بدأت ماكينة “التيار الوطني الحر” الاعداد ليوم الحشد، والذي تريده “يوم حشر” تثبت خلاله أنها ما زالت “ملكة الشارع” وهي “أم الصبي”، لا بل صاحبة الحق الحصري في الشعارات التي رفعها قياديو الحراك المدني، بعدما اتهمهم رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” بـ”السطو” على “كنز” مبادئه.
ولكن ما لا يقله أي من العونيين، هو أنّ “التيار” ليس مخيّراً في العودة الى الشارع في هذه اللحظة بالذات، بعدما منح بركته المبدئية لمبادرة الرئيس نبيه بري بالجلوس الى طاولة الحوار، ما يعني تسليمه لمنطق الديبلوماسية الهادئة لحلّ الاشكاليات المطروحة. قد تكون من المرات النادرة التي تكون فيها “النزلة” مفروضة فرضاً.
ولهذا، فإن للجولة المنتظرة تحديات كثيرة، أبرزها:
ـ مهما كان حجم المشاركة التي سيفرضها «التيار» على مناصريه ومؤيديه لملاقاته الى ساحة الشهداء، فإنّ المقارنة بين مشهد يوم الجمعة وذلك الذي سبقه يوم السبت الماضي، ستكون حتمية. وهناك من القوى السياسية الخصمة من سيستخدم هذه الورقة للتصويب على قدرة «التيار الوطني الحر» التعبوية، خصوصاً إذا لم تكن على قدر التوقعات، وهو السيناريو الذي يراهن عليه كثيرون، بعد التجارب السابقة التي لم تكن على مستوى حضور العونيين في الشارع في زمن النضال.
ـ كما أنّ المنطق ذاته سيأتي بـ«القوات» الى كادر المقارنة، حيث ستجمع الصدفة مشهد يوم الجمعة بالقداس السنوي الذي تقيمه معراب على نية الشهداء يوم السبت والذي تعدّ له بكل قواها. وبالتالي أي تقصير من جانب العونيين في القدرات التحشيدية، سيسجل عليهم نقطة سوداء في سجلهم الانتقالي بين عهد ميشال عون وعهد جبران باسيل.
ـ يأتي هذا التحرك في مرحلة حرجة جداً من المسيرة التنظيمية لـ«التيار البرتقالي» الذي يشهد راهنأً حالة ارباك نتيجة التسوية التي أتت بباسيل رئيساً للتيار، وبدت سريعاً أنّها تقف على رمال متحركة، سرعان ما بلعتها. رزمة من المؤشرات تشي بأنّ كلام الليل لم يطلع عليه نهار. التعديلات على النظام الداخلي والتي بنيت على أساسها التسوية، صارت في مهب الريح. ونائبا الرئيس المفترض أنهما سيشبهان الخيار التوافقي، تمّ تعيينهما على طريقة غالب ومغلوب. وقرارات الفصل تقول لمن يترقب العهد الجديد: المكتوب يُقرأ من عنوانه. والضمانات التي حكي عنها، صارت كلاماً بكلام.
بالنتيجة، ستكون هذه الأجواء الملبدة عائقاً جوهرياً أمام توسيع رقعة حضور البرتقاليين على الأرض يوم الجمعة المقبل، لا سيما وأنّ الاحباط يصيب القيادات النضالية العتيقة التي هي في العادة دينامو التحرك الميداني ومفاتيحه.
هكذا، هناك من سيشغّل عداداته ليحصي عدد لابسي القمصان البرتقالية الذين سينزلون على الأرض، وسيعدّ سهامه لتصويبها على الرابية، في حال لم يلب الشارع نداء القيادة.
صحيفة “الأخبار” كتبت: “يتحضر التيار الوطني الحر للنزول الى الشارع يوم الجمعة المقبل تحت عناوين عدة أبرزها: “حقنا في الوجود”، “وحدا الانتخابات بتنضف”، “نازلين لنرجع حق اللبنانيين كلن يعني كلن”. ولفتت إلى ان التحدي الأبرز هو شدّ عصب قاعدته للنزول من أجل هذه جميعها في وقت ينبض الشارع بالهموم الاجتماعية كافراً بالسياسة وأهلها.
وتابعت الصحيفة: “تقول تجربة “طلعت ريحتكم” إن نجاح التحرك في الشارع، ولو شكلياً، يحتاج الى عنصرين: أولا، التركيز على مطلب واحد يمسّ يوميات المواطن اللبناني مباشرة. ثانيا الابقاء على حماسة المواطنين عبر اشراكهم بالفعل، والفعل والتحرك على الأرض بموازاة التعبئة الافتراضية والتلفزيونية واستقطاب العمال والنقابيين بشكل أساسي. إلا أن التيار الوطني الحر لم يلتفت كثيراً إلى هذين العاملين في سياق تحضيره لتحرك يوم الجمعة المقبل، مفضلاً مواصلة الأسلوب التقليدي في الحشد.
