IMLebanon

إصلاح نموذج الأسواق الناشئة قضية الاقتصاد العالمي

BrazilEconomy1
جيمس كينج وجوناثان ويتلي

انهارت الصادرات، فيما بدأت الطفرة الاستهلاكية المدفوعة بالائتمان تفقد زخمها، وبدورها فإن مستويات الديون اندفعت إلى الأعلى، حيث إن رؤوس الأموال الأجنية أخذت، دأبها، في الهروب، فلا بد للبلدان النامية أن ترسم لنفسها مسارا جديدا حتى تتجنب الوقوع في أزمة مستمرة.

قبل أقل من ست سنوات بقليل، كان الاقتصاد البرازيلي في وضع نشط إلى درجة أن مجلة إيكونومست نشرت صورة على الغلاف يُظهِر فيها تمثال المُخلِّص في ريو دي جانيرو، وهو ينطلق كالصاروخ.

كان البرازيليون يتمتعون بالطفرة، وكانت المحال التي تبيع الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات والغسالات تنتشر في المناطق والأحياء الفقيرة، في حين عثرت شركات الطيران ذات الأسعار الرخيصة على زبائن جدد بين من كانوا من الفقراء في السابق. كان يبدو أن “بلد المستقبل” أخذ يحقق قدره أخيرا.

بيد أن الصاروخ سقط على الأرض الآن. الاقتصاد البرازيلي، الذي سجل نموا بنسبة 7.6 في المائة في 2010، هو في سبيله الآن ليتقلص بنسبة 2 في المائة على الأقل هذا العام.

وفيما كان هناك فائض تجاري في 2010 بقيمة 20 مليار دولار، فإذا به يصبح عجزا بقيمة 40 مليار دولار في الشهور الـ12 المنتهية في تموز (يوليو) الماضي. خلق الوظائف – الذي أنتج مليوني وظيفة في 2010 – تحول إلى إتلاف الوظائف بمعدل 150 ألف وظيفة في الشهر.

وعلى الرغم من أن عددا من مشاكل البرازيل هي من صنع أيديها، إلا أنها أيضا من أعراض مرض أوسع أصاب جميع الأسواق الناشئة، على وجه العموم. لقد انهار نموذج النمو المدفوع بالصادرات.

كما أن الطفرة الاستهلاكية المدفوعة بالائتمان استهلكت نفسها، في حين أن مستويات ديون الشركات والديون السيادية اندفعت إلى الأعلى.

رأس المال الأجنبي، الذي كان يتدفق حتى عهد قريب للغاية، يتدافع الآن للخروج، بل والهروب على عجل، في الوقت الذي تتهاوى فيه عملات الأسواق الناشئة، إلى جانب أسعار السلع الأساسية.

لقد بلغت خطورة نقاط الضعف المذكورة درجة أن عددا متزايدا من الاقتصاديين والمستثمرين، باتوا يعتبرون أن هناك انقلابا أساسيا في حظوظ بلدان الأسواق الناشئة. إن النماذج الاقتصادية الديناميكية التي سمحت للأسواق الناشئة بإعادة العالم إلى النمو في ظل الأزمة المالية للعامين 2008 – 2009 تشهد التفكك الآن – وتهدد بجرجرة العالم نحو ركود أشمل وأعمق.

يقول محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى شركة أليانتز، ورئيس مجلس أوباما للتنمية العالمية: “نماذج النمو تتعرض لتحديات في جميع المجالات، وقد استُهلِكت في بعض البلدان”.

ليس الأمر فقط أن نمو الأسواق الناشئة آخذ بالتباطؤ، بل إن الضعف في الأسواق الناشئة يعرقل اقتصادات الغرب، ويجعل من الأصعب التصدي للتحديات التي تواجهه”.

