كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
منذ الاثنين المقبل لا حديث سوى طاولة الحوار الاربعاء. يُبطئ الشارع حركته، تستمر حكومة الرئيس تمام سلام في رقادها بعض الوقت، تستريح اعتصامات التيارات والمجتمع المدني قليلاً ريثما تراجع عدّاداتها. وحده الحوار في الصدارة
يحدد الرئيس نبيه بري لحوار الافرقاء، الى طاولة مجلس النواب في 9 ايلول، وظيفته الرئيسية بقوله: “المهم أن يظل الحوار سائداً بين اللبنانيين حتى يحين أوان الاتفاق في ما بينهم، سواء أتى من الخارج أو من الخارج والداخل”.
لا يضع رئيس البرلمان، أياماً قبل الالتئام، توقعات مستعجلة عما سيؤول اليه حوار الكتل النيابية التي تختصر الزعماء، أو في أحسن الاحوال ليس بين زعماء البلاد أحد ليس ممثلاً في مجلس النواب. بذلك لا تستثني طاولة الحوار أياً منهم، بمن فيهم الفريق الذي يلمح الى مقاطعته إياها، وهو حزب القوات اللبنانية.
إلا أن وجوده في مجلس النواب، عند الانتقال بقرارات الحوار ــ إذا اتخذت ــ الى المرحلة الاجرائية، يجعله طرفاً أساسياً، شأن سواه في بتّ مصيرها. يقول رئيس المجلس ــ من دون تبرير امتناع القوات اللبنانية عن المشاركة في الحوار أو اقتناعه بموقفها، وإن أظهر تفهّماً له ــ إن ثلاثة من المواضيع الرئيسية التي ترفع لواءها أدرجها في جدول أعمال الحوار الوطني: انتخاب رئيس الجمهورية، قانون جديد للانتخاب، قانون استعادة الجنسية.
يستند توقيت الدعوة الى حوار داخلي وفحواه الى بضعة معطيات توافرت لرئيس المجلس:
أوّلها، ما نجم عن اتفاق البرنامج النووي بين ايران والغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، بفتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية، ناهيك بمقاربة مختلفة وجديدة لموقع طهران في المنطقة وبين دولها. غداة الاعلان عن التوصل اليه، قال بري إن ما بعد الاتفاق النووي ليس كما قبله. بذلك التقط إشارة دالة الى دور ينتظر ايران في المنطقة قد يتطلب اتضاحه بعض الوقت. إلا أنه لمس المزيد من إشاراته في لقائه الاخير بوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لدى زيارته بيروت، وتكتّم بري عن مضمونه رغم أنه اعتاد بعد مقابلته مسؤولين دوليين رفيعي المستوى الايحاء بجوانب من المحادثات. اكتفى بالقول أمام زواره عن الزيارة تلك، إنه أسهب في الكلام عن حاجة لبنان الى انتخاب رئيسه، وهو ينظر الى طهران على أنها ــ كجيرانها الدول العربية ــ عامل استقرار في المنطقة. لكن بري خرج من المقابلة أكثر تفاؤلاً.
ثانيها، انه لا يخفي شعوراً بالتفاؤل غير مقترن أحياناً ببراهين مباشرة، بأن المنطقة ذاهبة الى مرحلة حوار وتفاوض. بالنسبة اليه الاتفاق النووي الايراني هو علامة الازمنة في المنطقة، ما يقتضي أن يكون الحوار في لبنان ــ بالتزامن معه وملاقاة له ــ علامة أزمنة الاستحقاقات المؤجلة.
قبل أكثر من اسبوعين كاشف سفيري دولتين بارزتين في عزمه على الدعوة الى الحوار ولمس تشجيعهما. تدريجاً تلاحقت الاتصالات في وجهات مماثلة، آخذاً في الاعتبار إخطار السفراء بما يعتزم القيام به، إذ يلمس تحولاً إيجابياً في المنطقة في وسع لبنان الاستفادة منه. في الغالب، تبعاً لما يلاحظه رئيس المجلس، بعض القيادات اللبنانية يذهب الى السفراء كي يسألهم ماذا ينبغي فعله، فيكتفون بنصح مراجعيهم.
يضيف بري: “لم أشأ تجاهل أيّ منهم ممن تهتم حكوماتهم بالوضع اللبناني وتبدي حرصاً عليه. لكن المهم أيضاً التنبه الى أن السفارة التي لا تؤثر عليك، تؤثر حتما على سواك”.
ثالثها، انه يلاحظ الاعلام الخارجي يرصد بدقة ما يجري في الداخل “كأن لبنان على طريق ما حدث في عدد من الدول العربية في السنوات الاربع المنصرمة تحت مسمى الربيع العربي، كأنه انتقل هذه المرة الى لبنان عبر مراقبة حركة الشارع”.
يقول: “الاعلام الغربي يقيس مدى مطابقة ما يحدث هنا الآن مع ما أصاب الدول العربية، خصوصاً مع عدد من الحوادث الامنية المقلقة. جلوس القيادات الى طاولة الحوار هو أبلغ جواب عن ان لا طريق للربيع العربي الى لبنان، على نحو ما شهد هناك. حوار القيادات يعني أن أحداً منهم لا يريد التقاتل مع الآخر، ولا يريد الحرب في هذا البلد. الجميع تعلّم من سني الحرب اللبنانية، لكنه تعلّم أيضاً مما يجري من حولنا”.
تلك إحدى الحجج الرئيسية التي حملت معظم الافرقاء، في اعتقاد رئيس المجلس، على المسارعة الى الموافقة على طاولة حوار لم تحتج الى جهد مضن لإقناعهم بها، ولا الى جدل في توقيت التئامها ومكانها وجدول أعمالها.
رابعها، انه هو صاحب الدعوة، لكنّ الجالسين الى الطاولة هم أصحاب القرار في اتخاذه ووسائله وخياراته، ويتحملون عبء نجاح الحوار: استمرار عقد الجلسات يومياً حتى، الانتقال من بند الى آخر، التزام تنفيذ القرارات.
يقول رئيس المجلس: “لا تصويت في الحوار ولن ألجأ اليه وإن اختلفت الآراء. سأكون الوحيد الذي يوافق في المطلق على كل ما يقررونه. سأكون الوحيد الذي لا يعارض ما يتوافقون عليه. لا أوراق عمل مطلوبة من أي أحد لحملها الى الطاولة، بل جدول أعمال حددت سلفاً بنوده وحصرت المناقشة به. لن أفسح في المجال أمام حوار يخوض في اتفاق الطائف أو الوقوف ضده، ولا في تأييد المقاومة أو معارضتها. لدى المتحاورين ما يكفي من البنود للبحث فيها، بدءاً من انتخابات الرئاسة وإطلاق عمل مجلسي النواب والوزراء. في أدراجي أكثر من 15 مشروعاً أو اقتراح قانون انتخاب جديد، وما يزيد على 15 اقتراح قانون استعادة الجنسية اللبنانية. الاربعاء تسلمت اقتراحاً آخر جديداً من النائبين سيرج طورسركيسيان ونديم الجميل”.