Site icon IMLebanon

ماذا بقي من 14 آذار بعد التظاهرات؟

 

كتب ايلي الحاج في “النهار”: هل بقي شيء من قوى 14 آذار كي يسأل متابعٌ عن موقفها من انتفاضة الشارع التي لم تتحدد معالمها ومداها وأهدافها حتى اليوم؟ لا مفر من اعتراف بأن تطورات الأيام الماضية كرّست تباعداً بدأ وتوسّع ببطء، ولكن بثبات، مدى سنوات بين الأحزاب والشخصيات التي قادت “إنتفاضة استقلال” لم تحقق كل أهدافها بفعل “انقلاب مضاد” عليها، وبين رأي عام جارف أيّدها وعبّر عن نفسه بالحناجر والأعلام والأقدام في اليوم التاريخي والإستثنائي من العام 2005، والذي اختارت الحركة أن تتسمى على اسمه.

أحداث كثيرة تلاحقت بعد ذلك، دموية ومأسوية، واكبتها أخطاء سياسية أقل ما يوصف بعضها بأنه “جسيم”. المثال “التفاهم الإنتخابي الرباعي” السيئ الإخراج والنتائج البعيدة المدى، ومرحلة “السين – سين”، عدم الإقدام حتى على محاولة تغيير في رئاسة مجلس النواب وبعض الأجهزة غير المدنية، الغيبات الطويلة سياسياً وشعبياً، مروراً بمحاولات متكررة وتطلعات لأطراف أساسيين في التحالف إلى إقامة تفاهمات وسياسات من دون علم حلفاء لهم أو تنسيق واتفاق معهم، مما خلّف ارتدادات ليس على العلاقات بين الفئات المكوّنة لقيادة التحالف وحدها: زيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق وأسلوب إخراجها، سير الدكتور سمير جعجع في “المشروع الأرثوذكسي” وخوض كل منهما في تفاهمات وإن موضعية مع الجنرال ميشال عون فوق الطاولة وتحت الطاولة، فضلاً عن تبرّم حزب الكتائب الدائم قبل دخوله الحكومة، واعتراضاته المتعددة السبب على مجمل سياسات 14 آذار. فوق ذلك كان الجميع تقريباً، أحزاباً وشخصيات مستقلة، يدخلون في نزاعات مع الجميع عند “توزيع المغانم” النيابية والوزارية والإدارية.

ساد منطق إعلاء المصلحة الحزبية والطائفية والذاتية الضيقة على منطق الصراع من أجل القضية، وذلك كله في موازاة انفصال شبه تام عن “الرأي العام” الذي بات على قلق وشكوى وتبرم في انتظار تغيير ما لم يتحقق إلا في سياق آخر خلال الأيام الماضية، وتحت عناوين وقيادة لغير 14 آذار في حركة الشارع الأخيرة والمستمرة بمظاهر مختلفة.

هكذا برزت صور شخصيات وقيادات في تجمعات سياسية من صلب 14 آذار، وأفراد من عائلات قياديين فيها هنا وهناك خلال تظاهرات “طلعت ريحتكم”، وعلى الفور بدأ سياسيون إعادة قراءة الوضع برمته ناظرين في الوقت نفسه إلى عرض الرئيس نبيه بري العودة إلى طاولة الحوار من زاوية الحرص على تكريس اتفاق الطائف الذي لم تطبق بنود أساسية فيه، وعدم الخروج على الدستور. وبدا أن الرسالة وصلت واضحة: الرأي العام الذي أيد قوى 14 آذار ليس معلباً، يرفض تجاوزه والإستخفاف به، ويستطيع بسهولة محاسبتها وكما يجب، وقد فعل ذلك عملياً بنزوله إلى تظاهرات ترفع فيها صور قيادات في معرض التنديد بها والإتهام.

أولى نتائج هذه الرسالة الشعبية المدوية ستنعكس ضعفاً لموقف المفاوضين عن “14 آذار” في الحوار النيابي. في المقابل لا يمكن التغاضي عن خسائر مني بها الفريق المقابل “8 آذار”. صحيح أن “حزب الله” لا يزال يحتفظ بسلاحه لكنه فقد هيبة له في الشارع كانت أقوى من السلاح بينما يخوض حرباً يمكن القول إنها شبه إنتحارية داخل سوريا مما يهدد كل مفعوله في لبنان.

لا يتردد سياسي من أبرز منظّري 14 آذار في اعتبار أن ما يجري في المنطقة بعد “الإتفاق النووي” كما في لبنان يطوي صفحة تجربة الهيمنة الشيعية على البلاد بعد طي تجربة هيمنتين، المارونية والسُنّية، على التوالي. يؤكد الرجل أن مشروع “حزب الله” خسر، لكن 14 آذار لم تربح، صارت من الماضي إلا اذا حصلت معجزة.