نيل شيرينج، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة لدى شركة كابيتال إيكونومكس، يعتبر أن هناك مشكلة مماثلة: “نماذج النمو التي كانت مفيدة للغاية للأسواق الناشئة الكبيرة على مدى العقد الماضي، باتت الآن آخذة في التفكك”. وقد أعطى أمثلة على ذلك أسماء بلدان بريكس القوية (البرازيل وروسيا والهند والصين).

ويضيف أن الصين أصبحت تعتمد فوق الحد على الاستثمار والصادرات، في حين أنها أخفقت في إعطاء مساندة كافية للإنفاق الاستهلاكي. مرت البرازيل بنفس التجربة العكسية، حيث إنها أصبحت تعتمد فوق الحد على الإنفاق الاستهلاكي على حساب المدخرات والاستثمار. أما روسيا فهي تعتمد فوق الحد على النفط، في حين أن الروتين والبيرقراطية في الهند يلقيان بثقليهما الكبير على الاستثمار والإنتاجية.

هذه الجوانب السلبية لم تظهر بهذه الصورة الحرجة حين كانت تدفقات رأس المال وافرة. كانت التدفقات الداخلة السخية من الأموال تعوض عن مجموعة من الخطايا في الأسواق الناشئة المثقلة بالديون، على أنه في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بوقف برنامجه للتسهيل الكمي في السنة الماضية، تباطأ النمو في سيولة الدولار.

وما زاد من الاضطراب هو انشغال مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بالتفكير في الوقت المناسب الذي ينبغي فيه رفع أسعار الفائدة.

يقول أتول ليلي، كبير الإداريين الاستثماريين في مجموعة ديلتيك الدولية، وهي شركة لإدارة الأصول: “نموذج الأسواق الناشئة محمول على التدفقات الداخلة من رأس المال، لكن الدورة آخذة في الاستدارة الآن بسبب التباطؤ في نمو سيولة الدولار. هذا الأمر يكاد أن يمثل في حد ذاته أزمة، وستسوء الأمور أكثر من قبل”.

مشكلة في الاقتصاد الفعلي

تعمُّق المرض الذي أصاب الأسواق الناشئة – التي تشكل 38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالمعدلات الاسمية، و52 في المائة حين تُحسَب بمعادِل القوة الشرائية – يأتي في الدرجة الأولى من جوانب النقص في الاقتصاد الفعلي، وليس من متاعب الأسواق المالية.

على سبيل المثال، مسار النمو المتراجع في الصين، التي استنزفت الطلب العالمي على السلع الأساسية، هو نتاج للتحول الصيني الحالي من نموذج نمو مستهلَك، كان يعتمد على الاستثمار في المصانع والعقارات والبنية التحتية.

يقول ديفد لوبين، رئيس قسم الأسواق الناشئة في سيتي: “يقبل صناع السياسة في الصين أن النمو البطيء هو نتيجة ضرورية لجهودهم في إعادة التوازن إلى الاقتصاد، لكن هذا يخلق مشكلة للبلدان النامية الأخرى، التي كانت تستفيد من النمو السريع المدفوع بالاستثمار في الصين. النمو الصيني الآن ليس سريعا ولا مدفوعا بالاستثمار”.

تظهر نتيجة هذه الصدمات الآن على شكل النمو المتراجع. حسب تقديرات وكالة أكسفورد إيكونومكس، وهي مؤسسة استشارية تركز على التوقعات الاقتصادية، فإن النمو في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام في الأسواق الناشئة سيهبط إلى 3.6 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ 2001، باستثناء عام الأزمة في 2009.

وتشير تقديرات “أكسفورد إيكونومكس” كذلك إلى أنه إذا افترضنا أن النمو “الحقيقي” في الصين هو 4 في المائة هذا العام – وليس النسبة الرسمية التي تبلغ 7 في المائة – عندها فإن النمو الإجمالي للأسواق الناشئة لعام 2015 سيهبط إلى 2.7 في المائة، وهو أدنى معدل منذ الأزمة المالية للعامين 1997 – 1998 (باسثتناء 2009). يشار إلى أن وكالة أكسفورد إيكونومكس، هي واحدة من عدة مؤسسات للأبحاث تقدر أن النمو الحالي للصين هو في حدود 4 في المائة.

