كتبت كلوديت سركيس في “النهار”: كان وزير العدل اشرف ريفي منهمكا في اجتماع اللجنة التي تعد مشروع المحاكم المتخصصة بقضايا الارهاب والجرائم الكبرى لدرس ملاحظات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على هذا المشروع الذي يحل المحاكم المتخصصة محل المحاكم الاستثنائية والمجلس العدلي.
وبدا ريفي مطمئنا الى الوضع العام في البلاد والوضع الامني خصوصا بازاء ما يحصل من حراك مدني في وسط بيروت وما تخلله من اعمال شغب، خلال حديث لصحيفة “النهار” بعدما ترأس اجتماع اللجنة التي تضم قضاة وحقوقيين من مختلف الاعمار لإضفاء “الخبرة والحيوية” على المشروع الذي اعلن صيغته في السابع من آب الماضي، و”اعطت اللجنة ملاحظات بعضها محق وبعضها الآخر شكلي. ونحن في طور اعداد صيغته النهائية التحسينية قبل تعميمها على النواب والوزراء وكليات الحقوق في لبنان ونقابتي المحامين لمناقشتها وترويجها. واكبنا خلال المناقشة التطور العلمي في العالم حيث انتفت المحاكم الاستثنائية وغابت المحاكمات ذات الدرجة الواحدة. نستفيد من خبرات دول صديقة. وكذلك من خبرة القضاة الذين لديهم باع طويل في هذا المجال. ونضع اللمسات الاخيرة على الصيغة النهائية. 7 آب كانت ذكرى مشؤومة للمحاكم الاستثنائية وكانت في الوقت نفسه لمحة مضيئة في القضاء العدلي اللبناني بالقضاة رالف رياشي وخضر زنهور وبركان سعد الذين اتخذوا في قرار حينذاك موقفا الى جانب القانون والانسان، واعتبروا ان لا صلاحية للقضاء العسكري للنظر في الامر. وكان موقف لـ”النهار” وصحف اخرى اشارت الى دور القضاء الذي شكل ومضة في تاريخه. نحن نقدم للبنانيين مشروع قانون يليق بلبنان المستقبل ويحفظ في الحد الاقصى الممكن امن البلاد واستقرارها”.
ويضيف: “الكل يعرف اليوم في لبنان ان ثمة صوتا لبنانيا صارخا مآله انه لا يمكننا البقاء في دولة مزرعة او في شبه دولة او في دولة فساد وفاسدين. هذا المشروع خطوة اصلاحية ضمن هذا الاطار. وسيأخذ مساره التقليدي عبر مجلس الوزراء وتبنيه من عشرة نواب في اقتراح قانون”.
واعرب عن تفاؤله بوصول المشروع الى نهاياته “ولكن ليس بسهولة. لأن ثمة قوى سياسية تعارضه، ولكنني متفائل على المدى الطويل بسقوط الاعتبارات التي ستشكل عائقا في وجهه لأسباب سياسية وغير قضائية او اصلاحية، وأثق بأن الرأي العام اللبناني وجمعيات حقوق الانسان والجمعيات الحقوقية وكل من يعمل بمنطق متجرد لن يكون ضده”.
وتابع: “نحن على عتبة سنة قضائية جديدة تبدأ في 15 ايلول. وهذه المرة مع حراك مدني شعبي”. ويعتبر ان “من غير المقبول الا يؤدي القضاء دوره وخصوصا في الاصلاح”. ويدل في مكتبه الى مجسمات متفرقة تظهر الهيكل التنظيمي لوزارة العدل وقصر العدل، والمحاكم المتخصصة، وتوزيع المحاكم على خريطة لبنان.
ويركز على “اطلالة جديدة في كل مرحلة لنعرض ما توصلنا اليه في مشروع اصلاحي للقضاء اللبناني. هذه خريطة طريق موضوعية ومنطقية، تتطلع الى مجمعات توقيف نموذجية للاحداث والنساء والمساجين ذوي الخصوصية الصحية. فتطلعات اللبنانيين يترجمها بفريق عمل نوعي بخبرته ومهنيته وتوجهاته الوطنية لانتاجه. وسنعلن هذه الخريطة تباعا. وعقبتنا الاساسية عدم وجود تمويل لبناء المباني. فكلفة المشروع نصف مليار دولار تقريباً. ويمكن ان نضع خطة على خمس سنوات او اكثر لبنائها. وأسف وزير العدل لأن فاتورة تكلفة الخطة الاعمارية للبنيان الكامل لجسم القضاء اللبناني توازي ربع فاتورة العجز الكهربائي في سنة واحدة وهي ملياران و200 الف دولار. بدأنا بخطة العمل منذ فترة وسندفع الامور لتحقيق خطواتنا.
