Site icon IMLebanon

دور الهيئات الرقابية العربية في امتثال المصارف للقواعد الدولية

GulfBank
عدنان أحمد يوسف
في المؤتمر الذي نظمه اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي في بيروت حول التحديات الرقابية والتنظيمية في المصارف، استمعنا إلى وجهة نظر المسؤولين في مجلس الاحتياط الفيديرالي حول أخطار عدم امتثال المصارف إلى القواعد المصرفية الدولية الجديدة والغرامات التي وقعت على العديد من المصارف العالمية، وباتت هذه الغرامات تتحول إلى شبه ظاهرة، أفرزت كثيراً من التداعيات السلبية خصوصاً مع قطع المصارف العالمية علاقات المراسلة مع العديد من المصارف بسبب ارتفاع تكلفة رقابة هذه العلاقات وتدقيقها لضمان امتثالها التام مع العقوبات العالمية، الأمر الذي بات يهدد كثيراً من المصارف العربية خصوصاً الصغيرة والمتوسطة نتيجة فقدانها خدمات مصارف المراسلة العالمية.
ورغم إنني تطرقت إلى هذا الموضوع في أكثر من مقالة سابقة، وجدت ما نوقش في المؤتمر من أوراق عمل مفيداً إذ تضمن العديد من الأفكار المهمة التي يجب الحوار حولها، ومن بينها الورقة التي تقدم بها رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه والورقة التي قدمها الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح.
اتفقت هذه الأوراق على ان البيئة المصرفية العالمية باتت أكثر تعقيداً خصوصاً بعد التركيز على تنفيذ «بازل 3» والامتثال لقواعد مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب مع فرض الجهات الرقابية العالمية غرامات باهظة على المصارف المخالفة مثل «اتش اس بي سي» و»ستاندرد تشارترد» و»بي ان بي أي» وغيرها من المصارف.
لكن هذه الغرامات في الجانب الأخر أوجدت ردود فعل قوية لدى المصارف حول العالم. وأُعلِن عن إغلاق أكثر من 17 مصرفاً عالمياً الآلاف من حسابات المصارف المراسلة التي تعتبر عالية الأخطار وهي ترى ان الصعوبات والتكاليف المرتبطة بالتدقيق على حسابات المراسلة تفوق بكثير الأرباح الصغيرة التي يمكن ان تتولد منها. وكان المتضرر الرئيس من عمليات الإغلاق هذه المصارف الصغيرة والمتوسطة والتحويلات المالية والشمول المالي، ما يعني ان عقوبات الجرائم المالية أبرزت تضارباً مع أهداف أخرى تتعلق بالنمو والاستدامة وأيجاد فرص العمل، وتسهيل التجارة والاستثمار، وتعزيز المنافسة.
لذلك قد تصبح العلاقات المصرفية الدولية للمصارف العربية من بين ضحايا تقليل الأخطار التي تتبعها المصارف العالمية من خلال قطع علاقات المراسلة، على رغم ان المصارف العربية تحرص كل الحرص على تطبيق جميع التشريعات الدولية، مثل توصيات «بازل» وتوصيات مجموعة العمل المالي ومكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب وقرارات تمويل أسلحة الدمار الشامل، وحتى قانون الضريبة على الحسابات الخارجية الأميركي. وهذا التشدد من قبل المصارف العربية في الامتثال لهذه التشريعات ناجم عن وعيها وقناعتها بها وإدراكها لخطورتها على أعمالها داخل بلدانها وخارجها.
ما يدفع إلى هذا القول هو ان تقليص علاقات المراسلة من قبل المصارف العالمية مع المصارف في الأسواق الناشئة لا يستند في كثير من الأحيان إلى أدلة على سوء سلوك من هذه المصارف، لكن ببساطة لتكاليف التدقيق الباهظة على المصارف المراسلة التي هي أكبر من الإيرادات التي يمكن تحقيقها من هذه العلاقات، فمصرف «جاي بي مورغان تشيس»، مثلاً، قطع علاقته مع عدد كبير من المصارف المراسلة في كل أنحاء العالم على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك بعض المصارف العربية، نتيجة ضغوط الجهات الرقابية للتحقق من استخدام المعاملات التجارية المشروعة.
وباتت التحويلات المالية من قبل اليد العاملة العربية في بلدان العالم والأسواق الناشئة في مرمى تداعيات الامتثال للتشريعات الدولية على رغم المعرفة على المستوى العالمي بالأهمية الكبيرة والحاسمة التي تمثلها هذه التحويلات في معيشة الملايين من العائلات في البلدان العربية مثل مصر واليمن وتونس ولبنان والمغرب والجزائر والسودان والصومال. وهذا البلد الأخير يواجه مشكلة خطيرة خصوصاً في ما يتعلق بقدرة المهاجرين على إرسال المال الى عائلاتهم في الوطن بعد قرار العديد من المصارف، بما في ذلك «بنك باركليز»، إنهاء خدمات تحويل الأموال إلى الصومال. وهناك قرار مماثل اتخذه العديد من المصارف الاسترالية التي انهت علاقاتها مع شركات التحويلات المالية مع ملاحظة ان عدداً كبيراً من المهاجرين العرب يعيش في أستراليا.
ضرر أخر نتيجة تخفيض أخطار المراسلة من قبل المصارف العالمية هو الشمول المالي. فعند قيام المصارف العالمية بقطع علاقات المراسلة فذلك يعني حرمان فئات كبيرة من الزبائن ورجال الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تملك مشروعية كاملة للحصول على الخدمات المصرفية العالمية. وهذا من شأنه إجبار هذه الفئات على البحث عن بدائل تكون أكثر تكلفة مالية لتلبية احتياجاتها المصرفية، بينما قد يتحول بعضها للتعامل في السوق السوداء للحفاظ على أعماله.
وتأتي هذه التطورات وسط جهود كبيرة تبذلها المصارف العربية من أجل التوسع في تمويلها لبرامج التنمية والشمول المالي وتكييف برامج تمويلية خاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل إبجاد مزيد من فرص العمل، خصوصاً ان معدلات البطالة في المنطقة العربية هي أعلى في كل أنحاء العالم. هذا علماً بأن المصارف العربية تؤدي دوراً حاسماً في برامج التنمية حيث يبلغ إجمالي قروض القطاع المصرفي العربي حوالي 1.7 تريليون دولار أي ما يعادل 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية.
ووسط هذه التداعيات فالمصارف المركزية والجهات الرقابية العربية مدعوة للعمل بصورة مشتركة مع المصارف العربية على مواجهة هذه التحديات، خصوصاً عن طريق دعم إجراءات الامتثال لدى المصارف العربية التي تشرف عليها ومساعدتها في الحصول على الخبرات الفنية والأنظمة التقنية التي تساعدها على تحقيق الامتثال بالصورة المطلوبة، وفي الوقت نفسه دعم الجهود الهادفة إلى إيجاد بدائل ممكن ان تؤدي وظيفة المراسلة بدلاً من الاعتماد كلياً على المصارف العالمية.