كتبت رولا حداد
تضمّن الخطاب الأول لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بصفته رئيساً لـ”التيار الوطني الحر” من ساحة الشهداء في تظاهرة 4 أيلول، ولو لم تتم مراسم التسلّم والتسليم بعد، مفارقات ومغالطات كثيرة لا بدّ من التوقف عندها بتمعّن:
ـ المفارقة الأولى شكلية وتمثلت بالإعلان عن بصمات “حزب الله” الواضحة في تأمين الحشد الشعبي بعد تظاهرتين سابقتين اتسمتا بالضعف الشعبي الظاهر. وهذه المفارقة أضيفت على بصمات الحزب في فرض باسيل رئيساً للتيار البرتقالي بالتزكية بعد إزاحة منافسه النائب ألان عون تحت وطأة الضغوط الهائلة، وتظهّرت بامتناع ابن شقيقة العماد عون منافس باسيل من حضور إعلان فوز باسيل.
ـ وما سبق يقود الى المفارقة الثانية تمثلت بمطالبة باسيل أبناء المناطق بأن يكون “صوتكم للمقاوم وليس للإرهابي”، في إعلان خضوع كامل لـ”حزب الله” والدعوة الى أن تكون أصوات اللبنانيين للحزب بصفته “مقاوماً”… ولكن لم يوضح باسيل من يقصد بـ”الإرهابي”؟!
ـ المفارقة الثالثة تمثلت في إصرار العماد ميشال عون وباسيل على المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية من الشعب مباشرة، في حين أنه تهرّب من الانتخابات الحزبية، وعمل باسيل مع عمّه لتأمين انسحاب جميع المرشحين، سواء بالضغوط أو بذريعة عدم استيفاء الترشيح شروط النظام الداخلي، وفرض ترشيح “الصهر الأول” مرشحاً وحيداً لخلافة العمّ!
ـ المفارقة الرابعة شكلت فضيحة مدوّية وهي مطالبة باسيل بدولة تكون فيها “كهرباء 24 على 24 وبطاقة متجددة”. والسؤال الأبرز هنا ماذا فعل باسيل طوال فترة تولّيه وزارة الطاقة للسعي الى الطاقة المتجددة؟ أين هي هذه الطاقة المتجددة في كل ما طرحه من مشاريع؟ وأين وعوده بكهرباء 24 على 24 في نهاية الـ2015؟ وكيف يبرّر استلام وزراء من تكتله وزارة الطاقة منذ العام 2008 وحتى اليوم من دون أي تحسّن في قطاعي الكهرباء والمياه اللذين شهدا تراجعاً غير مسبوق منذ انتهاء الحرب؟ ومن لا يدفع ويحصل على الكهرباء ويقطع الطرقات؟ أليس حليفه “حزب الله”؟
أما المغالطات فحدّث ولا حرج، وخصوصاً في السياسة. والسؤال الأول في هذا الإطار: لمَ الهجوم المبطّن على الرئيس ميشال سليمان (“لا يفهم إلا بلغة الخشب”) وعلى الرئيس سعد الحريري الذي تمتّع باسيل بالركوب على دراجته النارية في جدّة (“رئيس للحكومة تابع”)؟ وهل المعادلات السياسية تكمن في وصف الحريري بالشريك إن وافق على انتخاب العماد عون رئيسا، ونعته بـ”التابع” إذا لم يوافق؟ وكيف سيبلع لبنان الحريري؟هل يستطيع ان يشرح لنا؟؟
ومن يقصد باسيل حين يتحدث عن “تنظيف الشارع من الزعران”؟ هل يقصد زعران الخطف مقابل الفدية وسرقة السيارات وتجّار الكابتاغون و”سرايا المقاومة”؟ والأهم من يقصد حين يقول “نرفض أن نموت اليوم من الجوع بسبب المافيات كما كنّا نموت برصاص الميليشيات”؟ هل يقصد رصاص ميليشيات “حزب الله” وحركة “أمل” في كلّ تشييع لمقاتلين يموتون في سوريا أو عند إطلالة زعيميهم؟
وكيف يكون لدينا دولة لا مزرعة؟ ألا يُفترض أن نمارس ممارسة رجال دولة فنحترم الدستور ونطبقه ونلتزم بالقوانين، بدءًا من النزول الى مجلس النواب للمشاركة في جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وأليس عدم تطبيق الدستور ونحر المؤسسات عبر الإصرار على منطق “أنا أو لا أحد” هو الذي أوصلنا الى المزرعة التي نعيش فيها اليوم؟
إن جبران باسيل لم يكن موفقاً على الإطلاق في خطابه الأوّل بعد ترؤسه “التيار الوطني الحر” بالتزكية والهروب من الانتخابات الحزبية، واستمرار وجوده ووجود “التيار” انطلاقاً من واقعة دعم “حزب الله” لا يُعَوَّل عليه كثيراً. لذلك، على باسيل قبل المهرجانات والتظاهرات والخطابات أن يحاول لمّ الشمل العوني علّ وعسى أن تلقى خطاباته آذاناً صاغية!