Site icon IMLebanon

أخفضوا أصواتكم.. لقد نام الطفل! (رولان خاطر)

syrian-baby

 

رولان خاطر

 

لماذا يا ربّ؟.. لماذا لا تتحقّق القيامة إلا بالصلب؟..

لماذا أردتها جلجلة لنيل الحياة الأبدية؟..

لماذا أعطيتنا لنختار من نكون وكيف نكون وإلى من نكون؟..

لماذا سمحت بظلمٍ وطغيانٍ ووجعٍ ومأساةٍ وجهنمٍ بشرية؟.. لماذا تريد أمهات ثكالى، وآباء مفجوعين، “ذبيحة” على مذبح السماء؟..

لماذا ولماذا ولماذا؟؟..

مشهدُ “بيت لحم” راسخٌ في وجداننا..”صوتٌ سُمِعَ في الرامة، بكاءٌ ونحيب شديد. راحيل تبكي على بنيها، وقد أبت أن تتعزّى لأنهم زالوا عن الوجود..”

كل بلداننا يا ربّ باتت “بيت لحم” أخرى.. سوريا والعراق وفلسطين واليمن.. ولبنان سبقهم إلى هذه “النعمة”..

نسأل عنك يا ربّ… أين أنت من الحروب التي تخاض باسمك..؟ أين أنت من الطغاة العرب، الذين يشرّعوا ظلماً، ويحكموا استبداداً، ويصادروا عروشاً، وينتهكون شرفاً، ويسلبون حياة، ويزنّرون الأوطان تفجيراً، والأطفال قتلاً، والنساء اغتصاباً، والرجال قهراً، والشيوخ حسرة؟..

 

 

ما ذنب الطفولة يا ربّ في لعبة الكبار، وقصص الأمم؟..

أَذنبُهم لأنهم لم يتعلمّوا بعد كيف تُباع الأوطان، وتُنسج صفقات الأنظمة؟…

أذنبُهم لأنهم يعتنقون البراءة ديناً، والطيبة نظاماً، والعفوية حياة؟..

نعم.. ذنبُهم أنّهم صدّقوا أن الكبار وُجدوا لحمايتهم وليس لأذيّتهم.. وُجدوا لاحتضانهم وليس لإهمالهم.. وُجدوا ليموتوا عنهم وليس لقتلهم..

ذنبُهم أنهم لا يميّزون بين بعضهم.. بين طفل مسيحي وآخر مسلم.. بين طفل لبناني أو سوري أو عراقي أو هندي أو بوذي…

ذنبُهم أنهم ما زالوا لا يعرفون كيف يخفون دمعتهم، وكيف يتستّرون على وجعهم، وكيف لا يُظهرون كآبتهم…

وذنبُهم أنهم عشّاق المسيح.. أفليس هو من قال “دعوا الأطفال يأتون إليّ”..

ها هو يا “سيّد”، الطفل السوري “إيلان كردي”، سمع كلامك وصوتَك، فذهب إليك.. لكنه ترك “حرقة” في قلوب العالم والأمم..

مشهدُه مهملاً على شاطئ البحر بكامل ثيابه.. لا يُحتمل..

حجارة تدمر اهتزّت.. هياكل بعلبك ارتعشت.. و”كولوسيوم” الأمم تصدّع..

أطفال إدلب وحلب وجسر الشغور ودرعا وكل مدن سوريا المدمّرة علا بكاؤهم.. حتى من كانوا ضحية “كيميائي النظام” تأثروا..

شعوب فلسطين استذكرت معاناتِها..

اللاجئون في كل الأرض رفعوا صلواتِهم..

صغارُ لبنان وشيوخه ومفكروه وقادته نزفوا دماً على مشهدية عاشوها، اختبروها، وقاوموها.. لكنها حرقت أكبادهم وكبّدتهم مآس وويلات لا تُحصى من قبل “المجرم” نفسه..

 

 

صحيح أن “إيلان كردي” ذهب حاملاً قضية شعب يُقتل من أجل الحرية.. ووطن يدمِّر آخر معاقل الأنظمة الديكتاتورية البالية.. لكن، ألم يكن أحلى يا ربّ، لو مات بين يديك في عشاء، أو في كرم زيتون، أو “تفركش” بثوبك” وهو يسرع في حدائق اللعب، وبين ورود البراءة والطفولة؟..

الطفل السوري مزّق قلوب الكثيرين.. لم تستقر دمعة في عيون.. ولم يبق قهراً في قلوب.. ولم تسكن ثورة في خباياها العتيقة..

العالم ثار عاطفة، ووجداناً، ورأفة، وحزناً، لكنه لم يغيّر واقعاً.. فهو اعتاد على البكاء والحسرة والخوف..لا بل اعتاد على “العبودية”..

قصة موت الطفل السوري، ستبقى محفورة في التاريخ.. قصة أب حاول إنقاذ ابنه الأول فمات، فحاول إنقاذ الثاني فبدأ الزبد يخرج من فمه، وحاول إنقاذ زوجته، فتركته إلى أعماق البحار.

أرجوك يا رب.. أنت القادر والقدير.. لا تسمح بعد الآن ان تموت الطفولة على تيجان الملوك المزيّفة، وعلى وقع الثورات البالية والانتفاضات الدموية..

طَلَبُنا أن تسيِّر أنتَ، شعوب الأرض لتتعظ من العبر، وتحمي أجمل ما خلقت يداك على الأرض..

طَلبُنا.. أن تحمي ما تبقّى من البراءة وتصون ما تبقى من الطفولة.. لأنها الأساس إلى الحياة الأبدية.. وحتى ذلك الوقت، إلى الشعب العربي، وإلى العالم كلّه، أخفضوا أصواتكم، لا بل اصمتوا.. لقد نام الطفل!..