ماذا يخبئ المستقبل للشركات الناشئة التي تزيد قيمتها على مليار دولار؟ يوجد الآن 131 شركة تكنولوجيا خاصة تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر – الحد الأدنى الذي أكسبها لقب “وحيدات القرن” – بحسب شركة تزويد الأبحاث “سي بي إنسايتس”. لكن إذا كان التقييم المكون من عشرة أرقام يُعتبر فيما مضى نادرا بما فيه الكفاية لتبرير المقارنة بـ “وحيد القرن”، ذلك المخلوق الأسطوري، فهو يجتذب استجابة غير مُبالية خلال طفرة التكنولوجيا الحالية.
يقول آرون ليفي، المؤسس المُشارك والرئيس التنفيذي لشركة بوكس للبرمجيات، القائمة على خدمة السحابة، وهي شركة ناشئة من فئة “وحيدات القرن” سابقاً، “إن الاسم لا ينجح إلا إذا كان يوحي بشيء من الندرة، وهو لم يعُد كذلك الآن”.
شركة ليفي الآن تعد عبرة لما يمكن أن ينتظر عديدا من الشركات الناشئة التي تزيد قيمتها على مليار دولار. في وقت سابق من هذا العام، أصبحت بوكس واحدة من عدد قليل من الشركات التي أنهت عملية إدراج أسهمها في “وول ستريت”، وهي خطوة أثارها طلب كبير على رأس المال الذي لا يُمكن توفيره في الأسواق الخاصة.
لكنها عانت أوقاتا صعبة. اضطراب البورصة في آب (أغسطس) ألحق ضررا بسعر الأسهم المُتضرّر أصلا، ما أدى إلى انخفاضه إلى أقل من سعر عملية الاكتتاب العام الأولي وتركها بقيمة تبلغ نصف ذروتها التي وصلت إليها في بداية العام.
مثل الرؤساء التنفيذيين لكثير من الشركات العامة ممن وجدوا أنفسهم في موقف مماثل، يدّعي ليفي أن هذا نتيجة لسوء الفهم ويقول “شهدنا ذلك مع “نيتفليكس” أو “فيسبوك” أو كثير من الشركات التي لم يتم فهمها بطريقة صحيحة فيما يتعلق بما هي الرؤية طويلة الأجل. أنا أعتقد أننا ربما نكون في واحدة من تلك الفترات بشكل مؤقت”. أجلت شركة بوكس خططا لبيع الأسهم العام الماضي، في الوقت الذي كانت فيه الأسهم في شركات الحوسبة السحابية تنخفض. وفي اكتتابها العام الأولي تم تقييمها في نهاية المطاف بقيمة أقل مما كانت في جولتها السابقة من جمع رأس المال الخاص. ويُحذّر بيل جورلي، صاحب رأس المال المغامر في وادي السيليكون، من أن هذا المصير ينتظر الآن كثيرا من “وحيدات القرن”، لأن التراجع في أسعار الأسهم العامة يفتح فجوة أكبر بكثير مع التقييمات الخاصة المحمومة بشكل مُفرط.
ليفي، سريع الكلام، وغير الموقّر والطريف أحيانا، يقول “إنه لم يتخلّ عن مظاهر صاحب مشاريع الشركات الناشئة – الحذاء ذو القماش بألوان زاهية الذي يرتديه دائماً، أو التغريدات الشائكة على موقع تويتر. (مثال أنموذجي في الآونة الأخيرة: “من الواضح تماماً أن ترامب فاز بالمناطرة. هذه أوقات مخيفة عندما لا يكون من الممكن تمييز شخصيات تلفزيون الواقع عن الرؤساء المقبولين”).
إلى جانب ديلان سميث، أحد أصدقاء مرحلة المدرسة، تخلّى ليفي عن دراسة الجامعة لإطلاق الشركة. بعد مرور عقد من الزمن، وفي عمر 30 عاماً، بدأت تنتشر لمسات من الشعر الأبيض حول الصدغ – وهو أمر، يقول، إنه “يرتبط بعمل كثير من الأمور المُجهدة”. لكنه يساير الوضع ويشير إلى أن ذلك قد يجلب بعض الوقار المفيد “الناس يثقون بي أكثر الآن”.
خلال عملية الاكتتاب العام الأولي المُضطربة، أصبحت شركة بوكس بمثابة مانعة صواعق بالنسبة إلى بعض أكبر الإصدارات في عالم البرمجيات. إحدى هذه الصواعق هي ما إذا كانت أكبر شركات التكنولوجيا، مثل أمازون وجوجل، ستدخل مجال الخدمات السحابية الواعدة، لتبتلع أو تمحو الشركات الناشئة الأصغر. وتوصف سوق الشركات مثل بوكس، بشكل عام، بأنها التخزين القائم على خدمة السحابة – الاحتفاظ بمعلومات الزبائن في مستودعات بيانات مركزية. وبالنسبة إلى كثيرين، هذا يبدو كأنه خدمة استهلاكية سينتهي بها الأمر أن تقع تحت هيمنة الشركات ذات النطاق الهائل. يقول ليفي “إن هذا سوء فهم لأعمال شركة بوكس وإنها تبيع مستوى أعلى من الخدمة يعتمد على تأمين وإدارة المعلومات، وليس مجرد تخزينها: تأتي إيراداتنا من الشركات التي تهتم بالأمن والسيطرة على البيانات والامتثال وسير العمل، وما نُقدّمه لها هو تخزين مجاني أيضاً”.
