تُعتبر السياحة الداخلية من الجوانب المهمة في قطاع السياحة في أي بلد. وتعمل العديد من الدول على تقوية وتنشيط السياحة الداخلية بالتوازي مع السياحة الخارجية، لأن مواطني البلاد قد لا يقلّون أهمية إقتصادية عن السياح الأجانب. وبهدف تشجيع السياحة الداخلية، تذهب الدول الى إعتماد أسعار مخفّضة، خاصة بمواطنيها، بهدف تشجيعهم على السياحة الداخلية ما ينشط العجلة الاقتصادية.
في النموذج اللبناني يختلف الوضع، فالشركات الخاصة هي التي تُمسك بمعظم المراكز والمؤسسات السياحية. فلا ينعم اللبنانيون بأي “تمييز” تشجيعي، سوى في بعض الأماكن الأثرية، وبنسبة ضئيلة جداً. أما الأماكن السياحية “الضخمة” كمغارة جعيتا مثلاً، فيتساوى المواطنون مع السياح الاجانب لجهة دفع كلفة الدخول عينها، وهي “18 ألف ليرة للكبار و10 آلاف ليرة للصغار”، وفق ما يذكره رئيس شركة “ماياس” المستثمرة لمغارة جعيتا، نبيل حداد لـ “المدن”. و”المعاملة بالمثل” تأتي في ظل اقبال اللبنانيين المقيمين والمغتربين على ارتياد المغارة، على عكس الاجانب. ويضيف حداد ان “عدد الزوّار الكلي للمغارة، بلغ حتى شهر آب الحالي 160.743 زائراً. وقد شهد هذا الموسم غياباً كلياً للمجموعات السياحية الأجنبية بينما ارتفع عدد الزوار العراقيين تحديداً”.
توحيد الأسعار في مغارة جعيتا يعود إلى أن “كلفة الدخول تشمل ركوب التلفريك والمركب والمسرح. كما أنّ الشركة غير معفاة من ضرائب الدولة التي تحصّل نسبة 35 في المئة من المردود الإجمالي”. ويشرح حدّاد أن “الشركة تخسر منذ 4 سنوات لأن التكلفة التشغيلية باهظة، والخدمات التي تقع على عاتق الدولة كالكهرباء وغيرها، لا تؤمن بالشكل المطلوب”. غير ان الخسارة المزعومة، تستدعي التنحي عن حمل هذه المسؤولية، وتعني ان الوقت قد حان كي توقف الشركة استثمارها “الخاسر”، غير ان الواقع يقول أن الشركة تربح.
ليست الفنادق والشاليهات أفضل حالاً من مغارة جعيتا، فإن تشجيع إقبال السائح اللبناني عليها، ما يزال غير مدرج بكثافة على جدول أعمال المؤثرين في هذا القطاع. فكلفة إيجار شاليه لليلة واحدة، تبدأ “من نحو 180 دولاراً، وتصل الى حوالي 350 دولاراً”، على حد قول ربيع، الذي بحث طويلاً عن مكان لتمضية يوم إجازة مع عائلته، بكلفة معقولة.
وفي ظل هذه الأسعار المرتفعة، وعدم وجود أي تشجيع للسائح اللبناني، يفضّل هذا الأخير الذهاب الى تركيا او قبرص على سبيل المثال لتمضية اجازته، حيث تكلف الرحلة حوالي 600 دولار، وتتضمن حجز الطائرة والفندق (4 نجوم) مع كلفة النقل من المطار الى الفندق. أما المصاريف الأخرى فهي بحسب النشاطات التي يقوم بها كل سائح.
الأمين العام للنقابات السياحية جان بيروتي، يعتبر في حديث لـ”المدن” أن هذه الأسعار “مقبولة”، ويعزوها إلى أنّ السياحة تراجعت بنسبة 50% مقارنة بالسنوات السابقة، والعائدات تراجعت الى 3.5 مليار ليرة”. ولم ينفِ بيروتي قيام بعض المؤسسات السياحية بتقديم عروض لتشجيع اللبنانيين، “الا ان ذلك انقلب بمردود سلبي على السياحة اللبنانية”. ويعيد بيروتي مشكلة تراجع السياحة الداخلية، الى ان “اللبناني لا يعرف الاماكن التي يستطيع الذهاب اليها، وهو غير مطلع مثلاً على لائحة المطاعم التي يستطيع تناول الطعام فيها بأسعار مقبولة، وهذا يتطلب من المواطن البحث في الانترنت”. ويضيف أيضاً أنّ “الفرز الطائفي والمناطقي الذي يستمر إلى يومنا هذا يبعد عدد من اللبنانين عن أماكن سياحية مهمة لا يذهبون اليها لمجرد أنها لا تناسب انتماءاتهم وتوجهاتهم”.
وزارة السياحة في الحكومة الحالية التي لم تضع مشروعاً لأسعار تشجيعية للمواطنين، لم تحاول الاستعانة بمشاريع الوزارة السابقة، التي قدمت طرحاً “لوضع أسعار تشجيعية تخص اللبنانيين، دون السياح الاجانب”، بحسب وزير السياحة السابق فادي عبود. ويضيف عبود لـ “المدن” ان “هذه الخطوة شهدت صعوبات ابرزها صعوبة الزام اصحاب الاماكن السياحية بخفض أسعارها، وصعوبة الرقابة عليهم. ثم أن التمييز بين السياح الاجانب واللبنانيين قد يسبّب بإشاعة سمعة سيئة للمؤسسات”.
يبدو ان اعطاء أولوية للسائح اللبناني وتذليل العقبات امام السياحة الداخلية، هي خطوة لن تكتمل، بل خطوة تبقى في اطار “الطرح”. وتزيد معدلات الاجور المتدنية، من صعوبة تنقل المواطن بين المناطق. فالحد الادنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة، لا يتيح للعائلة الصرف على “الكماليات”، ومنها السياحة. فبالكاد يؤمن هذا المبلغ الحد الأدنى لمقومات العيش. وعليه، يبقى القطاع السياحي مرهوناً بحركة السياح الاجانب، وخصوصاً الخليجيين، الذين يخضع توافدهم إلى لبنان بظروف تتصل بالأوضاع الأمنية والسياسية في البلد، أحياناً.