فعلى صعيد المطالب تتعدّد الشعارات مع تركيز متواصل على الحقوق المسيحية عامة التي لا تطعم الناس خبزاً أو فرص عمل، ولا تعيق وصول النفايات الى داخل منازلهم. وفي هذا السياق يبدو شعار «حقنا بالوجود» الذي دعا التيار محازبيه الى الاعتصام تحت مظلته واسعاً بعيداً عن المطالب الاجتماعية التي تثير حماسة اللبنانيين ونقمتهم على السلطة هذه الأيام.
ولا شك في أن عدم تحديد التيار بشكل واضح من يتظاهر ضده يؤثر في التعبئة وفي صورة التيار كحزب جريء يطلب من المتظاهرين تسمية الفاسدين حصراً بأسمائهم بدل التعميم. أضف الى ذلك أن التيار لم يكبد نفسه، خلال الأيام القليلة الماضية، عناء شرح سبب إهماله الشارع أو انسحابه منه شهراً كاملاً، وسبب قراره العودة إلى الشارع مجدداً، خصوصاً أن التحرك السابق كان يهدف إلى منع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي فلم يحقق نتيجته، تبعه تحرك آخر غداة التمديد لم يؤد إلى أية نتيجة أيضاً، ثم توقفت التحركات.
«نخاف من سرقة شعاراتنا لتنفيسها كما حصل في 1990 و2005»
ساهم ما سبق بجعل مهمة المكلفين بالحشد في المناطق والأقضية صعبة بداية: «عتلنا همّ ما يتجاوب الجمهور معنا غير أننا تفاجأنا بايجابية العونيين وتصميمهم على تلبية دعوة الجنرال ميشال عون». فمن الواضح اليوم أن هناك «قرارا دوليا واقليميا بعزل العماد عون، ونزولنا الى الشارع هو لكسر قرارهم وافشال محاولات عزلنا». وكان التيار قد بدأ منذ بضعة ايام تهيئة قواعده، معتمدا تغييرا بسيطا في آلية الحشد عبر تكليف كل مسؤول ضيعة بتولي أمر المحازبين والمؤيدين فيها بنفسه وايصالهم الى ساحة الشهداء من دون تحديد نقطة التقاء المواكب في كل قضاء. وذلك «لحثّ مسؤولي البلدات على تحمل المسؤولية والعمل بجدية لاثبات أنفسهم». أما الهدف من هذا التحرك، فتختصره أربع نقاط: «قانون انتخابي نسبي يؤمن المناصفة، انتخابات نيابية، انتخاب رئيس من مجلس شرعي أو انتخاب رئيس من الشعب، تعيين حكومة تؤمن الوحدة الوطنية».
يشير أحد النواب الى أن «لا خوف من تبني المجتمع المدني لمطالبنا ولا سرقتها، انما قلق من خطف شعاراتنا بغية تنفيسها وافراغها ثم اسقاطها من أجل عقد صفقة على حسابنا. وتجربتنا تؤكد ذلك، ففي العام 1990 سرقوا منا شعار الحرية والسيادة والاستقلال وباعوه للنظام السوري موحين أنه سينسحب بعد عام واحد. وكان أن نفي العماد عون «بتنفيسة» وبقي السوري 20 عاماً. وفي 14 آذار 2005، قامت المجموعة ذاتها بسرقة شعاراتنا المنادية بالحرية والديمقراطية لمآربها الخاصة. لذلك نعتزم اليوم النزول للمطالبة بحقوقنا بعد أن فاحت رائحة تواطؤ المجتمع الدولي مع البعض من أجل تطويقنا وتنفيس ثورتنا، حتى لا تعود عقارب الساعة الى الوراء».
بالأمس، أجابت الرابية على سؤال عامة الناس عما يحول دون تحالفها مع من يتشاركون واياها الشعارات وملفات الفساد نفسها. يريد عون تحييده عن غيره ممن ترفع صورهم أمام السرايا ضمن خانة الفاسدين، وفي قلب «الجنرال» غصة ونوعا من المساءلة للمواطنين الذين لم يتحركوا يوم اعترض العونيون على التجديد لسوكلين وطعنوا بالتمديد للمجلس النيابي وصارعوا حيتان السياسة لاقرار خطط ماء وكهرباء. وهي غصة محقة طبعاً، لكنها كانت ستكون محقة أكثر لو كان الجنرال قد عمد إلى دعوة المواطنين لمساندة نوابه ووزرائه في الشارع لفضح المعطلين والضغط عليهم. فحين خاض التيار الانتخابات لقي تأييداً شعبياً منقطع النظير، لكنه اكتفى لاحقاً بخوض المعارك في مجلسي النواب والوزراء، من دون تحميل المواطنين مسؤولياتهم. وقد اقتصرت الدعوات العونية إلى التظاهر على اثنتين: عند رفض إعطاء تكتل التغيير والإصلاح الحقائب الوزارية التي يطالب بها، وقبيل التعيينات الأمنية الأخيرة وبعدها. لم يدع المواطنون إلى مؤازرة الوزير جبران باسيل في مسعاه لتوفير الكهرباء أو استخراج النفط أو غيرها، وقد فضّل العونيون القبول بتسويات جانبية بدل خوض المعارك حتى نهايتها.