مع قطاع تخزين وإدارة البيانات عبر الإنترنت المُجزأة للغاية التي تواجه التوحيد، تسابق شركة بوكس الزمن لإثبات أنها تستطيع أن تُصبح واحدة من الناجيات. وقد ساعدت شراكة هذا العام مع “آي بي إم” وتمديد تحالف مع “مايكروسوفت” على دفع آمالها بأن يتم اعتبارها عنصرا رئيسيا في البنية التحتية للحوسبة السحابية، ذلك المكان الذي تخزن فيه الشركات الكبيرة والحكومات بياناتها. لكن مع إيرادات متوقّعة تبلغ 290 مليون دولار فقط هذا العام، لا يزال أمامها طريق طويل لتسلكه.
القضية الثانية التي أثارتها شركة بوكس تتعلّق باستعداد البورصة دعم الأنموذج المالي لشركات البرمجيات القائمة على خدمة السحابة، التي تنفق بكثرة لاكتساب الزبائن تحسّباً لامتداد دخل الاشتراك بعيداً نحو المستقبل. لقد تم تصوير خسائرها في عملية الاكتتاب العام الأولي دليلا على عدم الانضباط.
لكن ليفي يرفض هذا الانتقاد ويقول “إذا نظرنا في التاريخ، هذا ما كنت ستقوله عن أمازون، وعن Salesforce.com. الشركات التي تبني مواقع كبيرة رائدة في السوق تُقرّر الاستثمار في النمو والاستثمار في الهيمنة على سوقها وهذا ما كنّا نفعله”.
وساعد تخفيف إنفاقها على التسويق قبل عملية الاكتتاب العام الأولي على إسكات بعض الانتقادات. لكن إذا خضعت شركة بوكس للسوق وأنفقت أموالا أقل الآن في محاولة لكسب عملاء جُدد، ألا يعني هذا أنها تكبح نموها على المدى الطويل؟ يُظهر ليفي إحباطاً قصيراً ويجيب “إذن، أنت تقول الآن إنك تريد مني إنفاق المزيد؟ عليك أن تُقرّر. عليك أن تستقر على إجابة هنا”.
هذه هي الصعوبة بالنسبة إلى جميع ما يُسمّى شركات “البرمجيات بوصفها خدمة”، العالقة بين الضغوط المُتضاربة للاستثمار من أجل النمو وإظهار العوائد على المدى القريب. وبرزت شركة بوكس لتُثبت أنها تستطيع إيقاف حرق النقود – حين وضعت عام 2017 هدفا لبداية تحويل حركة النقد إلى إيجابية – لكنها أيضاً تواجه تراجعا حادا في الإيرادات، مع تباطؤ النمو إلى 34 في المائة هذا العام، هبوطا من 74 في المائة العام الماضي.
وتُثبت الشركة أن هناك شيئا واحدا على الأقل لم يتغيّر بشأن صناعة البرمجيات عند انتقالها لخدمة السحابة. البيع للزبائن المؤسسيين – الشركات الكبيرة والحكومات – لا يزال عملية طويلة ومُكلفة، حتى لو كانت “الإنترنت” تخلق القدرة على الانتشار الفيروسي في الخدمات الاستهلاكية. المخاوف القانونية والامتثال والأمن هي من بين القضايا التي تعمل على إبطاء المبيعات.
يقول ليفي “دائماً ما كانت لدي هذه البقعة العمياء حين أعتقد أن كل شيء سيحدث بشكل أسرع بكثير. لأنه بمجرد أن ترى أن هذا هو المستقبل بشكل واضح، يخطر ببالك أن أطول وقت يمكن أن يستغرقه العالم ليتغيّر (هو)، مثلاً، ثلاثة أعوام”. لكن بدلاً من ذلك تبيّن أن الأمر سيكون “مشكلة من النوع الذي يزيد على عقد من الزمن (أو) عقدين”.
وتواجه شركة بوكس الآن الواقع الوحشي لبرمجيات المؤسسات، حيث توجد مجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا الكبيرة، مثل أوراكل وآي بي إم، التي حافظت على هيمنتها عبر أجيال من التكنولوجيا. وفي الوقت الذي تظهر فيه موجات جديدة من الشركات الناشئة، إلا أن معظمها تم استيعابه من خلال عمليات الاستحواذ، أو تم تهميشه. يقول ليفي “نحن بالتأكيد لن نبيع”، مُعرباً عن التفاؤل الدائم للوافد الجديد. مبلغ الـ 750 مليون دولار الذي جمعته شركة بوكس على مدى حياتها بالتأكيد يُشير إلى طموحها الكبير.
“أنفقنا مئات الملايين من الدولارات على بناء التكنولوجيا الأساسية والمبيعات والتسويق للفوز في هذه السوق. وسيكون من المُكلف جداً دخول أي شخص آخر”.