ويستبعد ريفي حصول تشكيلات قضائية حاليا “حتى انتظام العمل الحكومي، انما بدأنا بتشكيلات على مستوى المساعدين القضائيين في لبنان. وهي لم تحصل منذ 15 عاما ولم تنفذ بتدخل من السوريين. بدأنا بمحافظة تلو الاخرى. وجدنا عقبات جمة. معاييرنا موضوعية وهي ان الفاسد يحال على التفتيش القضائي وينقل من مركزه ان عاث به فسادا الى مكان أقل اهمية. وسيتم تحريك البقية الذين مضى على وجودهم في مكانهم خمسة اعوام وما فوق ونبدل في مواقعهم مهما كلّف الامر. وستتم العملية على ثلاث مراحل بتبديل الثلث الاول اول شهر والثلث الثاني في الشهر التالي والثلث الاخير في الشهر الثالث.
ولا يعتبر أحد ان ثمة محمية له او سقفاً فوق رأسه. انجزنا محافظة الشمال. وهناك محافظتان شبه جاهزتين نضع اللمسات الاخيرة عليها. وستشمل العملية كل المحافظات بلا استثناء وفق المعايير الموضوعية نفسها. فالتغيير حتمي. وهذه التشكيلات الشاملة للمساعدين القضائيين تجري بالتنسيق مع الرؤساء الاول في المناطق. ولن يستطيع احد ايقافها. وعند تشكيل المنطقة القضائية في عكار بعد ثلاثة اشهر سيتم تحريك الموظفين ممن لم تشملهم التشكيلات في الشمال. كما قطعنا شوطا في انجاز منطقة البقاع الشمالي”.
ينتقد ريفي خلال كلامه تكراراً اهدار المال العام في موضوع الكهرباء. ويعتبر انه “لم يعد خافيا على احد في لبنان واقع الكهرباء بكل اسف. وهو غير مقبول. سئلت عن توزيري بدل الداخلية عند تشكيل الحكومة فطلبت ان اكون وزيرا للطاقة بعد فصل وزارة النفط عنها. وقلت لهم انا اتطوع على عاتقي لمهمة تأمين التيار 24 على 24 خلال سنتين او ثلاث وبأسعار معقولة مثل كل دول العالم، ولسجن كل الفاسدين الذين ينهبون مالنا كمافيات، مافيا الفيول وقطع الغيار والتحصيل والانتاج والواردات، فلا يجوز بعد 15 عاما ان يبقى اللبنانيون بلا كهرباء. في اميركا يعتبر من يدفع مئة دولار فاتورة كهرباء انها باهظة ونحن ندفع مليارين واكثر خلال سنة. ما يحصل في الكهرباء هو عيب واهانة لنا. طرحت هذا الموضوع مرات عدة في مجلس الوزراء وطالبت بعدم المعالجة ترقيعا. نخجل بوضع الكهرباء تجاه اللبنانيين. انا لا احمل المسؤولية للوزير الحالي لانني اعرف ان لا علاقة له . عام 1992 اعلن الرئيس رفيق الحريري حالة طوارئ وأمن الكهرباء تماما. ونحن يمكننا اليوم ان نعلن حالة طوارىء لتأمين الكهرباء 24 على 24. أهم شيء ان نضرُب المافيات، وهي قوة الاعتراض على الاصلاح. نحن حاضرون لضربها فلا يجوز ان تكون اقوى منا كدولة او كاصلاحيين”. ويعلن ريفي رئيس “الشبكة العربية لمكافحة الفساد” عن اعداد مشروع اصلاحي لمكافحة الفساد، مذكرا بالاعلان عن ثروته عندما عين مديرا عاما لقوى الامن الداخلي ووزيرا للعدل. ويعتبر انه “في الجو الاصلاحي اللبناني الحالي المتأتي من الصرخة الشعبية التي بدأت تتنامى”، سيدعم تجديد اطلاق مشروع تعديل قانون الاثراء غير المشروع “الذي وضعته ولم يسلك طريقه لتعسره في الاروقة. فالحراك الشعبي يشكل دافعاً اليوم لهذا المشروع. وفي رأيي كل من يرغب تعاطي الشأن العام يجب ان يكون شفافاً وواضحاً. ويقبل بإعلان ثروته عند خروجه من الحكم والا فنستمر في المزرعة ولا نبني دولة. وقريباً سأعيد اطلاق مشروع مكافحة الفساد. وسبق ان تكلمت مع رئيس الحكومة للدعوة الى اجتماع الهيئة الوطنية للجنة مكافحة الفساد في لبنان الذي لا يمكنه ان يستمر في هذا الشكل”.
