Site icon IMLebanon

لاجئو سورية .. حلم الهجرة يتحول إلى كابوس في المجر

Migrants-Syria-Budapest-Hungary
إريكا سولومون من بودابست

في الأوقات العادية، فإن الأزواج مثل منال المهندسة وزوجها إبراهيم المحامي، بإمكانهما شراء رحلة طيران لمدة ساعتين من إسطنبول إلى بودابست مقابل أقل من 200 يورو. بدلاً من ذلك، اضطر المهنيان السوريان الشابان إلى دفع ثلاثة آلاف يورو للمهرّبين، مقابل رحلة لمدة شهر على الأقدام والبحر.

على عكس السيّاح الذين يواجهون صعوبات خارج محطة القطارات كيليتي في بودابست في طريقهم لرؤية القلاع والمتاحف، جلست العائلة ضمن نحو ألفي مهاجر، يستلقون وهم في حالة ذهول على بطانيات مُمزقة تحت سلالم المحطة بدرجة حرارة تبلغ 40 درجة مئوية.

لم تكُن الحرب، أو عدم وجود الكهرباء والماء أو حتى فقدان وظائفهما ما دفع منال وإبراهيم إلى القيام بهذه الرحلة الخطرة مع طفليهما، الذين تُغطّيهم الآن الخدوش من السير عبر الغابات في الليل.

يقول الزوجان اللذان يحتشدان في هذه المحطة مثل كثيرين، وهما مهنيّان وليسا من العمّال غير المتعلّمين “إن الإرهابيين من “داعش” هذا بدأوا يأخذون الأطفال إلى قواعد خاصة ويقومون بتعليمهم أسوأ الأشياء التي يُمكن أن تتصوّرها – حتى قطع الرؤوس. أنا لن أسمح لأطفالي أن يُصبحوا فريسة التلقين”.

الزوجان، اللذان رفضا إعطاء اسمهما الكامل، هما من محافظة دير الزور شرق سورية، التي تُسيّطر عليها “داعش”. لقد فقدا وظيفتيهما، لذلك قاما باللجوء إلى الجذور الزراعية في منطقتهما.

منال، التي ترتدي ثوبا كالح اللون بسبب الشمس، تقول “إن الجلد القاسي على وجهها وكفّيها ليس من الرحلة التي جعلتها تعبر البحر الأبيض المتوسط من تركيا في زورق، ومن ثم السير من اليونان إلى المجر. لقد كان من رعاية الحقول وقطعان الماشية، وهو شيء لم تفعله أبداً في حياتها قبل العام الماضي”.

أكثر من نصف سكان سورية البالغ عددهم 22 مليونا نزحوا بسبب الصراع الذي بدأ كاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد، لكنه تحوّل إلى حرب معقدة ومتعددة الجوانب التي منذ ذلك الحين أدت إلى استيلاء الجهاديين على أجزاء كبيرة من بلادهم.

معظم الناس هناك لا يستطيعون تحمّل تكلفة الهرب على الإطلاق أو أنه تم منع خروجهم من قِبل دول مجاورة. هناك آخرون بالملايين في الأردن ولبنان وتركيا، بالكاد يكسبون عيشهم. حقيقة إن منال وإبراهيم كانا قدرين على استدانة المال وقطع هذه المسافة – قالا “إنهما دفعا 250 يورو أخرى للحصول على سائق لأخذهم من الحدود المجرية إلى هذه المحطة” – تُظهر أنهما من بين اللاجئين النخبة.

أولئك الذين تمكّنوا من الوصول إلى محطة كيليتي رأوا بشكل مفاجئ أن حظهم ينفد، عندما منعتهم المجر من ركوب القطارات للتوجّه غرباً. معظم الذين علقوا في المحطة، إلى حد كبير من السوريين مع عدد قليل من الأفغان والسودانيين والعراقيين، كانوا يأملون في الوصول إلى ألمانيا أو السويد.

الآن هم يحتشدون تحت سلالم مُظلّلة خارج المحطة، يتقاسمون اثنين من الحمامات العامة ونافورة ماء. وفي الوقت الذي يلعب فيه الأطفال، تستدير النساء ذوات الشعر الأشيب لاحتضان الأبناء الكبار، وبعضهم يبكي من الإحباط.

تقول المجر “إنها تطبق القانون الأوروبي، بأن طالبي اللجوء يجب أن يتم تسجيلهم في البلاد التي يصلون إليها أولاً”. وهي تلوم ألمانيا، التي قالت الأسبوع الماضي “إنها لن تقوم بإعادة أي لاجئ سوري”، على تشجيع مزيد من الهجرة.

على أن منال وإبراهيم، مثل معظم الذين علقوا في محطة كيليتي، رسموا خططهم تماماً قبل القيام بأي من هذه التصريحات.

معظمهم قام بالفعل بشراء التذاكر والآن يشعرون بالحيرة حول ما يجب القيام به، وإلى أين سيذهبون. ينادي الناس على بعضهم البعض طلباً للمشورة بشأن تجربة بلدان أخرى، وأين قد يعثرون على مُهرّبين، أو لمجرد الحصول على المعلومات بشأن ما يحدث. ليس هناك من هو متأكد تماماً من مستنقع السياسة الأوروبية الذي وقعوا فيه.

الأغلبية السورية من اللاجئين في محطة كيليتي يستغلّون خبرتهم المُكتسبة في الانتفاضة التي تركوها وراءهم: مواجهة جدار من الحرّاس يمنعونهم من دخول محطة القطار الشاهقة التي خلفهم، وحشود من الشباب يرتجلون من نموذج الاحتجاجات الذي استخدموه فيما مضى للمطالبة بذهاب الأسد.

في الصدارة، هناك شاب محمول على أكتاف الآخرين لقيادة الحشد في الهتاف. والحشود تردّد باللغة العربية “عار عليك، عار عليك”.

يقول أحمد، وهو شاب من حلب “نحن السوريبن حصلنا على كثير من التدريب في هذا المجال”. ويُضيف مازحاً “بإمكاننا أيضاً التعامل مع الضربات الجوية أيضاً، إذا وصل الأمر إلى ذلك”.

بعد أخذ استراحة لغناء بعض الأغاني، عادت الحشود إلى جدار قوات الأمن والمُتفرّجين، مُردّدين شعارا باللغة الإنجليزية يعرفون أنهم سيفهمونه “نحن بشر. نحن بشر”.

في مكان قريب، هناك منال وإبراهيم غير متأكدين ماذا سيفعلان بعد ذلك. وهما يشعران بالحرج من الذهاب إلى المتاجر القريبة لطلب شحن هواتفهم واستخدام الإنترنت، حيث لم يتّصلوا بأقاربهم في سورية، وبالتالي فهما يوازنان خيار تهريبهما إلى ألمانيا في شاحنة، على الرغم من الوفاة الشنيعة لأكثر من 70 مواطنا سوريا في شاحنة مُبرّدة في النمسا الأسبوع الماضي. صباح يوم الثلاثاء، يقول الزوجان “إن أحد المارّة بصق على إحدى النساء المُستلقيات”. هذا جعلهم يشعرون أن هناك ذرّة أخرى من الكرامة قد ذهبت. يقول إبراهيم “عرفنا أننا قد نقوم بالتخلّي عن مستقبلنا من أجل أطفالنا، لكننا تعرضنا لإهانات كبيرة. ليس الأمر أننا نطلب منهم المال. نحن فقط نريد أن تتم معاملتنا بطريقة إنسانية. نحن نُريد منهم فقط السماح لنا بالمتابعة”.