Site icon IMLebanon

أزمات تركيا والصين تقلص طموحات مجموعة العشرين

G20-logo-Turkey
تحتضن تركيا لقاءات مجموعة العشرين في ظل أزمة تعصف بالاقتصاد التركي الذي بقي لسنوات محط أنظار وآمال الكثيرين في العالم العربي والعالم، ماذا بقي من طموحات المجموعة المعلقة على هذا الاقتصاد واقتصاديات دول ناشئة أخرى كالصين؟

حتى سنوات قليلة خلت كانت مجموعة العشرين تعلق آمالا عريضة على عدد من دولها الصاعدة كتركيا والصين من أجل تحقيق أهداف عالمية من أبرزها تعزيز النمو العالمي وإصلاح النظام المصرفي الدولي بعيدا عن المضاربات والمشتقات المالية الوهمية التي أججت لهيب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008. وبدوره كان الصعود الاقتصادي التركي حتى سنوات قليلة خلت يساعد الحكومة التركية بزعامة حزب العدالة والتنمية على تقديم تركيا “كنمر اقتصادي” يعد بمزيد من النمو والازدهار على الصعيدين الشرق أوسطي والعالمي. غير أن ضعف الاقتصاد التركي المتسارع بوتائر عالية منذ ثلاث سنوات يجعل التطلعات التركية بعيد المنال خلال اجتماعات وزراء مالية ورؤساء البنوك المركزية لمجموعة العشرين التي تشهدها أنقرة في الرابع والخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري 2015. في هذا السياق ذكر تقرير لوكالة رويترز أن التراجع الاقتصادي وصل هذا العام إلى الحد الذي يصف فيه رجال أعمال هذا العام بأنه “عام مفقود” بالنسبة للاقتصاد التركي، ما يجعل الطموحات المتعلقة بمجموعة العشرين أقل أهمية”. و يرى جوناثان فريدمان محلل الشؤون التركية لاستشارات المخاطر في مؤسسة “ستراوس فريدبيرغ” بأنه سيكون من الصعب على تركيا تسويق طموحاتها كقوة صاعدة على الصعيدين الإقليمي والدولي خلال رئاستها لمجموعة العشرين، لافتا إلى أن الاضطرابات الداخلية “سحبت من رصيدها.. ولم يعد لها نفس المصداقية لدى المجموعة كما كان الحال قبل عامين”.

الليرة التركية تخسر ربع قيمتها

خلال العقد الماضي صعد “النمر الاقتصادي التركي” بمعدلات قياسية ضاعفت الناتج المحلي التركي خلال عشر سنوات ليصل إلى أكثر من 850 مليار دولار. وهو الأمر الذي أوقد الجدل في دول عربية وإسلامية حول ضرورة إتباع النموذج التركي كمثال يحتذى به للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أن معدلات النمو التركية تراجعت بفعل الاضطرابات الداخلية والأزمات العربية والأوكرانية إلى أقل من 2.5 بالمائة خلال العام الماضي بعدما وصلت إلى 10 بالمائة خلال العقد الفائت. وفقدت الليرة التركية حوالي ربع قيمتها إزاء الدولار الأمريكي منذ بداية العام الجاري لتباع بنحو 3 ليرات للدولار الواحد. وهناك مخاوف جدية على القطاع السياحي الذي نجا نسبيا من الأزمة حتى الآن. وتعود هذه المخاوف إلى عودة النزاع المسلح بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني إلى الواجهة.

قطاع الإنشاءات التركي يخسر ليبيا وسوريا

جاء التأثير السلبي الأقوى على الاقتصاد التركي الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات بفعل الأزمات في ليبيا وسوريا والعراق وأوكرانيا. ففي ليبيا حيث كانت تعمل العشرات من شركات الإنشاءات الليبية في مشاريع بالمليارات أدت الفوضى السياسية والأمنية إلى خروج هذه الشركات وتوقف أعمالها هناك. وفي العراق لم تعد الشركات التركية في مأمن على ضوء المخاطر الأمنية وحوادث الخطف التي طالت عمالا أجانب بينهم 18 عاملا تركيا تم خطفهم مؤخرا من مشروع ملعب رياضي. وبدورها أدت الأزمة السورية إلى قطع طرق التجارة البرية بين تركيا ومنطقة الخليج التي تعد أحد الأسواق الرئيسية للبضائع التركية. كما أدى تراجع أسعار النفط والعقوبات الغربية ضد موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية إلى تراجع الصادرات التركية إلى روسيا التي تعد في مقدمة الشركاء التجاريين لتركيا بنسبة زادت على الثلث منذ بداية العام الفائت.

الأزمة تطال الصين

غير أن تركيا ليست بمفردها الدولة الوحيدة من دول مجموعة العشرين التي تعاني من أزمة اقتصادية. فالأزمة أصابت مؤخرا دول صاعدة أعضاء رئيسيين في المجموعة كالصين والبرازيل وروسيا. ففي أغسطس/ آب الفائت 2015 هوت الأسهم الصينية بنسب وصلت في يوم واحد إلى 8 بالمائة لتمحو ما حققته من مكاسب منذ بداية العام. وتبع تهاوي البورصات الصينية عدوى انهيارات ألحقت خسائر فادحة بالبورصات العربية والعالمية. ويعاني الاقتصاد الروسي أيضا من تراجع الأداء ومعدلات النمو على ضوء تراجع أسعار النفط ومفعول العقوبات الغربية ضد موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية. وبدورها تعاني السعودية وهي البلد العربي الوحيد في مجموعة العشرين من تدهور أسعار النفط، الأمر الذي دفعها مؤخرا إلى طرح سندات حكومية للبيع واللجوء إلى احتياطاتها النقدية للوفاء بعجزها المتزايد الذي قدرها صندوق النقد الدولي بنحو 150 مليار دولار هذا العام.

ماذا سيحل بأهداف مجموعة العشرين؟

نشأت مجموعة العشرين من مجموعة الدول الصناعية السبع ودول الاقتصاديات الناشئة كتركيا والسعودية والصين والهند والبرازيل وروسيا. وتنتج دول المجموعة نحو 85 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي. خلال قممها التي كانت الأخيرة منها خلال نوفمبر/ تشرين الثاني في استراليا أكدت المجموعة على طموحاتها بتحقيق فائض في النمو العالمي بنسبة أكثر من 2 بالمائة. كما أكدت على تعزيز فرص العمل والتجارة ومشاريع البنية التحتية العالمية وإصلاح المؤسسات المالية الدولية. غير أن تراجع أداء الاقتصاديات الناشئة في تركيا والصين وروسيا والبرازيل ودول أخرى سيجعل تحقيق أهداف المجموعة التي تعقد قمتها القادمة في تركيا بعيدة المنال لاسيما وان معدلات النمو في الدول الصناعية السبع الكبرى ما تزال تتراوح بين 1.5 إلى 3 بالمائة. وسيكون لهذا الوضع تبعات سلبية على مبيعات النفط والغاز التي تشكل المصدر الأساسي للموازنات العامة في الدول العربية. ويزيد من هذه التبعات استمرار الأزمات الدامية والسياسية في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر والبحرين.