وأيّد ريفي الحراك الشعبي “في غالبية مطالبه. ثمة مطالب كثيرة محقة هي مطالبنا نفسها وأصفّق لها وأؤيدها تماماً وأترجمها في عملي الوزاري وحتى في سلوكياتي الشخصية. لكن ثمة من يحاول ان يركب الموجة ويحرفها نحو عمل امني وانا ضده.
وهل يعقل ان تستمر الزبالة على الطرق شهراً ونصف الشهر والحكومة لا تجد حلا لها؟ آسف للقول انها بين عجز حكومي وفساد في بعض المؤسسات ندور في حلقة مفرغة. وقد تكون للبعض رغبة الا نصل الى نتيجة معينة ويبقى الاحتقان الشعبي ونغرق في ازمات اجتماعية. يجب ان تكون ارادة اللبنانيين اقوى من كل هذه العوامل. كفى تعسرا. لم علينا ان نكون غير دول العالم الاخرى؟ نحن في مساحة محدودة جغرافيا وسكانيا ويمكننا ان نكون دولة نموذجية”.
وهل هذا البعض داخلي او خارجي؟ أجاب: “هو داخلي ويمكن ان يكون خارجياً ايضا. ولكن نحن مسؤولون داخليا. ندور على انفسنا. طرح الحراك المدني بدء فرز القمامة في المنزل والكنس لا احد ضده. ثم طرق المعالجة فنختار الاقل ضررا على البيئة. واللبناني يدعم الشفافية والمنطق في العمل وعندما لا يثق يجب ان نتوقع منه الاعتراض. ولم يعد يقبل بدولة عاجزة وغير قادرة. ولا يجوز ان تكون هناك دويلة فوق الدولة وفوق القانون. ننشد دولة واحدة مركزية لا يشاركها احد في قرارها السيادي ولا حصرية السلاح”.
وهل يتخوف من الفلتان الامني بازاء تنامي الحراك الشعبي، قال: “الكل في هذا الحراك يدركون أنهم بالانحراف لا سمح الله الى سلوكيات غير وطنية ولا تصب في مصلحة الاستقرار يكونون يدينون انفسهم. ثمة من يحاول حرف حراكهم واستغلال هذه الموجة. فلندعه حراكا مدنيا للسعي نحو اقامة الدولة المدنية النظيفة. وثمة شعارات كنا رفعناها في طرابلس وهي بدنا رئيس جمهورية ودولة نظيفة والعيش معا”. والعلاج يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية”.
تحدثت عن انحراف في التظاهرات، والاعلام تحدث عن مندسين، ما مدى الصحة في ذلك؟ يجيب: “المندسون كشفوا انفسهم في الصور. واللبنانيون رأوهم، وثمة 22 موقوفا معروفة اسماؤهم وانتماؤهم السياسي بالنسبة الى غالبيتهم. هم مدفوعون. وأتوا من “سرايا المقاومة” في حزب الله، واللافت ان غالبية الصور تقريبا تظهر انهم قُصّر. كأن اختيارهم جاء عمداً ليكونوا دون السن القانونية. ثمة من يحاول ان يصادر ويشوّه صورة الحراك الذي يجب ان يحمى ما دام ينادي بالاصلاح والدولة الواحدة”.
وكرر ريفي: “لا خوف كبيرا على الوضع الامني. قد نمر بخضات امنية متفرقة ومحدودة ولكنها ضمن قدرتنا على السيطرة عليها. أقول ذلك من خلال قراءاتي دوليا واقليميا. نحن في مخاض غير سهل والجريمة الكبرى كانت عدم انتخاب رئيس جمهورية. الشغور الرئاسي هو اصل الداء وبمعالجته تنتظم الامور شيئا فشيئا”.