في أعقاب خسارتها 50 مليار دولار من دخلها بسبب انهيار أسعار النفط، وتآكل جزء كبير من رصيدها النقدي، تدخل الجزائر مرحلة شد الحزام وسط احتمالات أن تطول فترة تدهور أسعار النفط. ويذكر أن الجزائر من أكثر الدول العربية النفطية تأثراً بثورة النفط الصخري، حيث إن الخامات الخفيفة التي تنتجها كانت تصدّر إلى أميركا وحل مكانها النفط الصخري.
وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة عن برنامج للتقشف وترشيد النفقات العامة لتفادي الوقوع في مصيدة عجز مالي كبير خلال العام المالي المقبل. يذكر أن صندوق النقد الدولي توقع في تقريره الأخير، أن تسجل الموازنة العامة في الجزائر عجزاً يقدّر بـ15.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، بسبب تراجع أسعار النفط.
وقال رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، في مؤتمر عام للحكومة ومحافظي الولايات، عقد أخيراً، إنه تم الشروع في أعمال لترشيد النفقات من أجل تحكّم أفضل في نفقات الدولة بهدف تأمين عبور الجزائر من العاصفة الاقتصادية الحالية ولتحقيق النمو الاقتصادي المتوقع من دون المساس بالمكتسبات الاجتماعية، وأيضاً من دون اللجوء المفرط للاحتياطيات المالية للبلاد.
وقال سلال في خطابه بالمؤتمر “الظرف الراهن صعب، ولكنه يتيح لنا أيضاً فرصة لمراجعة الذات واتخاذ قرارات جريئة من أجل بناء رؤية اقتصادية جديدة وتغيير طرق سيرنا وانضباطنا”. وأشار سلال إلى أن المسعى الآني للحكومة يتصل بترشيد النفقات دون المساس بالمكاسب الاجتماعية، معتبراً أن الجزائر لا يزال بحوزتها هامش من المناورة في ما يتعلق بتسيير الميزانية السنوية للدولة وبما يسمح للبلاد بمواجهة الوضع الحالي برصانة.
وأشار سلال إلى أن استمرارية انخفاض أسعار النفط “ستؤدي إلى انكماش موارد صندوق ضبط الإيرادات وزيادة المديونية العمومية الداخلية، وهو ما يخلق حالة من التوتر في تسيير الموازنة العامة تستدعي القيام بأعمال في مجال ترشيد النفقات العمومية وتطوير سوق رؤوس الأموال”. وقال إنه ربما تضطر الحكومة إلى خفض الإنفاق الاجتماعي بنسبة 9.1%، في الوقت الذي يتوقع أن تبلغ فيه نسبة النمو الاقتصادي 4.6%.
وتمثل عائدات النفط 30% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من إجمالي عائدات الصادرات الجزائرية، و60% من إيرادات الموازنة، وتعتمد الجزائر على عائدات النفط لتمويل خططها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفقاً لبيانات سابقة صادرة عن صندوق النقد الدولي.
وتحاول الحكومة ترشيد الإنفاق الاجتماعي في الوقت نفسه الذي تحاول أن تستبق بعض المواقف النقابية والاجتماعية إزاء سياسات التقشف، وتعهّدت بعدم وقف برامج السكن والتوظيف وعدم المساس بالمكاسب الاجتماعية وسياسة التنمية الاقتصادية، كمجانية العلاج والتعليم، تخوّفاً من ردة فعل اجتماعية، وخصوصاً أن الحكومة عجزت عن إيجاد حل لبعض المشكلات المزمنة في البلاد، كالسكن والبطالة والخروج من اقتصاد التبعية لعائدات النفط، برغم الوفرة المالية التي توفرت لها خلال العقد الماضي.
غير أن الحكومة الجزائرية التي تشعر بالهزيمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تحاول أيضاً استبعاد التأثيرات السياسية للوضع الجديد، حيث توجهت بخطاب استجداء إلى كتلة المعارضة. وقال رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، إنه يتعيّن على المعارضة أن تتبنى خطاباً عقلانياً وتساعد في اجتياز البلاد لمرحلة الأزمة. وطالب سلال قوى المعارضة بالتوقف عن “تسويد” الوضع والتخويف، معتبراً أن ذلك ليس في مصلحة البلد.
ولم تتردد كتلة المعارضة في التعليق على خطاب سلال واتهامه بتخويف الجزائريين، وأعادت طرح استفهامات حول رفض الحكومة والسلطة للتحذيرات التي أطلقتها كوادر وقيادات المعارضة في السنوات الأخيرة، والتي كانت ترد عليها الحكومة بازدراء.
في هذا الصدد، أفاد بيان للهيئة القيادية لحزب إخوان الجزائر، حركة مجتمع السلم، بأن الحكومة تتحمّل مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد، بسبب انفرادها بالقرار، ورفضها الاستماع للمعارضة، وحمّلتها مسؤولية سوء تسيير الحكم والوضع الاقتصادي.
وذكرت حركة النهضة في بيان، أن الحكومة تسعى للتهرّب من مسؤولياتها السياسية أمام إخفاقها، وتحاول في الوقت نفسه التمترس خلف سياسة الغلق والانفراد بالقرار. من جهته، اعتبر تكتل التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي، الذي يضم عدداً من الأحزاب والشخصيات المعارضة بينها رؤساء حكومات سابقين، أن اعتراف السلطة بفشلها في تسيير الشأن العام للدولة والوعود التي أطلقتها في عدة استحقاقات واللجوء إلى الحلول الترقيعية ما هي إلا مناورة لربح الوقت واستغفال للشعب ومزيد من التعقيد للأزمة عوض تحمّل مسؤولية الفشل وإرجاع الأمانة للشعب.
وحذرت المعارضة من تداعيات الوضع الاقتصادي للبلاد ومن انعكاساته الخطيرة بما في ذلك احتمالات العودة إلى المديونية من جديد، بعد أن قامت السلطة بإفلاس الخزينة العمومية في مشاريع وهمية وبرامج لا تخضع للرقابة نتج عنها فساد مالي وإداري.
وحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، صدر أمس الأول، فمن المتوقع أن تسجل الميزانية العامة في الجزائر عجزاً بنسبة 15.1%، في حين أكدت الحكومة على لسان الوزير الأول أن تراجع أسعار النفط إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل سبّب عجزاً بنسبة 14.7 بالمائة في موازنة الدولة. ودعا إلى وجوب تغطيته. فيما توقع الصندوق أن يؤدي انخفاض التحويلات الجارية وارتفاع الإيرادات الضريبية إلى الدفع في اتجاه تصحيح أوضاع المالية العامة في مواجهة انخفاض أسعار النفط.
وتسعى الجزائر إلى زيادة إنتاجها النفطي، كما تعمل على اكتشاف إمكانية استخراج الغاز الصخري. وأظهرت نتائج مسح في الشهر الماضي، نشرته وكالة “رويترز”، أن متوسط إنتاج الجزائر بلغ في شهر يوليو/ تموز الماضي 1.1 مليون برميل يومياً.
وتكافح الجزائر لجذب استثمارات أجنبية في قطاع النفط لتزيد إنتاجها الذي أصابه الجمود لسنوات، ومنحت تراخيص لـ4 مناطق فقط من 31 منطقة طرحتها في جولة عطاءات في سبتمبر/ أيلول 2014. وقالت شركة الطاقة الوطنية الجزائرية (سوناطراك)، إنها ملتزمة بخطة لاستثمار 90 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة رغم هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية.