“الأرض الحرام”.. مصطلح أطلقه العراقيون منذ نحو عام على المناطق الحدودية بين سيطرة القوات العراقية والمليشيات الداعمة لها من جانب، وبين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جانب آخر.
وظلت “الأرض الحرام” تشهد عزوفاً من قبل المواطنين القاطنين في المناطق القريبة منها ويتجنبونها خشية التعرّض لمخاطر، لكن الأشهر الأخيرة شهدت رواجاً في حركة التجارة في مثل هذه المناطق.
وعادة ما تكون هذه المناطق شريطية، حول المدن أو عند حدود المحافظات، وتشهد بين الحين والآخر مناوشات بين الطرفين المتحاربين.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهدت تلك المناطق حالة غير مألوفة، تتمثل في انتشار الدكاكين والأكشاك (المحال التجارية الصغيرة)، وباعة الخضار والمواد الغذائية والأدوية والأغنام، حيث بدأ سكان المناطق، التي يسيطر عليها “داعش”، بالتوجه إلى خارجها لشراء الغذاء والمواد اللازمة لهم، فيما يحتاج سكان مناطق الجيش والمليشيات أيضاً للتوجه إلى مناطق “الأرض الحرام”، حيث يتم الحصول على ما يحتاجون.
ويسيطر عامل “تبادل المنفعة”، وفق سكان، على التعاملات في مناطق التجارة، حيث تجري أحياناً صفقات بلا مال بل تبادل بضائع ببضائع أخرى، لا سيما في مناطق الأنبار ونينوى، شمال وغرب العراق.
ويقول تجار ومتعاملون إن الحركة التجارية والتبادل ساهم في إيجاد فرص عمل للكثير من العوائل في هذه المناطق وحتى العوائل النازحة بين الجانبين.
محمود خلف، الذي يجلس في منطقة محاذية لسيطرة قوات الجيش العراقي، بين محافظتي الأنبار وكربلاء، أمام “كشك” صغير يحتوي على مواد غذائية ومنزلية، يقوم بنقلها إلى الجانب الآخر من مناطق سيطرة “داعش”.
ويقول خلف في مقابلة مع مراسل “العربي الجديد”، إن “الأوضاع الأمنية والعمليات العسكرية في الأنبار وبعض المناطق الأخرى بين القوات العراقية وتنظيم داعش، أوجد حركة اقتصادية لصغار التجار، إذ نقوم بالتبادل التجاري مع أصحاب الأسواق والأكشاك الصغيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم”.
ويوضح أن أهم المواد التي يتم تبادلها هي الأرز والدقيق والسكر والزيوت والمواد البقولية ومعجون الطماطم، إذ يقوم التجار بنقل المواد من محافظة كربلاء وبغداد إلى تجار المنطقة، الذين يقومون بدروهم بعد ذلك بإيصالها إلى تجار في الأنبار، ونتسلّم منهم الخضراوات والفواكه التي يمتلكونها.
ويضيف أن هناك مواطنين يفضّلون المجيء بأنفسهم للشراء، لأن انتظارهم قدوم التجار والشراء منهم سيترتب عليه حصولهم .على السلع بسعر أعلى، كون التاجر الذي نبيع له سيضع ربحاً على البضائع
ويشير إلى أن التبادل التجاري بات يشهد تطوراً كبيراً ويوفر فرص عمل لمئات العاطلين من العمل، لأن حركة التبادل تجري بعلم القوات الحكومية التي لا تمنع بنقل هذه المواد للمدنيين في الأنبار والمناطق الخاضعة لسيطرة داعش.
وأنعشت هذه الحركة نشاط “التوك توك”، وهي مركبة صغيرة بثلاث عجلات، يقوم سائقوها بنقل البضائع مقابل 10 آلاف دينار (83.2 دولاراً) على كل حمولة.
ويقول خلف: “هناك من النازحين من يعملون في هذا المجال لغرض توفير لقمة العيش لهم ولعوائلهم”. وساهم الصراع بين الحكومة العراقية وتنظيم داعش في تعطيل خطوط نقل السلع بين المناطق العراقية، ما انعكس على الأسعار ووفرتها بالأسواق.
وغالباً ما تشهد محافظات الأنبار ونينوى وكركوك وصلاح الدين، شمال البلاد، أسعاراً مرتفعة مقارنة بنظيرتها في العاصمة بغداد، ومنها طحين القمح الذي يبلغ سعره نحو ضعف المطروح في بغداد، وكذلك وجود فروقات كبيرة في أسعار السكر وغيره من السلع الرئيسية.
ويقول الخبير الاقتصادي، محمود أحمد، إن “الصراع الحربي بين الحكومة العراقية وداعش، ساهم في ايجاد مناطق أشبه ما تكون بالمناطق الحرة للتبادل التجاري، خاصة في محافظات الأنبار ونينوى وأطرف كركوك وصلاح الدين، وهناك مناطق صحراوية بعيدة عن النشاطات العسكرية تكون مواقع للتبادل التجاري”.
ويرى أحمد في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن هذه المناطق لا تقل أهمية عن المواقع التجارية في بغداد والمحافظات الأخرى.
ويقول عباس حسين، الذي يعمل سائقاً لإحدى مركبات الـ”توك توك”: “نقوم بنقل المواد الغذائية والسلع الأساسية من منطقة سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة داعش، والأجور تكون حسب كمية المواد ولكن الربح اليومي وفير يصل إلى 60 ألف دينار (50 دولاراً)”.
ويضيف “هناك أكثر من 200 عامل يعملون في نقل هذه المواد بين هذه المناطق، التي ليس لها علاقة لا بالحكومة ولا بداعش، فنحن نوفر الطعام وحتى الماء للتجار والسكان المحليين”.