قبل أسبوع، أعلن محافظ بعلبك ـــ الهرمل بشير خضر عن خطة لنقل النازحين السوريين من منطقة مشاريع القاع إلى “مخيم” في الجهة الغربية من البلدة. الأجهزة الأمنية ترى أن “ضرورات أمنية” تحتم إقامة المخيم، فيما يرفض القاعيون أن تكون بلدتهم مكاناً لإقامة “المخيم الرسمي الأول للنازحين” في لبنان.
“هواجس” و”مخاوف” تعصف بأهالي بلدة القاع الحدودية في البقاع الشمالي بعد إعلان محافظ بعلبك ــــ الهرمل بشير خضر عن نية إقامة مخيم للنازحين السوريين على قطعة أرض قدّمتها بلدية القاع “المنحلّة” (المحافظ هو القائم بأعمال البلدية)، غرب البلدة، بين القاع والهرمل والمشرفة، وعلى مقربة من مستشفى الهرمل الحكومي. “1238 خيمة تضم نحو سبعة آلاف نازح”، موزعة عشوائياً في منطقة مشاريع القاع عند الحدود اللبنانية ــــ السورية، بالقرب من معبر جوسيه، يفترض أن تنقل بحسب خضر إلى “المخيم الخاص بالنازحين حصراً”. ويعزو خضر الخطوة إلى قرب خيم النازحين من الطريق الدولية على طول محلة مشاريع القاع، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا منهم نتيجة حوادث سير وصدم يتعرضون لها، عدا عن صعوبات تعترض عمل الأجهزة الأمنية في تأدية واجباتها في تلك المنطقة، فضلاً عن أن نقلهم الى مخيم يسهّل عمل الجهات المانحة لإيصال المساعدات إلى النازحين فقط.
إعلان خضر عن الخطوة جاء في مكتبه في سرايا بعلبك، في حضور ممثلين عن مخابرات الجيش اللبناني ووزارة الشؤون الاجتماعية واليونيسيف والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وجمعيات تهتم بشؤون النازحين السوريين (جمعية HI، وجمعية NRC وجمعية “بيوند” شركاء وزارة الصحة، وجمعية “العمل ضد الجوع”، و”جمعية العمل التطوعي المدني”، و”جمعية أرض الإنسان”). لكن الغائب الأكبر كان “أبناء القاع”، بحسب ما يؤكد لـ”الأخبار” راعي أبرشية القاع للروم الكاثوليك الأب اليان نصرالله الذي استغرب الإقدام على خطوة بهذا الحجم “من دون أن يكون للقاعيين علم بها إلا عبر الإعلام”.
يتجوّل نصرالله في مستوصف البلدة خلف مبنى كنيسة مار الياس. في باحة المستوصف، عشرات النسوة والأطفال من النازحين يتلقون الخدمات الطبية التي يوفّرها المستوصف لهم منذ أربع سنوات، “فالواجب الإنساني” بحسب نصرالله “يؤديه أهل القاع تجاه النازحين والعمال السوريين على أكمل وجه، رغم الصعوبات الخدماتية التي نواجهها في الكهرباء والمياه والبنى التحتية”. ويسأل: “لماذا الإقدام على مشروع مخيم يثير في القاعيين هواجس ومخاوف، ويعيد الى الذاكرة مخيمات لبنان التي لا تزال الأجهزة الأمنية حتى اليوم غير قادرة على الدخول إليها وجلب مطلوب واحد منها”.
ويكشف عن اجتماع لفاعليات البلدة، في حضور النائب مروان فارس، أجمعوا فيه بوضوح وصراحة على “الرفض المطلق لإنشاء مخيم، لما لذلك من محاذير كثيرة وسلبيات على القاعيين والمنطقة”، مشدداً على أن القاعيين يستندون في رفضهم القاطع للمشروع الى كونه “المخيم الرسمي الأول في لبنان والبقاع، وسيسمح مع الوقت لكل نازح في لبنان بأن ينتقل إلى مخيم القاع، الذي سيتوسع ويتحول إلى مخيم ضخم يقلق القاع وأهلها”. أما إذا كانت للأجهزة الأمنية محاذير معينة، “فلتسع إلى نقل السوريين إلى منطقة أخرى، كما أن المحافظ قد يكون استقى معلوماته من جهة معينة في القاع من دون معظم فاعليات البلدة الرافضين للمشروع”، كاشفاً عن اتصالات أفضت إلى “قرار تجميد العمل بقرار مخيم النازحين”.
فياض رزق، أحد مخاتير القاع، أكد رفض إقامة مخيم للنازحين في البلدة، مشيراً الى أن جيران القاع “الهرمليين والراسيين” (أهل الهرمل ورأس بعلبك) يرفضون ذلك، فيما رأى طوني مطر أن المخيم يشكل “خطراً حقيقياً على وجود القاع”، مستنداً إلى إحصاءات تشير إلى ارتفاع سريع في عدد السوريين في القاع ومشاريعها، وتأثيرهم على القاعيين بخفض نسبة الأراضي الزراعية، حيث بات ابن القاع يفضل تأجير 30 متراً (مكان لخيم) بمبلغ خمسين ألفاً شهرياً، بدلاً من زراعتها.
عضو المجلس البلدي المحامي بشير مطر، مسؤول القوات اللبنانية في القاع، يذكّر بأنه تقدّم عام 2010، وقبل انطلاق الأزمة السورية، بكتاب خطي إلى البلدية طالب فيه بتنظيم وضع السوريين الذين يساهمون في “الفوضى في مشاريع القاع” من حفر آبار عشوائية وتشييد غرف ومنازل ومحال تجارية بغير مسوغ قانوني، و”ضرورة نقلهم إلى مكان آخر بالتنسيق مع الأمن اللبناني والسوري”. ويلفت الى أن منطقة مشاريع القاع الأقرب إلى نقطة جوسيه الحدودية، باتت “تجمعاً غير منضبط وغير ممسوك، ولا يمكن معرفة من يدخله ومن يسكن فيه، وكل الجهات أشارت إلى أن في داخله خلايا نائمة”، موضحاً أن الأجهزة الأمنية وبشكل شبه يومي تداهم خيم السوريين في مشاريع القاع. ويؤكد مطر أن طريقة طرح تسمية المخيم أثارت مخاوف أبناء القاع، وجاءت كنتيجة فعلية “لعدم تنسيق المحافظ مع فاعلياتها”، في حين أن “مطلبنا كقاعيين هو تنظيم أمور السوريين في مشاريع القاع، بهدف التمييز بين من هو نازح حتى تتبناه الجهات والجمعيات المانحة، أو عامل فيسجل لدى الأمن العام فيعمل في المنطقة ولا يستطيع تشييد منازل ومحالّ وينافس القاعيين في أرزاقهم”، مشدداً على “ضرورة توزيعهم على تجمعات صغيرة ومناطق مكشوفة في المنطقة الغربية بدلاً من المنطقة الشرقية المغطاة بأشجار البساتين”.
مسؤول أمني أكد لـ”الأخبار” أن القرار بإنشاء مخيم للسوريين الموجودين في مشاريع القاع “اتخذ ولا تراجع عنه”، وخصوصاً أنه نال الموافقة من قيادة الأجهزة الأمنية، كاشفاً أن ضرورات أمنية تفرض إقامة “مخيمين، لا مخيم واحد”، بالنظر إلى وجود “مخاطر أمنية جسيمة لا بد من مواجهتها بالطرق التي تراها القوى الأمنية مناسبة”.
وتمتد منطقة مشاريع القاع من نقطة الجمارك اللبنانية في بلدة القاع، حتى معبر جوسيه الحدودي، وبطول يتراوح بين سبعة إلى عشرة كيلومترات من البساتين والأراضي الزراعية التي تشكل عائقاً أمام القوى الأمنية في مراقبتها، في وقت تستعد فيه السلطات الأمنية السورية واللبنانية لإعادة افتتاح معبر جوسيه، “وبالتالي لا يمكن ترك الخيم على طرفي الطريق الدولية وما تسببه من مخاطر أمنية عليها”، لتصبح مسألة نقلهم وحصرهم وتنظيم وجودهم في مكان محدد ومكشوف “ضرورة أمنية لا بد منها”. المسؤول الأمني طمأن القاعيين إلى أن المخيم سيفصل بين النازح والعامل، وسيكون تحت رقابة أمنية فعالة وسيخضع لقرار حظر التجول بعد الثامنة مساء.