القراء العاديون يعرفون أن هذا هو الوقت من السنة الذي أعود فيه من العطلة وأتوجه فيه إلى مهرجان أدنبرة. هناك أجلس لمشاهدة عدد كبير من البرامج، بعضها جيد وبعضها فظيع تماما، وأنتظر لعلي أسمع شخصا في مسرح من المسارح يقول شيئا مثيرا للاهتمام، أستطيع أن أخبركم عنه.
هذا العام كنت محظوظة. لم يكن علي الانتظار طويلا على الإطلاق. كان العرض الأول على قائمتي هو مشروع مسرح تعاوني من قبل “ثياتر أنْكَت”. إنه يحتوي على عبارات صاخبة مختلفة ضد الرأسمالية، والتقشف، والمصرفيين، وإنقاذ المصارف من الأزمة المالية “جميعها مواضيع عادية في المهرجان منذ عام 2009”.
أشارت إحدى الممثلات إلى أن الجمهور تماشى مع عمليات الإنقاذ والتسهيل الكمي لسبب واحد بسيط: قيل لهم إن “ما هو أسوأ، وليس أفضل، يمكن أن يحدث إذا لم يفعلوا”.
وكانوا لا يعرفون شيئا يذكر عن التمويل العالمي حتى يدخلوا في جدال حول ذلك. اليوم، شيء من هذا القبيل يحدث مع أسعار الفائدة. في المملكة المتحدة، ظل سعر الفائدة المصرفية 0.5 في المائة منذ آذار (مارس) 2009.
ويبدو الأمر كما لو أنه سيبقى هناك لفترة أطول. حجة الإبقاء على أسعار الفائدة عند أدنى مستوياتها منذ 300 سنة على الأقل (من المحتمل أن تكون أطول من ذلك بكثير، ولكن البيانات قبل ذلك مشكوك فيها قليلا) تعتبر حجة بسيطة. إذا ما تم رفعها من قبل أن نكون متأكدين من أن الاقتصاد ينمو بوتيرة معقولة، يمكن أن يختل كل شيء بصورة فظيعة: سيحدث ما هو أسوأ، وليس أفضل.
لكن هنا تكمن المشكلة: ربما كنا ننظر إلى كل ذلك بطريقة خاطئة.
ماذا لو أن الآثار الضارة من انخفاض المعدلات الفائقة تعتبر متطرفة للغاية بحيث إنها تعوق انتعاش الاقتصاد؟ ماذا لو كانت المعدلات المنخفضة تعتبر مشكلة أكثر من كونها حلا؟
دعونا نلقِ نظرة على بعض من هذه الآثار. هناك مسألة سوء تخصيص رأس المال. انخفاض أسعار الفائدة يشجع الناس على اقتراض المال للاستثمار في أشياء ليست بالضرورة استثمارات جيدة – ديون الشركات العالمية ارتفعت إلى أكثر من الضعف، من 26 في المائة إلى 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لشركة ماكينزي.
كل هذا الاقتراض يمكن أن يكون انكماشيا، من حيث إنه يستحدث فائضا في العرض “الطفرة النفطية الأمريكية وما يترتب على ذلك من انهيار في أسعار النفط مثال على ذلك”.
وبالنظر إلى أن أسعار الفائدة المنخفضة جدا من المفترض أن تكون سببا في حدوث التضخم، يعتبر هذا مشكلة إلى حد ما. كل هذا الاقتراض أيضا يدفع أسواق الأسهم إلى أعلى مما يكون مناسبا: لم يكن أكبر المشترين للأسهم في سوق الولايات المتحدة مستثمرين حقيقيين، ولكن شركات تعيد شراء أسهمها مع ديون مقترضة رخيصة.
النتيجة؟ ليس فقط، كما يشير سيباستيان ليون من شركة تروي، أنه “يبدو أن تقييمات الأسهم مرتفعة في وقت تبدو فيه توقعات نمو الأرباح رديئة”، لكن مع تراكم الديون التي يتعين في نهاية المطاف تسديدها – وليس الإنفاق على ما هو مفيد في البحوث والتطوير أو النفقات الرأسمالية – “الشركات خلقت توقعات غير مؤكدة حول الربحية الخاصة بها على المدى الطويل”. هذا يبدو أمرا مؤسفا.
السياسة النقدية المتساهلة لها تأثير سيئ على أسعار الأصول الأخرى أيضا. وهذا ما يفسر سبب اعتبار أسعار المنازل في المملكة المتحدة عالية بصورة عنيدة، والسبب في أن عدد المنازل للبيع في المملكة المتحدة منخفض عند مستوى قياسي. فإذا لم تتمكن من الحصول على عائد على النقد، كما تقول كابيتال إيكونوميكس، فليس هناك فرق بين أن تؤجر منزلك القديم أو تبقيه خاليا عندما تنتقل منه. انخفاض أسعار الفائدة هو العامل الرئيسي هنا.
