كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”: من روائح الفساد الذي كرّسه “حزب الله” في البلد، انه استأثر بقرار الحرب والسلم وأنشأ حشوداً شعبية لمواجهة الشعب السوري، ومذهبية تحت مسمى “سرايا المقاومة” لمواجهة أبناء وطنه، ورغم ذلك يُصرّ على اعتماد آلية عمل جديدة ترتكز على إطلالات دورية لقيادييه تدعو إلى محاربة الفساد، وكأنه يبحث عن مخرج لمآزقه وحلول لأزمات كانت بدأت بمحاصرته منذ أن نشر الفساد بين بيئته تحت ظاهرة “المال النظيف” الذي تحوّل بدوره إلى قصور وشركات ومنتجعات سياحية تستكمل مشاريعها اليوم في محيط منطقة “السيدة زينب” في دمشق.
منظومة كاملة من الفساد طبعت مسيرة “حزب الله” منذ نشأته ولغاية اليوم، واحاطت به من كافة جوانبه الأمنية والعسكرية والسياسية حتى تصدرت كوادره وعناصره لائحة الأرقام القياسية في عدد مذكرات التوقيف الصادرة عن أعلى جهات قضائية تنوعت بين دول أوروبية وأخرى عربية وسط أسئلة عن مصير حزب بدأ عمله كمقاومة قبل أن ينتهي على أبواب العدالة الدولية.
بدأت منظومة الفساد في “حزب الله” هذه تظهر إلى العلن وبشكل فاضح، مع ظهور شخصية صلاح عز الدين المقرب من الحزب إلى الإعلام بعد إحتياله على الناس وتحديدا أولئك الذين يُعتبرون الركيزة الأساسية لـ”المقاومة” وإيهامهم بأرباح طائلة من جرّاء تشغيله للأموال بطرق “شرعية” وقد وقع ضحيته يومها أكثر من مئتي عائلة “شيعية” خصوصاً أن معظم تحركات الرجل على الأرض كانت تتم بالتنسيق مع جهاز أمن الحزب الذي كان يوفر له الحماية الشخصية قبل أن يعود وينفض يده منه بعد توقيفه وزجه في السجن، خوفاً من نقمة الناس.
عرف الفساد طريقه إلى “حزب الله” بعد عزالدين عن طريق مجموعة من المنتمين اليه، فكرّت السبحة مع رجل الأعمال حسن تاج الدين الملاحق دولياً بتهمة تبييض وتهريب الأموال لصالح الحزب ولتستكمل في ما بعد وتمتد إلى داخل الحزب نفسه وهذه المرة عن طريق عبد اللطيف فنيش شقيق وزير الحزب محمد فنيش المتهم بقضية الأدوية الفاسدة وتزوير احالة من وزارة الصحة وبعدها عن طريق حاتم الموسوي شقيق النائب في الحزب حسين الموسوي الذي يقف وراء مصانع الكابتاغون في البقاع بالإضافة إلى رجل مافيا سرقة السيارات في لبنان هاشم الموسوي وهو الشقيق الثاني للنائب نفسه.
اليوم وفي ظل المأزق الذي يواجه “حزب الله” ويُحيط به، يتعاقب قادته خلال هذه الفترة الحالية بدءاً من نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم مروراً بكتلة “الوفاء للمقاومة” وصولاً إلى النائب نواف الموسوي وآخرين غيره، على الكلام عن الفساد والمُفسدين في البلد مستخدمين لغة أقل ما يُقال فيها إنها لا تُليق لا بالإسم أو الشعارات التي يتلطى خلفها، وهو أراد بذلك بناء هجمة مرتدة بعد سلسلة الضربات التي كان ولا يزال يتلقاها خارج لبنان وداخله، بدأها من وسط بيروت منطقة “سوليدير” بإعتبارها بؤرة فساد على حد زعمه وبالتالي يجب أن تبدأ منها المحاسبة ظنّاً أنه قادر ساعة يشاء على إستغباء الناس وحرف أنظارهم عن إرتكاباته الفاضحة في سوريا من قتل وتدمير وتشريد بحق شعبها.
لا يجد “حزب الله” في كل مرّة يريد فيها إحداث زعزعة أمنية ما، غير “وسط بيروت” لتحقيق مشروعه، فمرة من خلال إحتلاله ومعاقبة تجّاره وأصحاب المحالّ وضرب أرزاقهم، وكأن “الوسط” تحوّل إلى عقدة بالنسبة اليه وهو الذي لم يستطع حتى اليوم، أن يتآلف بعد مع لغة العمران وبناء المجتمعات على أسس صحيحة وواضحة. ولا بد من إعادة تذكير الحزب باليوم الذي أحال فيه أحد مسؤوليه السياسيين الحاليين إلى تحقيق داخلي في المرحلة التي كان يتم فيها بناء “وسط بيروت”، بعد ورود معلومات تؤكد اختلاسه أموالاً من خلال عملية تزوير بيانات رسمية بأسماء وهمية ليُستفاد منها في وزارة المهجرين، فيومها لم تجر لفلفة الموضوع إلا بعد تنازله عن جزء من الاموال لصالح “حزب الله”.
فاقد التركيز ومشتت الذهن. وصف ينطبق على الحالة التي يمر بها “حزب الله” هذه الفترة. لا يعرف من أين يبدأ هجماته وهو العاجز عن تقديم مشروع بديل عن الدولة إلى جمهوره. وما يُزيده تأرجحاً، هزائم حليفه في سوريا وإبطال الشعارات المنددة بالولايات المتحدة الاميركية في ايران ونزعها من الساحات، ليبدو وكأنه يُصارع نفسه بنفسه وهذا ما يظهر بشكل جلي في البيانات التي يطلقها قادته والتي لا تستوفي أدنى المصداقية والشروط المرعية في علم السياسة النظيفة التي تقوم على أسس حفظ كرامة الناس وتاريخهم.
في غفلة من الزمن وفي لحظة صحوة ضمير، قرر الحزب أن يرفع لواء مكافحة الفساد فاختار ان يكون تيار “المستقبل” أول أهدافه. شذ عن القاعدة وعن الأصول بعدما حاول أن يضرب في “الوسط” لتُحتسب نقطة عليه لا لصالحه وهو الغارق بإستباحة البلد ومؤسساته على مدى عشرات السنين. حاصرها واستباح موانئها ومرافقها وسيطر على مناطق بأكملها وأخضعها لسلطته ونفوذه، ولم يكتف بهذا القدر بل حولها إلى ملاذ آمن للمطلوبين والفاريّن من وجه عدالة إستفاق مؤخراً على تطبيقها.