لم يُطوَ ملف الوصفة الطبية الموحدة لمجرد البدء بتطبيقها ورسم مسارها على ورق وزارة الصحة ونقابتي الأطباء والصيادلة، لا بل فُتح ملفها على مصراعيه بعد مرور نحو شهر على إقرارها، لكثرة الشوائب التي اعترتها، وتراكم الشكاوى والإعتراضات في شأنها.
وزارة الصحة العامة وعلى الرغم من تأكيدها غير مرة ممارستها الرقابة على سير عمل الوصفة الطبية الموحدة، الا انها لم تلمس جدياً حتى اللحظة سوء تطبيقها من قبل الأطباء، والتحايل عليها من قبل مستوردي الأدوية، ما يجعل منها محاولة غير ذي فاعلية للتخفيف عن كاهل المريض.
وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي حذّر بالأمس من محاولات ضرب الوصفة الطبية ومحاربتها من قبل أصحاب المصالح المالية المشبوهة، دعا المواطنين الى عدم دفع أي مبلغ مالي إضافي لأي طبيب مقابل الوصفة الطبية، لكنه لم يعر أي اهتمام لاستغلال الغالبية العظمى من الأطباء للصلاحية التي مُنحوا إياها بموجب قرار الوصفة الموحدة، أي حرية وضع إشارة NS (non substituable) على الوصفات التي يرون أن لا مجال لاستبدال الأدوية التي تتضمنها.
وفي جولة سريعة على ما لا يقل عن 10 صيدليات في مناطق عديدة، تبيّن أن الأطباء بغالبيتهم يضعون رمز NS على وصفاتهم، فيحرمون المريض من حق استبدال الدواء الـBrand بآخر Generic، بالرغم من توفّر أدوية جنيسية لمعظم الأدوية الموصوفة (بحسب صيادلة). وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن وصفة طبية تحمل دواء Nexium 40 المخصص لحماية المعدة ويبلغ ثمنه نحو 50 ألف ليرة، يوضع عليها من قبل الطبيب المعالج الرمز ns في حين أنه من الممكن استبداله بدواء Exonar 40 الذي يحمل التركيبة ذاتها وثمنه نحو 17 ألف ليرة، وهناك الكثير من الأمثلة المشابهة التي تكشف استمرار تواطؤ الأطباء مع شركات الأدوية واستكمال الترويج لأدوية معينة على حساب المرضى.
لا نتجنى على القطاع الطبي عندما نقول إن غالبية الأطباء يتواطؤون على المرضى، إذ وبحسب مصادر نقابة الصيادلة فإن نحو 90 الى 95 في المئة من الوصفات الطبية التي تدخل الصيدليات عليها الرمز NS ما يمنع الصيدلي من استبدال الدواء الـBrand مرتفع التكلفة بآخر Generic منخفض التكلفة.
ومحاولات الإلتفاف على الوصفة الطبية الموحدة ليست محصورة بالأطباء، بل تتعداهم إلى مستوردي الأدوية ومن بعدهم الشركات المصنّعة. فالأخيرة عمدت الى خفض أسعار كثير من الأدوية بنسب كبيرة وصل بعضها إلى نحو 70 في المئة بهدف منع استبدالها بأدوية الجينيريك. إذ وبحسب أصول قرار الإستبدال، على سعر الدواء الـBrand أن يفوق بنحو 30 الى 40 في المئة سعر الدواء الجينيريك، وعلى سبيل المثال: خفض سعر دواء Lamisile المخصص للفطريات من 72 ألف ليرة الى 17 ألف ليرة بهدف منافسة الدواء الجنيريك مثل Apoterbinafine الذي بات سعره يفوق سعر الدواء الـ Brand وهي حالة لم تكن لتحدث قبل إقرار الوصفة الطبية الموحدة. فهل هذه الحالة مطابقة للمواصفات التي وضعتها وزارة الصحة؟ وأين وزير الصحة وائل أبو فاعور من محاربة هذه الوصفة؟
بغض النظر عن أسلوب محاربة الوصفة الطبية، إن لجهة إلتفاف الأطباء عليها واعتمادهم الرمز NS في وصفاتهم أو لجهة ممارسة شركات الأدوية منافسة “غير شريفة” مع الأدوية الجينيريك، أو لجهة توقف المستوردين عن استيراد بعض الأدوية بسبب انخفاض أرباحهم فيها، وبالتالي التسبّب بانقطاعها من السوق اللبنانية (مثل دواء Inderal المخصص لأمراض القلب ومرهم fucidine المخصص للإلتهاب)، تبقى النتيجة واحدة، وهي ان الوصفة الطبية الموحدة لم تُحدث أي تغيير في الفاتورة الدوائية “المنتفخة”، ولم تتمكن بطبيعة الحال من إحداث أي ثقب في جدار مافيا الدواء في لبنان.