في الوقت الذي أعلنت فيه مصر عن اكتشافها الأكبر في حقل “شروق” بمنطقة شرق المتوسط، والذي يقع شمال مدينة بورسعيد، ويقدر احتياطاته بـ30 تريليون قدم مكعبة، على عمق 1450 مترا وينتشر على مساحة نحو 100 كيلومتر مربع، بدأت تتشعب الأسئلة حول ماهية الاكتشاف وموقعة واتفاقيات ترسيم الحدود البحرية، بين دول شرق المتوسط.
ونصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في عام 1982 على عدد من المفاهيم، التي تضمن إقامة نظام قانوني يضمن سيادة الدول على مياهها الإقليمية، وتشجع على استخدام البحار والمحيطات في الأغراض السلمية، والانتفاع بمواردها على نحو يتسم بالإنصاف والكفاءة، وصون مواردها الحية والحفاظ عليها، كما يحدد القانون المبادئ العامة لاستغلال الموارد البحرية “الموارد الحية، والتربة والموارد الموجودة تحت سطح الأرض”. و كعادتهم لم تصادق كل من إسرائيل والولايات المتحدة على الاتفاقية، بالإضافة إلى تركيا.
وظلت هذه الاتفاقية، تحفظ حقوق الدول بمنطقة شرق البحر المتوسط، والتي تتسم بقدر كبير الأهمية، لكونها تتضمن احتياطات استراتيجية ضخمة، وصلت وفقا لتقديرات المُسُوح الجيولوجية الأميركية، إلى ما يقارب الـ 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وفي19 أبريل عام 2004، عقدت مصر مع قبرص اتفاقية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ما ترتب عليه اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي.
وتنص الاتفاقية على: “تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين، على أساس خط المنتصف، ونصت الاتفاقية المصرية القبرصية في مادتها الثانية على أنه «في حالة وجود امتدادات للموارد الطبيعية، تمتد بين المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الأطراف وبين المنطقة الاقتصادية الخالصة للطرف الآخر، يتعاون الطرفان من أجل التوصل إلى اتفاق حول سبل استغلال تلك الموارد.
وفي المادة الثالثة أنه «إذا دخل أحد الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقتها الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى .
بينما نصت المادة الرابعة: “يتم تسوية أي نزاع ينشأ بشأن هذا الاتفاق عبر القنوات الدبلوماسية بروح التفاهم والتعاون، وفي حالة عدم تسوية النزاع عبر القنوات الدبلوماسية، يتم إحالة النزاع إلى التحكيم”.
وأيضاً تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية القبرصية، حيث وقعت الحكومة اللبنانية والقبرصية في عام 2007 اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وتم الترسيم وفقا لنقطتين مؤقتتين هما 1 جنوبا، والنقطة 6 شمالا، حيث ألزمت الاتفاقية في مادتها الثالثة أي طرف يدخل في تفاوض مع طرف آخر لترسيم الحدود البحرية في إحداثيات أي نقطة من 1 أو 6، الرجوع إلى الطرف الآخر.
وفي مارس 2010، أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية عن وجود احتياطيات ضخمة للغاز في شرق المتوسط بالمنطقة الواقعة بين مصر وقبرص، بعدها وقعت إسرائيل مع قبرص اتفاقية لترسيم الحدود في 17 ديسمبر 2010، دون الرجوع لمصر، رغم أن اتفاقية عام 2004، التي تلزم أي طرف بالرجع للطرف الآخر في أي اتفاق مع دولة أخرى.
وبالفعل عقد الرئيس السيسي اجتماعات مع الرئيس القبرصي والرئيس اليوناني، بالقاهرة وقبرص لإنهاء هذه المشكلة، والتي خرج منها إعلانا القاهرة 2014 ونيقوسيا في أبريل 2015، والذي أكّد بوضوح مسألة التعاون بشأن الموارد الغازية والنفطية في شرق المتوسط، وضرورة دعم جهود توحيد الجزيرة القبرصية، مؤكداً ثوابت اتفاقية 2004 مرة أخرى.
وكان ردّ الفعل التركي على تلك القمة ومخرجاتها، ممثلا في تصريحات الأدميرال بولنت أوغلو، قائد القوات البحرية التركية، الذي أكّد أنّ الحكومة التركية فوّضت القوات البحرية لتطبيق قواعد الاشتباك الجديدة التي جرى تعديلها لمواجهة التوتر المتزايد بين الدول الساحلية بسبب مشروعات التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في شرق البحر المتوسط.
حقول شرق المتوسط المعلنة
أعلنت شركة بريتش غاز التابعة لشركة بريتش بتروليوم في عام 2000 عن اكتشافها حقل غزة مارين، على مسافة 36 كم من شواطئ قطاع غزة، حيث يُقدر إجمالي المخزون الاحتياطي للحقل بما يقارب التريليون قدم مكعبة من الغاز.
كما أعلنت إسرائيل عن اكتشاف حقلين آخرين، هما حقل تمارا والذي اكتشف في 2009 عن طريق شركة نوبل إنرجي. ويقع الحقل على بعد 50 ميلا غرب حيفا على عمق 1700 متر تحت سطح البحر. يقدر احتياطيه 10 تريليونات قدم مكعبة.
