كتب ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
حمل القرار الذي وقّعه وزير الدفاع سمير مقبل، وشمل تأجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الاركان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع، مفارقة لافتة لم يفهم مغزاها إلا من صاغ القرار وساهم في تحديد تواريخه.
لسبب غير مفهوم، ومع ان قرار تأجيل التسريح حدّد بعام واحد للضباط الثلاثة، فقد منح مقبل في قراره العماد جان قهوجي ولاية مدّتها عام وسبعة أيام، حيث ان قائد الجيش الذي كان يفترض ان يحال الى التقاعد في 23 ايلول المقبل، أجّل تسريحه مرّة ثانية حتى 30 ايلول 2016، ورئيس الاركان الذي يحال الى التقاعد في 7 آب أجّل تسريحه ايضا حتى 30 ايلول 2016، اي بزيادة نحو شهر ونصف عن مدّة العام، فيما وحده اللواء محمد خير أجّل تسريحه لعام ناقصا يوما واحدا في 21 آب 2016، حيث كان يفترض ان يحال الى التقاعد في 22 آب الجاري.
مفارقة مرّت مرور الكرام ولم يتوقّف اي من المعنيين عند مغزاها، مع أنها ليست خطأ مطبعيا، فيما رأى البعض ان في «حبة المسك» التي اضيفت الى ولايتَي العماد جان قهوجي واللواء وليد سلمان ما له علاقة على الارجح بـ «تتمّة» التمديد بعد عام من الآن.
بمطلق الاحوال، وبغضّ النظر عن هذه المفارقة التي طبعت تأجيل التسريح الثلاثي، فإن مفاعيله على ما يبدو ستبقى قائمة طوال مدّة تأجيل التسريح.. إلا إذا وقع ما ليس في الحسبان.
وما ليس في الحسبان هو حصول تسوية سياسية، كان بدأ الحديث عنها قبل إطلاق الرئيس نبيه بري لمبادرته الحوارية، تؤدي الى إعادة تفعيل العمل الحكومي بالتوازي مع إعادة فتح أبواب مجلس النواب للتشريع، وإقرار تعيينات أمنية تملأ الشواغر وتقطع حبل التمديد لمن أجّل تسريحه من الضباط القادة وعلى رأسهم قائد الجيش.
استحالة هذا السيناريو تفرضه، وفق أوساط متابعة، عوامل عدّة أهمّها توافر ما يشبه الاجماع بين القوى السياسية، باستثناء «التيار الوطني الحر»، على ان لا تعيين لقائد جيش جديدا قبل انتخاب رئيس الجمهورية، أما الاخير فلا يزال حاضرا فقط على طاولة المنجّمين، ولاحقا سيكون بندا أول ضمن مبادرة بري.
لكن بعد وضع الرئيس بري كرة الحوار في ملعب المعنيين بايجاد حلول للازمات القائمة، تحت ضغط الشارع غير المسبوق الذي بات يواجه الحكومة أيضا بـ «عدّاد» المهل، تغيّر كل الموضوع. لكن أحدا لا يقدّم إجابة كافية إذا كان سيتغيّر للاسوأ أم للافضل.
وفيما تراجع في الآونة الأخيرة الحديث بشكل مباشر عن التعيينات الامنية واقتراح قانون تعديل سن التقاعد للضباط و «الفتوى» التي يمكن ان تُبقي قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز في صلب المعادلة العسكرية بعد 15 تشرين الاول المقبل، فإن هذه المسائل تندرج في صلب مبادرة عين التينة تحت عنوان عمل مجلسَي النواب والوزراء ودعم الجيش والقوى الامنية، بموازاة الجهود التي قامت سابقا، ولا تزال، من أجل بلورة حلّ للتعيينات او مخرج يشمل عدداً من العمداء بترفيعهم الى رتبة لواء.
باختصار، ثمّة من يؤكّد أنه إذا كان ثمّة من «تخريجة» ترضي ميشال عون، وبشكل أساسي في الجزء المتعلق بقيادة الجيش، فلن تأتي إلا على يدّ بري وقد تكون عبر طاولة الحوار التي ستسابق موعد إحالة روكز الى التقاعد منتصف الشهر المقبل، او من خارجها.
وفيما ينتظر، في حال بقاء الازمة على حالها، توقيع وزير الدفاع سمير مقبل قريبا على قرار استدعاء العميد ادمون فاضل من الاحتياط بعد إحالته الى التقاعد في 21 ايلول المقبل، في سابقة هي الاولى من نوعها في مديرية المخابرات، فإن كل السيناريوهات التي تحدّثت مؤخرا عن إمكانية ملء الشواغر في المجلس العسكري لا تتعدى حتّى الساعة إطار التكهنات التي لا وعاء سياسيا جديا لها طالما ان التسوية الموعودة لا تزال مجرّد حبر على ورق، ومبادرة بري لا ترقى حتى الساعة إلا الى مستوى «محاولة» الخرق.
فالمجلس مستمر بأعضائه الثلاثة الممدّد لهم: قائد الجيش جان قهوجي ورئيس الاركان وليد سلمان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع محمد خير. يجتمع كل يوم ثلاثاء ويتّخذ القرارات ويوقّع عليها بالتوافق وليس بالتصويت بعد فقدانه نصاب الحضور واتخاذ القرارات، بعكس ما قيل بأن صلاحيته قد جيّرت بالكامل الى قائد الجيش وحده من خلال قرار اصدره رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي.
المجلس العسكري هو واحد من المؤسسات الاربع الرئيسية في وزارة الدفاع، التي تضمّ الجيش والمديرية العامة للادارة والمفتشية العامة.
تتّسم قرارات المجلس العسكري بالسّرية التامة، ومن صلاحياته الاشراف والتدقيق في كل الملفات والقرارات في مؤسسات الوزارة (مؤن، اسلحة، معدات، ذخائر، اعتدة، آليات…إلخ.) التي تصدر بقرار من وزير الدفاع. وهو يوافق على تشكيلات الضباط، وقرارات الفصل والترقية، واحالة الضباط الى المجلس التأديبي… باختصار، صلاحية المجلس تبدأ من الموافقة على قرارات باستلام الطعام اليومي حتى تنظيم مؤسسات وزارة الدفاع وتشكيلات القادة في المناطق ورفع التوصيات في موازنة الوزارة وتعزيز وتعديل السياسة الدفاعية، وصولا الى تأمين الاسلحة والعتاد وكل مستلزمات جهوزية الجيش. كل هذه الصلاحيات مجيّرة اليوم الى مجلس يعمل بنصف أعضائه، وقد يستمر على هذا المنوال لفترة طويلة.
وبالتأكيد في حال تفاقم الازمة السياسية والعجز عن إجراء تعيينات أمنية وإرساء تسوية الحد الادنى طوال ولاية التمديد لاعضاء المجلس العسكري الثلاثة، فسيكون التمديد الثالث هو مصير قيادة الجيش (يتبقى لقهوجي سنة واحدة من ضمن سنوات خدمته في السلك)، وسيحظى اللواء خير بتمديد ثان (يتبقى له أكثر من ثلاث سنوات من الخدمة الفعلية)، أما رئيس الاركان فسيذهب حتما الى منزله بسبب استنفاده لكل سنوات الخدمة بحلول ايلول 2016، ولأن قانون الدفاع يحظّر الاستدعاء من الاحتياط لكل أعضاء المجلس العسكري، بمن فيهم رئيسه قائد الجيش.