كتبت ثريا شاهين في صحيفة “المستقبل”:
تخشى أوساط سياسية بارزة، من عملية خطرة وتصعيدية في موضوع التظاهر بالشكل الذي يحصل فيه، الأمر الذي قد يؤدي، إذا استمر، إلى خراب في حال لم تتخذ إجراءات سريعة وفورية تبدأ فعلياً بمعالجة مسألة النفايات المتراكمة بالأمتار قرب البيوت.
والخشية الكبرى تتمثل في عدم قدرة إعادة تفعيل العمل الحكومي في حال أصرّ الفريق الذي يعطّل على الاستمرار في التعطيل، لا سيما وأن التقرير الذي ستضعه اللجنة الوزارية المكلفة معالجة ملف النفايات برئاسة الوزير أكرم شهيب يحتاج إلى موافقة في مجلس الوزراء كحل أفضل. الوزير شهيب عقد طوال الأيام القليلة الماضية اجتماعات مكثفة ومطوّلة مع خبراء وغيرهم من الذين يمكنهم المساعدة في الملف. المهم الآن إيجاد حل فوري للنفايات لإزالتها من أمام منازل الناس، الأمر الذي يخفف من نقمة الشارع تمهيداً للتوصل إلى معالجة كل القضايا المطلبية الواقعية والمتوازنة.
والدعوة إلى الحوار الوطني مهمة جداً، خصوصاً وأن «تيار المستقبل» وكل أفرقاء قوى 14 آذار يدركون أهمية الحل لكل المسائل عبر الحوار، وهم مقتنعون أن لا شيء يُحلّ إلا بالحوار.
ولكي يتم وضع حد للوضع الراهن، يجب أولاً انتخاب رئيس للجمهورية، على أن تتشكل حكومة جديدة تكون مرحلية إلى حين إجراء انتخابات نيابية. هذه الخطوات تريح البلد حيث أن وجود رئيس الجمهورية عامل أساسي في الاستقرار الداخلي.
وما تلاحظه هذه المصادر، أن القرار قد تفلّت من أيدي منظمي التظاهرات، حتى لو أن هناك أموراً محقّة مثل النفايات، لكن ما هو ضروري أن المجتمع المدني لم يفصل بين مسؤول وغير مسؤول، وهو يضع الجميع في سلّة واحدة. كما لاحظت أن كل ذلك يحصل بالتوازي مع حملة مركّزة من فريق 8 آذار على الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
العديد من الوزراء طالبوا منذ شباط الماضي بضرورة وجود حل للنفايات قبل إقفال مطمر الناعمة. يجب أن تكون هناك فترة انتقالية للشركات لكي تستطيع أن تأتي وتعمل وكل ذلك يتطلّب وقتاً. والسؤال الأساسي «لماذا كان هناك دائماً رفض لبحث الموضوع في مجلس الوزراء، مع أن العديد من الوزراء كانوا يقولون باستمرار إن لبنان سيصل إلى كارثة؟»، والجواب من الفريق الآخر أن الأمر لم يندرج على جدول الأعمال وسنرى لاحقاً. كما أن أي خطة يمكن أن تنجز، يجب أن تنقسم إلى اثنتين: خطة «أ» وخطة «ب». الخطة «أ» للمناقصات، والخطة «ب»، إذا لم تنجح ما العمل؟. لم يناقش الموضوع على جدول الأعمال، وكان الفريق الآخر يطلب البحث بالتعيينات وصلاحيات الحكومة والوزراء وإدارة مجلس الوزراء.
لا يمكن لأحد أن يقول إنه لم يعرف أن النفايات ستصبح بعلو 20 متراً قرب المنازل. وزير البيئة محمد المشنوق هو مسؤول عن البيئة قانونياً، إلا أن الملف تم تسييسه. لكن الناس ليس من مهمتها أن تعرف ذلك. وفي الوقت نفسه يجب على المتظاهرين أن ينتظروا خطة شهيب. وعلى مجلس الوزراء الانعقاد لإقرار الخطة. النوايا ستتضح حول ما إذا كان كل الأفرقاء سيحضرون ويناقشون تقرير شهيب حول خطة حل النفايات.
السؤال الثاني «لماذا لا يتم التعاون بين كل المناطق في ما خص معالجة مسألة النفايات إلى حين إيجاد الحل النهائي؟». لو أن في بيروت مكباً أو مطمراً لكانت بيروت وضواحيها كلها عالجت الموضوع. لماذا لا يتعاون أحد؟ يوجد كسارات مدروسة بيئياً وتتسع لأطنان من النفايات. يجب وضع خطة لتخفيف نقمة الناس التي لديها مطالب محقة في هذا المجال. إنما أن تصل القصة إلى اقتحام لأي وزارة، فهذا إلى أين يؤدي؟ وهل وزير البيئة وحده مسؤول عن الوضع؟ لماذا لا تتعاون القوى السياسية التي تمون على المناطق والبلديات من أجل علاج الأمر، إلا إذا كان المطلوب أن يحصل الآن ما يحصل في بيروت؟ وهل لم يعد هناك من شيء اسمه مواطنية؟
وتشير المصادر إلى أن هناك اختباراً للنوايا في العودة إلى التئام شملّ الحكومة والتعاون في ملف النفايات. واختبار النوايا هذا ينسحب على الحوار الوطني بحيث أن الفريق الآخر الذي لطالما اعتمد سياسة التعطيل مدعو الآن إلى التعاون لانتخاب رئيس للجمهورية ولبننة هذا الاستحقاق. رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقبل الدعوة إلى الحوار، قام باتصالات خارجية كانت كلها مشجعة على الحوار. في كل الأحوال، الحوار مفيد لأنه يوفّر حداً معقولاً من التوافق الداخلي ما ينعكس إيجاباً على الاستقرار، وعدم السماح بانزلاق الوضع اللبناني إلى مخاطر لا يعرف كيف تنتهي. والحوار مهم يجعل لبنان جاهزاً بصورة إيجابية لالتقاط أي فرص خارجية لتسويات في ملفات المنطقة بحيث لا تحصل على حسابه. كما أن الحوار يمكن أن يوصل إلى تحرك رسمي لبناني دولي لفصل ملفه عن حلّ أزمات المنطقة.