م تكن التحرّكات والاعتصامات، التي قام بها عمال بلدية طرابلس طلباً لتثبيتهم، الأولى من نوعها، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، بعدما خضع هذا الطلب، على ما يظهر، لتجاذبات داخل البلدية وخارجها. فهؤلاء العمال الذين يناهز عددهم 180 عاملاً مياوماً، أي ممن يعملون على الفاتورة مع البلدية، استطاعوا خلال عهد رئيس البلدية السابق نادر غزال الضغط على المجلس البلدي للموافقة على تثبيتهم، بشكل مبدئي.
في 3 حزيران 2014 أصدرت بلدية طرابلس قراراً حمل الرقم 309، أكدت فيه قرارها رقم 303 الذي اتخذته في 8 نيسان 2014، الذي ينص على «الموافقة المبدئية على تعيين أجراء في بلدية طرابلس، على أن يكون هذا التعيين محصوراً بعمال الفاتورة لدى البلدية، وعلى أن تستكمل هذه الموافقة بتقارير وصف وظيفي عن إنتاجية وسلوك العامل اليومي».
وقرّرت البلدية يومها في جلسة عقدت برئاسة نائب الرئيس جورج جلاد، لوجود غزال خارج البلاد، تأليف لجنة «لتحديد الآلية القانونية» لتعيين هؤلاء العمال، على أن «ترفع تقريراً إلى رئيس البلدية لإصدار المذكرات الإدارية اللازمة لمن تتوافر فيهم الشروط القانونية». وتضمن القرار «الطلب إلى رئيس البلدية، رأس السلطة التنفيذية والمعني الأول بهذا الأمر، متابعة الملف بالسرعة القصوى وفقاً لما تقتضيه الأصول والشروط القانونية».
ومع أن وزارة الداخلية وافقت على قرار البلدية، فإن غزال وضعه في الأدراج ولم يوقعه، وسط أجواء الانقسام والشلل التي سادت البلدية في أغلب أيام عهده، وقد برّر مماطلته يومها في التوقيع على القرار بأنه يرتب على البلدية أعباءً مالية لا قدرة لها على تحمّلها، كما أن السير في وضع هذا القرار موضع التنفيذ كان يحتاج إلى غطاء سياسي من القوى الفاعلة في المدينة، لم يكن متوافراً.
بعد استقالة غزال وانتخاب عامر الرافعي بديلاً منه، حُرِّك الملف مجدداً، فأرسل مرة ثانية إلى وزارة الداخلية والبلديات لإبداء الرأي وأخذ الموافقة، فجاوبت الوزارة، وفق مصادر بلدية، بأن «القرار النهائي لتثبيت المياومين يعود إلى رئيس البلدية بما يملك من صلاحيات».
ويبدو أن ردّ وزارة الداخلية الذي تسلمته البلدية رسمياً، جعل العمال المياومين فيها يجدّدون تحرّكهم والضغط على الرئيس والأعضاء من أجل تثبيتهم، للحصول على ما يعتبرونه حقاً طبيعياً لهم، خصوصاً أن وضعهم «الوظيفي» الحالي لا يعطيهم حقوقاً كبقية الموظفين، لجهة تسجيلهم في صندوق الضمان الاجتماعي وحصولهم على المنح المدرسية وتعويض نهاية الخدمة وغيرها.
ولأنه المعني الرئيسي بهذا الموضوع، أشار الرافعي إلى أن «المجلس البلدي في عهد الرئيس السابق، قبل نحو سنة، كان قد اتخذ قراراً بالموافقة على التثبيت حسب حاجات البلدية، وأرسل إلى وزارة الداخلية كتاباً لاتخاذ القرار المناسب لكونها وزارة الوصاية على البلديات، وقامت وزارة الداخلية بدورها بإرساله إلى مجلس الخدمة المدنية الذي أعاده إلى البلدية بعد استقالة الرئيس نادر الغزال وانتخابي رئيساً»، لافتاً إلى أن البلدية «في صدد دراسته واتخاذ القرار بتثبيتهم حسب حاجتها، وإرساله الى بيروت لأخذ الموافقة عليه».
وبرغم أن بعض أعضاء البلدية تدخلوا لمعالجة المشكلة، إلا أن جهودهم باءت بالفشل، خصوصاً بعدما وصلت إلى أسماع المياومين تهديدات أنه إذا لم يوقفوا اعتصاماتهم فإن الرافعي قد يتجه للاستغناء عنهم والإتيان بآخرين مكانهم، غير أن نصائح وُجّهت إلى الرافعي تمنت عليه عدم التفكير بهكذا طرح لانه سيؤدي إلى صدام داخل البلدية.
وفي هذا الإطار، أوضحت مصادر في بلدية طرابلس أن «هؤلاء المياومين المحسوبين سياسياً على معظم القوى السياسية في المدينة، والذين أمضى بعضهم في البلدية بين 5 ـ 8 سنوات، إذا توقفوا عن العمل فإن البلدية ستصاب بالشلل، وأنه إذا استمر الإضراب طويلاً ولم يباشروا بتعزيل قنوات تصريف مياه الأمطار قبل قدوم فصل الشتاء، فإن شوارع المدينة قد تغرق في المياه من أول شتوة».
لماذا لا يُقدم الرافعي، المحسوب على تيار المستقبل لكونه عضواً في منسقية التيار الأزرق في المدينة، على الموافقة على قرار تثبيتهم، وهو الذي سبق له ووافق يوم كان عضواً على هذا القرار، أوضحت المصادر أن رئيس البلدية «لن يُقدم على الموافقة على قرار كهذا قبل نيل موافقة مرجعيته السياسية عليه».