يقول أدم سليتر، وهو اقتصادي لدى “أكسفورد إيكونومكس”: “هذا التباطؤ يعني أن سندا مهما للنمو العالمي قد قُذِف بعيدا، خصوصا في الوقت الذي تشكل فيه الأسواق الناشئة حصة من الاقتصاد العالمي، أكبر مما كانت عليه قبل 15 عاما”.

يقول سليتر إنه إذا افترضنا أن نسبة النمو في الصين هي 4 في المائة، واستمر الناتج المحلي الإجمالي في بعض الأسواق الناشئة بالهبوط هذا العام، عندها “من الممكن تماما أن الرقم سيصل في نهاية المطاف إلى أدنى من 2 في المائة”.

ويضيف أن وضعاً من تلك الشاكلة، من شأنه أن يشكل مستوى من النمو العالمي يقل عن النمو خلال الفترة 2001 – 2002، حين كانت الولايات المتحدة تمر في ركود متواضع.

كارثة التجارة

واحدة من القوى المُحرّكة الرئيسية وراء الهبوط في سوق الأسهم هي التجارة العالمية. في أعقاب الأزمة المالية، أضافت قوة الأسواق الناشئة أكثر من تسع نقاط مئوية إلى النمو في التجارة.

مع ذلك، أصبحت الأسواق الناشئة، في الربع الأول والثاني من هذا العام، مجرد عامل طرح صاف لنمو التجارة العالمية للمرة الأولى منذ الأزمة، وذلك وفقاً لوكالة أكسفورد إيكونوميكس.

على الأقل جزء من السبب وراء تراجع الأداء التجاري هو الحلقة المُفرغة من السبب والنتيجة. عادةً، تخفيض قيمة العملة في أحد البلدان يُساعد على زيادة صادراتها عن طريق جعلها أرخص، لكن يبدو أن هذه العلاقة قد انهارت هذا العام، وذلك وفقاً لبحث “فايننشال تايمز” الذي قام بمقارنة التغيّرات في قيمة 107 عملات من عملات الأسواق الناشئة، مع أحجام تداولاتها في العام التالي. توصّل التحليل إلى أنه في حين أن تخفيض قيمة العملة الحادّة في معظم عملات الأسواق الناشئة لم تفعل شيئاً لزيادة الصادرات، إلا أنها عملت على تقييد الواردات، لأن تخفيض قيمة العملة يرفع من تكلفة الواردات. كما توصلت دراسة الفايننشال تايمز إلى أن لكل تخفيض لقيمة العملة بنسبة 1 في المائة مقابل الدولار، تنخفض أحجام الواردات بنسبة 0.5 في المائة في المتوسط.

حجم الواردات البرازيلية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية ينخفض بوتيرة تبلغ 13 في المائة بالمعدل السنوي، وذلك وفقاً لتقديرات من “كابيتال إيكونوميكس”، بعد انهيار بنسبة 37 في المائة في قيمة الريال خلال الشهور الـ 12 الماضية.

روسيا وجنوب إفريقيا وفنزويلا أيضاً شهدت تتالي انخفاض الواردات في أعقاب تراجع العملات. هذه الظاهرة جردت حكومات الأسواق الناشئة من القدرة على الخروج من المأزق، الأمر الذي يترك البلدان المُصدّرة للسلع الأساسية، بشكل خاص، تحت رحمة رياح العملة الدافعة وهبوط إيرادات التصدير.

يقول مايكل باور، خبير الاستراتيجية في شركة إنفيستيك: “البيئة الحالية هي بمثابة عاصفة مثالية للبلدان المُصدّرة للسلع الأساسية، حيث توجد البلدان التي تعاني عجز الحساب الجاري في الغالب في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وإندونيسيا.

