومة تتحول مجتمعة الى تصريف الاعمال، «بينما إذا استقلت أنا، فسيحصل خلل في التمثيل الحكومي، وسيحل مكاني بالوكالة، في انتظار تعيين البديل المجهول، الوزير الياس بو صعب، ولا أعرف حينها إذا كانت أزمة النفايات ستُعالج ام ستتعقد”.

وأشار المشنوق الى انه يطرح في مجلس الوزراء ما ينادي به الناس، مؤكدا انه صوتهم في داخل الحكومة، وبالتالي فإن التصويب علي هو إطلاق نار عشوائي، والمطلوب من المحتجين أن يصححوا البوصلة ويصوّبوا في الاتجاه السليم.

أما في ما خص المطلب الآخر للحراك المدني والمتمثل في محاسبة وزير الداخلية والمسؤولين عن إطلاق النار على المتظاهرين، فإن مصادر وزارة الداخلية أبلغت «السفير» ان الوزير نهاد المشنوق ينتظر انتهاء التحقيقين، المسلكي والقضائي، ليبنى على الشيء مقتضاه، مشيرة الى انه سيتم، وفقا لنتائج التحقيقين، اتخاذ الإجراءات المسلكية المناسبة التي تحول دون تكرار أخطاء السبت الشهير.

وردا على المطالبة بمحاسبة وزير الداخلية شخصيا، أشارت الاوساط الى ان الوزير كان خارج لبنان عندما وقعت صدامات السبت، وحين عاد أمسك الامور وضبط الوضع، وبالتالي لم تُسجل في الايام اللاحقة أي أخطاء.

وأبلغت أوساط وزارية «السفير» ان مطالب الحراك المدني غير واقعية وغير منهجية، مشيرة الى ان التلويح بإنذارات ومهل زمنية غير مقبول، وناصحة المنظمين بأن يتفاوضوا مع رئيس الحكومة وألا يحوّلوا أنفسهم الى رهائن للوقت.

أما على خط الحراك، فإن العديد من منظميه أكدوا لـ «السفير» انهم طالبوا بأمور هي في معظمها سهلة التحقيق، وتتطلب فقط تطبيق القوانين من دون حتى الحاجة إلى انعقاد مجلس الوزراء، على أن تتحدد مساء الثلاثاء أشكال التصعيد، في حال عدم تنفيذ المطالب”.

صحيفة “الأخبار” قالت: “إنه بعيداً عن لعبة تقدير أعداد الحشود وهوياتهم وأسباب مشاركتهم، يعتقد الداعون أن تظاهرة السبت أظهرت استعداداً شعبياً متنامياً للذهاب بعيداً في المواجهة في حال عدم حدوث تغييرات ملموسة، أو أحداث أمنية تقعد الناس مجدداً وتخضعهم. ويعبّر هؤلاء عن اقتناعهم بأن التظاهرة جاءت بمثابة نعي للانقسام العمودي بين 8 و14 آذار الذي حكم السياسة وإدارة الشأن العام منذ عام 2005.

لا يثق معظم الداعين الى هذا الحراك بجدوى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار. يكررون مطالب «الحد الأدنى» التي أعلنوها، والتي لا تحتاج إلى طاولة حوار ولا الى إجراءات استثنائية.

هل ستساهم مبادرة بري في تخفيف زخم الحراك؟ تجيب مصادر من الداعين أن اجتماعاً سيعقد اليوم وسيتم فيه تحديد الخطوات التصعيدية بعد انتهاء المهلة المحددة يوم غد. لا تريد هذه المصادر استباق الأمور والكشف عما يُحضّر، إلا أنها تشير الى وجود أفكار كثيرة للإبقاء على زخم التحركات، ولا سيما عبر نقلها الى جميع المناطق، وصولاً الى الاعتصام المفتوح، ودعوة الناس للبقاء في الشارع حتى تتحقق المطالب.

يقول نحّاس: “إن كل الأطراف، من حكومة وأجهزة أمنيّة وبلديّات وقضاة وغيرهم، أمام امتحان اليوم. هذا الامتحان مستمّر ومتدرّج وغايته بناء دولة مدنيّة، ديموقراطيّة، ودولة عدالة اجتماعيّة”.

لا يلتقي جميع المحرّكين عند هذا السقف من الرهان، وهذا طبيعي في ظل تنوّع مشاربهم، إلا أنهم يتفقون على مواصلة التحرّك حتى تحقيق مطالبهم. يستبعد رئيس التيار النقابي المستقل، حنّا غريب، أي خطوات جدية من السلطة، ويقول: “بعد انتهاء المهلة، سيبدأ نقاش آخر يتعلق بتوسيع قواعد المشاركة في الحراك بشكل أفقي، وصولاً إلى مؤتمر نقابي أهلي مدني من القوى التي انخرطت فيه يراكم لإعادة إنتاج السلطة”.