لفتت أوساط ديبلوماسية بارزة في بيروت الى أن ما يدور بكواليس الأروقة السياسية والديبلوماسية في بيروت وعواصم القرار الدولية والإقليمية المؤثرة في الملف اللبناني يدل بأن مشهد الحراك الشعبي المدني الذي انطلق من ساحة الشهداء هو مشهد جديد لمرحلة لم يعد فيها مقبول استمرار الأزمة السياسة الخانقة في لبنان والتي تبدأ من أزمة النفايات مرورا بتعطيل عمل الحكومة وعمل المجلس النيابي ووصولا إلى أزمة الفراغ الرئاسية المتمادية التي لم يعد بالإمكان السكوت عنها من قبل القوى الفاعلة الحريصة على أمن واستقرار لبنان، خصوصا ان الأزمة الرئاسية بعواقبها الوخيمة على مسار انتظام عمل بقية المؤسسات الدستورية باتت تنذر بدخول البلاد في نفق سياسي وأمني خطير بدأت معالمه تظهر بما يجري من تحرك في الشارع الذي انطلق سلميا إلا أنه بدأ يتخذ تدريجيا اسلوب العنف وسيلة لإثبات وجوده على خريطة موازين القوى المحلية التي باتت بعد الحراك الشعبي غير محصورة فقط بفريقي 14 و8 آذار الذين يحملهما بالتكافل والتضامن الحراك الشعبي مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في لبنان.
واكدت الاوساط لصحيفة “الديار” أن القلق الدولي على أمن واستقرار لبنان يتصاعد في ظل التقارير الأمنية والديبلوماسية التي تتخوف من تفلت الأمور وانفجار الأوضاع برمتها، خصوصا أن ما يجري في الشارع يدل على أن شيئاً ما كبير سيحصل يخشى منه أن يسبب بحصول تدهور دراماتيكي للأوضاع باتجاه أخذ الساحة اللبنانية نحو مهالك الفوضى والفتنة، وهذه المخاوف الدولية بشان الوضع اللبناني يمكن تحديد معالمها بوضوح من خلال الرسالة الموحدة التي وجهها مجلس الأمن الدولي في شأن لبنان والتي دعا فيها الى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية “لإنهاء عدم الاستقرار في عمل المؤسسات الدستورية” مؤكداً على أنه “يتابع الوضع في لبنان عن كثب دعماً لوحدة لبنان وسيادته واستقراره واستقلاله للبنان وشعبه”. مضيفة بأن سلة المشاورات والاتصالات التي قام بها بعض الزعماء السياسيين للملمة الأوضاع وضبطها لم تنجح حتى الساعة في تحقيق أي خطوة باتجاه استيعاب الحراك الشعبي الذي بات واضحا بأنه عصيا على قدرة القوى السياسية المحلية على استيعابه ببعض الوعود العابرة أو بعض المبادرات التي تصب في خانة تكريس حالة المراوحة وشراء الوقت بانتظار ما ستحمله الأيام القبلة على خط التسويات الدولية التي انطلقت من بعض العواصم لكنها لا تزال في أول بدايتها بشأن الأزمة السورية، ما يعني بأن هذه التسويات سوف يسبقها ويرافقها احتدام حدة الصراع الإقليمي السعودي – الإيراني على أرض سوريا واليمن وغيرها من الساحات العربية والإقليمية، ومن غير المستبعد أبدا أن يكون تسخين وتسعير الصراع على الساحة اللبنانية يدخل في سياق الكباش الدولي الإقليمي الذي يسبق دخان التسوية للأزمة السورية من خلال “جنيف3” أو غيره.