في يناير عام2011 أعلنت قبرص عن اكتشاف أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم، على بعد180 كم من الشاطئ الجنوبي الغربي لقبرص، وبعمق 1700 متر تحت سطح البحر، ويقدر إجمالي المخزون الاحتياطي ما يقارب الـ9 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وقيمتها تصل لـ”120 مليار دولار”، وقرر تسميته حقل “أفروديت”.
والحقل الثاني في إسرائيل هو ليفياثان الذي يُعد أكبر حقل غاز طبيعي تم اكتشافه حتى الوقت الراهن في منطقة حوض شرق البحر المتوسط من حيث المخزون الاحتياطي المتوقع، والذي بلغ 17 تريليون قدم مكعبة؛ حيث يقع الحقل على مسافة 135 كم من شواطئ شمال إسرائيل بالقرب من مدينة حيفا، وذلك بعمق 1600 متر تحت سطح البحر. وكانت إسرائيل تعقد أملاً كبيرة نحو تصدير الغاز من هذا الحقل إلى مصر، والتي تطلب احتياجات كبيرة من الغاز للطلب المحلي.
ويرى بعض المحللين الإسرائيليين بعد اكتشاف الحقل المصري “شروق” ضرورة عدم التوقف عن التفاوض مع قبرص حول استغلال الاحتياطيات الهائلة من الغاز الطبيعي في منطقة زهر التي تقع في القسم الشرقي من مياه البحر الأبيض المتوسط. بما يدل على أن هناك حقلا إسرائيليا جديدا قد يظهر في الأفق باحتياطي وعمق قد يكون مفاجأة، حيث إن العمق والاحتياطي للحقل يشكلان بشكل كبير مدى أهمية حقل الغاز.
إلى ذللك، أوضح المهندس أسامة كمال وزير البترول السابق “للعربية.نت” يجب التفرقة أولاً بين الحدود الإقليمية والحدود الاقتصادية، فالحدود الإقليمية هي 12 ميلاً من الشاطئ، أما الحدود الاقتصادية هي 200 ميلاً من الشاطئ، وإذا كانت المسافة بين الجارين أقل من 200 ميل يتم تطبيق قاعدة المنتصف بين الجاريين، وأكد كمال أن مصر عرضت في 2012 مناقصة لـ15 بلوكا على الحدود الاقتصادية لها، حتى تنتهي من كل المشاكل التي قد تحدث مستقبلاً، وبالفعل تم ترسية 8 بلوكات في 2014 والتي يعتبر حقل شروق إحدها. باحتياطي 30 تريليون قدم مكعبة.
وأضاف المهندس أسامة كمال أن احتياجات مصر اليومية هي 7 مليارات قدم مكعبة، وتنتج حالياً 4.7 مليار قدم مكعبة، وتستورد 0.5 مليار قدم مكعبة، وبذلك هناك عجز حوالي 1.8 مليار قدم مكعبة، والذي بسببه تم غلق العديد من مصانع الإسمنت والأسمدة والبتروكماويات في مصر، وبعد اكتشاف حقل شروق ستدخل الشبكة القومية للغاز ما يقدر بـ 2 إلى 2.5 مليار قدم مكعبة جديدة، وبذلك سيتم القضاء على العجز للسوق المحلي، وسنتمكن من توفير الطاقة التي تحتاجها المشروعات المستقبلية في مصر الجديدة.
ويرى المهندس صلاح حافظ نائب رئيس هيئة البترول المصرية الأسبق، وأحد المسؤولين عن ترسيم الحدود البحرية بالمتوسط، أن احتياطي حقل “شروق” الجديد يصل إلى أكثر من 40% من احتياطيات مصر كلها من الغاز، وهذا لم يحدث من قبل بهيئة البترول. وأكد حافظ أن إعلان شركة إيني الإيطالية والتي تخضع للبورصة العالمية، عن حجم الحقل واحتياطياته، تؤكد أنه ليس هناك مجالاً للشك حول أنه أكبر اكتشاف في التاريخ حتى الآن لحقل غاز، سواء بمنطقة شرق المتوسط وبالعالم.
وحول ما تتناوله بعض وسائل الإعلام حول وقوع الحقل خارج المياه الإقليمية المصرية، أضاف حافظ أنه لا توجد أي شبة حول مكان حقل “شروق”، فهو يقع داخل المياه الاقتصادية المصرية، وبحسب الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع جيرانها في مسألة ترسيم الحدود البحرية، فلا يوجد نزاع سواء مع إسرائيل أو فلسطين أو قبرص أو حتى اليونان حول هذا الحقل، وإنما تركيا تحاول عرقلة اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية، بين دول شرق المتوسط، وذلك بسبب أن حدودها البحرية بشرق المتوسط تقطعها جزيرة قبرص، وجزر يونانية أخرى، وبالتالي فحصتها من غاز شرق المتوسط قليل للغاية وقد يكون منعدمة. وبين الحين والآخر تحاول تركيا إثارة القلائل بالمنطقة وإرسال سفن حربية للمنطقة، في محاولة يائسة لها للحصول على حصة أكبر من غاز شرق المتوسط.