يُمكن أن يزداد الأمر سوءاً قبل أن يتحسّن. لذلك هناك حاجة لتخفيضات ضخمة في القدرة الإنتاجية للسلع الأساسية، قبل استعادة مستوى ما من التوازن”.

الفرق بين تلك البلدان التي تعتمد على التصنيع وتلك التي تعتمد على تصدير السلع الأساسية، يُمكن رؤيته في متوسط العائد على حقوق الملكية من قِبل شركات مُدرجة في مؤشر مورجان ستانلي المُركّب للأسواق الناشئة.

العائد على حقوق الملكية يقيس مقدار الربح الذي تُحقّقه أي شركة كنسبة من حقوق المساهمين. بشكل عام، انخفض العائد على حقوق الملكية للشركات المدرجة في مؤشر مورجان ستانلي المركّب للأسواق الناشئة، من 18.36 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2008 إلى نحو 11 في المائة الآن، وذلك وفقاً لبحث أجرته شركة إيكسترات الاستشارية لتوزيع الأصول.

في البلدان المُصدّرة للسلع الأساسية، يبدو الانخفاض أكثر وضوحاً بكثير. بالنسبة للشركات البرازيلية، انخفض العائد على حقوق المُلكية إلى 4.2 في المائة من 21.9 في المائة في أواخر عام 2008، وبالنسبة للشركات في بيرو، فقد انخفض إلى 12.3 في المائة من 31 في المائة، وبالنسبة للشركات الروسية انخفض إلى 7.1 في المائة من 23.2 في المائة.

بالمقارنة، نجد أن العائد على حقوق الملكية في كل من تايوان وسريلانكا، اللتين تميلان نحو التصنيع، قد ارتفع منذ أواخر 2008، في حين أنه اعتدل بنسبة يسيرة فحسب، في كوريا الجنوبية.

نقاط الضعف التي من هذا القبيل تقوم على سلسلة من رأس المال الذي يتدفّق من الأسواق الناشئة مع تراجع قيمة العملات مقابل الدولار، وتوقّع التشديد في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، المتوقّع أن يجعل الاستثمارات المقوّمة بالدولار جذابة مقارنة بتلك التي في الأسواق الناشئة.

وصل صافي تدفّقات رأس المال الخارجة من اقتصادات الأسواق الناشئة الـ 19 الأكبر إلى 940 مليار دولار في الشهور الـ 13 المنتهية في نهاية تموز (يوليو) الماضي، أي ضعف صافي التدفّقات البالغة 480 مليار دولار التي خرجت على مدى ثلاثة أرباع خلال الأزمة المالية للعامين 2008 – 2009، وذلك وفقاً لبنك الاستثمار إن إن إنفستمينت بارتنرز.

تشير تقديرات بعض المحللين، الذين يحسبون التقلبات في أسعار الصرف، إلى أن التدفقات الرأسمالية الخارجة هي أقل كثيرا من مبلغ 940 مليار دولار، لكن الصورة تتعرض للتعتيم بسبب الافتقار إلى الوضوح في بيانات البلدان حول بنية احتياطيات الصرف الأجنبي.

مع ذلك، يقول مارتن يان باكوم، كبير استراتيجيي الأسواق الناشئة في إن إن إنفستمينت بارتنرز، إن “هذه التدفقات الخارجة أمامها مسافة طويلة لتقطعها”.

هناك عامل محرك بموجبه تعمل التدفقات الخارجة من رأس المال والصادرات المتراجعة على خلق ضغط نازل على العملات، التي تنخفض قيمتها أمام الدولار بعد ذلك، الأمر الذي يزيد من تكلفة خدمة الديون بالعملات الأجنبية بالنسبة لشركات الأسواق الناشئة. ويقول: “الأمر السيئ التالي الذي سيحدث هو حالات الإعسار على سندات الشركات في الأسواق الناشئة”.