الأوساط عينها أبدت خشيته من انزلاق الأمور أكثر نحو الفوضى، خصوصا إذا ما فشلت الطبقة السياسية في إيجاد الصيغة الملائمة للحوار من قيادة الحراك الشعبي التي رفضت هيئة الحوار المطروحة كصيغة وحيدة لإيجاد الحلول. وبالتالي فأن الحوار بصيغته المقدمة من الطبقة الحاكمة لن ينجح في الإلتفاف على الحراك الشعبي ومطالبه، ما يعني بكل وضوح بأن هذا الحوار لا يزال غير قادر على تجنيب لبنان الإنفجار الاكبر. مشددة بأنه حتى هذه اللحظة لا تزال الأبواب موصدة من قبل السلطة بوجه الحراك الشبابي المستمر باستنهاض قوته الشعبية وتحفيز وتحشيد الرأي العام تحضيرا للجولة المقبلة من الصراع المفتوح على كل الاحتمالات المتسمة بمخاطر الفوضى الذي يمكن أن يأخذ الساحة اللبنانية الهشة نحو سيناريوهات مشابهة لما يجري في بعض الساحات العربية من قتل وذبح ودمار خلف شعارات تحقيق العدالة الإجتماعية والديموقراطية الحقيقية القائمة على ارساء قواعد المساءلة والمحاسبة التي ترسخ ثقافة وآليات مكافحة الفساد والشفافية والنزاهة في كافة مرافق الدولة ومؤسساتها العامة التي ينخرها اليوم الفساد المستشري بفعل زبائنية القوى السياسية التي تتحكم بسلطة القرار والحكم في ظل النظام السياسي الحالي في لبنان.وتتابع بأنه غض النظر عن خلفية وأبعاد الجهات الداخلية والخارجية التي تدعم الحراك الشعبي والتي لا تزال غامصة ومن المبكر الحكم على نواياها وأهدافها، فإن هذا الحراك الشعبي هو أقوى من قدرة هيئة الحوار على الوقوف في وجه التحركات الشعبية الإحتجاجية ضد الفساد المستشري في البلاد وفي وجه الطبقة السياسية التي عطلت المؤسسات الدستورية بدء من رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة لاسباب مرتبطة حصرا بصراعات تلك القوى وتنافسها على المحاصصة إما من أجل تحقيق المكاسب وإما من اجل أن تكون رأس حربة في خدمة المحور الإقليمي والدولي الذي تنتمي تلك القوى إلى مشروعه في منطقة الشرق الأوسط.
إلى ذلك أكدت مصادر مواكبة بأن كل المعطيات والمؤشرات بما يجري في كواليس الحراك الشعبي المدني تدل وتؤكد بشكل قاطع بأن هذا الحراك مستمر أكثر من أي وقت مضى بتظاهراته واعتصاماته وتصعيده المتنامي سواء عقدت جلسة الحوار أو لم تعقد خصوصا أن هيئة الحوار لا تعنيه كونها لا تمثل القيادة الشابة لهذا الحراك، بل على العكس من ذلك فهي تمثل القوى السياسية الأساسية في النظام السياسي الطائفي البائد الذي يناضل الحراك الشعبي لإسقاطه بكل الوسائل المتاحة بعد أن ثبت هذا النظام فشله عن قيادة البلاد وحماية أهلها من الفقر والفساد والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية على اطلاقها. مضيفة بأن اصرار القيادة الشابة للحراك المدني على تعميم رفع شعار بأن جميع مكونات الطبقة السياسية فاسدة، فهذا الأمر يعني بأنه لا مكان للمهادنة وبأن المعركة مستمرة ولن تتوقف حتى تحقيق الغايات المرجوة التي تبدأ باستقالة وزير البيئة ومحاسبة مطلقي النار والإفراط في استخدام الشدة ضد المتظاهرين وبانتخاب رئيس جديد للجمهورية وبإقرار قانون انتخابي عادل وعصري تجرى على أساسه الانتخابات النيابية، ما يعني بكل صراحة ووضوح بأن تطبيق كل هذه البنود سوف يقود حتما نحو سقوط واندثار الطبقة السياسية المجتمعة على طاولة الحوار التي لن تكون قادرة على التحكم بمجريات الأمور طالما أن الحراك الشبابي قد اتخذ قراره المستقبل باستمرار المعركة باتجاه الحسم ورفض انصاف الحلول.