الشيء التالي الذي يستحق النظر فيه – في المملكة المتحدة على الأقل – هو التأثير الشرير الموجود لدى أسعار الفائدة المنخفضة جدا في الشركات التي لديها أنظمة تقاعد على أساس الراتب النهائي.
أعلم أنني ذكرت هذا من قبل، وأعلم أن هذا ممل بصورة لا تطاق تقريبا، لكنه مهم للغاية. فكلما انخفضت أسعار الفائدة، يصبح مبلغ رأس المال اللازم للوفاء بالتزامات صندوق التقاعد أكبر، وتزداد كمية النقد الذي يتعين على الشركات سكبها في الصناديق حتى تبقى متمتعة بالملاءة المالية من الناحية الفنية. هذا هو النقد الذي لا يمكن استخدامه في استثمار رأسمالي مفيد أو في التوسع.
ونحن نتحدث هنا عن كميات كبيرة من النقد. فوفقا لهيمانز روبرتس، دفعت الشركات البريطانية ما مقداره 500 مليار جنيه استرليني في خطط التقاعد الخاصة على مدى السنوات الـ 15 الماضية، لكن مع ذلك العجز الكلي ارتفع من 250 مليار جنيه إلى نحو 900 مليار جنيه.
هل تعتقد أن ذلك يمكن أن يعمل بطريقة ما على تفسير النمو المنخفض في المملكة المتحدة وحتى مشكلة إنتاجيتها؟ أعتقد ذلك. يمكنني أن أملأ عديدا من الصفحات بالآثار السيئة لأسعار الفائدة المنخفضة جدا، لكنني سأطرح أثرا سيئا آخر فقط لأوضح فكرة أن هناك آثارا صغيرة تكاد لا تنتهي.
تعرف أن خدمة الصحة الوطنية تفتقر قليلا إلى النقد. ويمكن أن تعرف أيضا أن الدفع مقابل قضايا الإهمال الطبي يكلف ثروة (4.5 مليار جنيه على مدى السنوات الخمس الماضية).
الأمر الذي ربما لا تعرفه هو أن هذه المدفوعات ترتفع مع انخفاض أسعار الفائدة. لماذا؟ لأن خدمة الصحة الوطنية ملزمة بدفع مبالغ مالية من شأنها أن توفر مداخيل محددة على مدى حياة المريض. كذلك هو الحال مع صناديق التقاعد، فكلما انخفضت أسعار الفائدة، ارتفعت المبالغ المطلوبة لإنشاء الدخل – وزيادة المبالغ التي يجب على الجهاز الصحي المفلس أن يدفعها.
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن المعدلات المنخفضة جدا لا تحفز بالضبط مجموعة معينة في المملكة المتحدة لديها أكوام من النقود لإنفاقها.
إذا كنت متقاعدا تتطلع إلى سعر الفائدة على حسابات الودائع الخاصة بك التي تبلغ 0.25 في المائة، فإنك لن تشعر كثيرا بأنك تنفق المال على أي شيء أنت لا تحتاج إليه حقا – أيا كان سعر منزلك.
وجهة نظري هنا تعتبر بسيطة. محافظو البنوك المركزية يبحثون عن أسباب لرفع أسعار الفائدة على أن تكون تلك الأسباب منطوية على خبر سار (“الاقتصاد قوي بما يكفي ليتحملها”). لكن من الممكن أن ينظروا إلى الأمر بطريقة خاطئة. بدلا من ذلك ينبغي أن يركزوا على أسباب لرفع الفائدة إذا كانت الأخبار سيئة (“نحن نعيث الفساد في الاقتصاد في قضية أسعار الفائدة المنخفضة هذه، أليس من الأفضل أن نحاول رفع هذه الأسعار؟”).
أغلب ظني أن معظم محافظي البنوك المركزية يتعاطفون مع هذا الرأي – يعرفون، كما أشار الممثل الكوميدي، دانييل كيتسون، في برنامجي الثاني للمهرجان يوم الخميس – أن المستقبل ليس ذلك اللغز الذي يعتقده كثيرون. بل هو بالأحرى “عواقب تتجمع ببطء في الوقت الحاضر”.
وهم يعرفون أن العواقب التي تتجمع ببطء من انخفاض أسعار الفائدة بصورة فائقة تعتبر سيئة جدا. الأمر هو أن ما من أحد يريد أن يدخل التاريخ باعتباره الرجل الذي فجر فقاعة أسعار الأصول العظيمة في العقد الثاني من القرن الحالي. فمن الذي لديه استعداد لذلك؟