كيفما أدرت وجهك في بيروت، تكون تحت رقابة عدادات الوقوف، او ما يُعرف بالـ”بارك ميتر” الذي يُجبرك على دفع المال مقابل الوقوف على جانبي الشارع. وبهذه الحالة، فإن المواطن يدفع ضريبة وقوف في الملك العام، أي يدفع بدل وقوف “في ملكه”.
في العام 2006 وافقت بلدية بيروت على وضع نظام العدادات، ضمن مشروع سمّي “مشروع تطوير النقل الحضري”، وفي العام التالي بدأ التشغيل بناءً على اتفاقية بين البلدية وهيئة ادارة السير والآليات والمركبات. اما تمويل المشروع، فجاء عن طريق البنك الدولي، “الذي يشرف على سير المشروع ومطابقته للشروط التي مُنح التمويل على اساسها”. اما الاموال المحصّلة من خلال العدادات، فتأخذها “هيئة إدارة السير”. وفق ما يشير إليه “أحد مدراء المشروع” شفيق سنّو، لـ “المدن”. غير ان المعلومات المنشورة على الموقع الالكتروني للمشروع، تذكر بأن العدادات “هي ملك لبلدية بيروت”، وان الاموال المجباة “تعود للبلدية دون سواها”، وهي التي تحدد – مع ادارة السير – بدلات الوقوف الإضافية والعلاوات عليها وتسعيرة الوقوف وضبطها وتحديد ساعاتها. ومن جهة أخرى، وافقت وزارة المال على عقد التشغيل، وانتدبت “مدقق حسابات خاصاً لهذه الغاية”.
المشروع يدار اليوم بواسطة شركة “المجموعة المندمجة” Duncan-Nead، التي رست عليها مناقصة التلزيم. والمجموعة تحصل على حوالي 85% من العائدات، في حين تحصل البلدية على حوالي 15%، ما يعني ان مبررات المصلحة العامة في هذا المشروع انتفت، بل على العكس، فإنه يستغل الاملاك العامة لتحقيق مصلحة خاصة، على غرار الاملاك العامة النهرية والبحرية. وعليه، فإن المواطن اللبناني يدفع كلفة تذهب الى جهات خاصة، في حين انه يستعمل مكاناً عاماً.
المواطن اللبناني إعتاد رؤية العدادات، والامتثال لدفع الضريبة الخاصة وليس العامة، وربما الاعتياد يرجع الى الكلفة المنخفضة للوقوف قياساً للغلاء المعيشي. فبدل الوقوف لمدة ربع ساعة، هو 250 ليرة لبنانية، وهي مدة تكفي للتوقف بهدف شراء غرض ما، واكمال المسير. وحتى مبلغ 500 أو 1000 ليرة، ما يزال “محمولاً” خصوصاً في الاسواق التجارية. لكن المشكلة تتفاقم اذا ما تطور الوضع وصولاً الى فرض بدل وقوف في الاماكن السكنية، حيث يوقف المواطن سيارته لساعات وأيام، وربما أشهر. وتشير مصادر “المدن” الى ان “هناك اتجاهاً في بلدية بيروت الى تركيب عدادات وقوف في غير منطقة من بيروت، مصنفة كأماكن سكنية، ومنها منطقة الملعب البلدي في طريق الجديدة”، وهي منطقة سكنية بإمتياز، يركن سكانها سياراتهم لفترات طويلة، ما يدرّ أموالاً إضافية للشركة المشغلة وللبلدية بنسبة أقل. والاتجاه هذا، ما يزال فكرة لم ترتقِ بعد الى مرتبة التنفيذ، لكنها تؤشّر الى مشروع استغلال أكبر للمصلحة العامة، وللمواطن الذي يجب على البلدية أن تؤمن له مواقف عامة.
اعتياد وجود العدادات جعلها “غير مرئية”، الا ان تفاقم الأزمات المعيشية وانطلاق الحراك الشعبي ضدها، اعاد فتح كل الملفات التي تمس حقوق المواطنين. لكن الشعرة التي قسمت ظهر البعير، هي قرار وضع عدادات وقوف على الرصيف البحري لمنطقة عين المريسة، التي تُعتبر المتنفس الأخير لأبناء بيروت، بعد وضع يد آل الحريري وشركائهم على منطقة الرملة البيضاء والدالية. العدادات لم تصمد لأكثر من يومين، حيث توجّه شباب الحراك الشعبي لإنتزاعها ومنع دخولها حيز التنفيذ.
وإذا كان الوقوف في سوق تجارية قد لا يتعدى الساعة او الساعتين، ويتحملهما المواطن، الا ان ارتياد رصيف عين المريسة قد يطول لأكثر من 10 او 12 ساعة يومياً، اي ان من اعتاد الخروج الى هناك يومياً، عليه ان يدفع ما قد يفوق راتبه الشهري. وبحسابات بسيطة، اذا كان بدل الوقوف لساعة هو 1000 ليرة، ومدة التنزّه على الرصيف 5 ساعات، فصاحب السيارة سيدفع 5000 ليرة، ومن اعتاد التنزه يومياً، عليه ان يدفع حوالي 150 ألف ليرة شهرياً. ما يعني ان هناك عملية تصفية لأبسط حقوق المواطنين.
الـ”بارك ميتر” في عين المريسة سُحب من التداول، بقرار من محافظ بيروت زياد شبيب، اذعاناً للضغط الشعبي، وقد اصدر شبيب كتاباً الى الشركة أمِلَ منها “التوقف عن تركيب العدادات” اما العدادات التي رُكّبت، فأمل المحافظ “عدم تشغيلها لحين ابلاغكم بالقرار المناسب”. وبرغم وقف عمل العدادات لحين صدور “القرار المناسب”، الا ان سؤال المواطن للمحافظ عن جدوى تركيب العدادات في هذا المكان بالتحديد، يبقى مشروعاً. فهل ضاقت باقي الشوارع بالعدادات؟ الا يحق لأبناء بيروت التمتع مجاناً بآخر فسحة أمل لديهم؟ الاجابات تنتظر مكتب المحافظ، الذي وعد بالرّد، الذي لم يأت حتى اللحظة، وربما ينتظر “القرار المناسب” من مكان ما، ليُبنى على الشيء مقتضاه.