هاجر كنيعو
إنطلاقاً من أهمية تطوير العلاقات المصرفية اللبنانية-العراقية وإستكمالاً لتوصيات المؤتمر المصرفي العراقي اللبناني في نيسان العام الفائت، تستضيف بيروت هذه المرة أيضاً فعاليات ملتقى العراق المصرفي بمشاركة مصرفية واسعة عراقية ولبنانية، إضافة إلى مشاركة السلطة النقدية في البلدين ممثلة بحاكم مصرف لبنان ومحافظ البنك المركزي العراقي وذلك في 15 أيلول الجاري.
تأتي أهمية هذا الملتقى نظراً للإنتشار الواسع للمصارف اللبنانية في السوق العراقية منذ العام 2007 ، إذ إحتضنت السوق العراقية حتى يومنا هذا فروعاً ل 9 مصارف لبنانية فيما فتح بنك بيروت مكتب تمثيل له ، توزعت بين بغداد وإربيل والبصرة . كما أن هناك مصارف أخرى تسعى للنفاذ إلى هذه السوق، التي دخلتها عبر إنشاء الفروع كلّ من البنك اللبناني الفرنسي ، وبنك البحر المتوسط ، وبنك بيروت والبلاد العربية، وبنك بيبلوس، وإنتركونتيننتال بنك، وبنك الإعتماد اللبناني، وفرنسبنك وبنك لبنان والمهجر، وبنك الشرق الأوسط وأفريقيا، كما بدأ بنك عودة بتأسيس فروع له في النجف والسليمانية وأيضاَ في بغداد وأربيل والبصرة.
وفي هذا السياق، تمنى رئيس رابطة المصارف الخاصة في العراق وديع نوري الحنظل في حديث لـ «الديار» متمنياً ان تؤدي ثمار المؤتمر مفعولها في تنمية العلاقات المصرفية في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الاقليمي تحديات أمنية كبيرة وإنتشار ظاهرة الإرهاب، إلى جانب الضغوطات التي تمارس إنطلاقاً من مبدأ إعرف عميلك ، وظاهرة de-risking، التي باتت تنعكس على العمل المصرفي في المنطقة.
ومع إقرار الحكومة العراقية نظام الخدمات المصرفية وقانون التوقيع الالكتروني ، يعتبر الحنظل أن هذا الملتقى سيوفر فرصاً واسعة للتعاون العراقي – اللبناني في مجال الصيرفة الالكترونية انطلاقا من استعداد المصارف العراقية للدخول في هذا المجال، ومن الخبرة التي اكتسبتها المصارف اللبنانية على مدى السنوات الماضية.
ويشدد على أن التعاون بين البلدين يتمثل في نقل تجربة المصارف اللبنانية على صعيد الكوادر البشرية إلى السوق المصرفية في العراق، نظراً لخبرتها العالية في العمل الصرفي ونجاحها في تجاوز الأزمات خصوصاً في بيئة يتزعزع فيها الأمن والإستقرار بالتالي ترتفع فيها المخاطر.
ورغم أن المصارف اللبنانية كانت السّباقة في الدخول إلى السوق العراقية كونها تتمتع بسيولة مرتفعة تتيح لها الإستثمار في فروع خارج الحدود، إلا أن ظروف العمل في هذا البلد تجعل عمل الصارف الأجنبية ولا سيما اللبنانية، معقداً نظراً لمحدودية إمكانات السلطات النقدية البشرية والمهنية ولثقافة زبائن المصارف وخبرتهم المصرفية الضعيفة ، لذا يقتصر عمل هذه المصارف في العراق على فتح إعتمادات مستندية للعملاء من دون منح تسليفات ، لإنعدام إمكانية الإستعلام من السجل التجاري والرهن كون المصرف الأجنبي لا يملك حق التملك ، بالإضافة إلى غياب مركزية للمخاطر وإرتفاع الكلفة النقدية.
لذا تبقى نسبة التسليف للقطاع الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذا البلد واحدة من الأدنى في العالم ، كونها لا تتجاوز 9% مقارنة بمتوسط يناهز 55% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لا ينكر الحنظل أن الرؤية التي وضعتها المصارف اللبنانية عند دخولها إلى السوق العراقية الضخمة بعدد سكانها الذي يبلغ 35 مليون نسمة وبميزانية مقدارها 119 تريليون دينار أي ما يعادل 100 مليار دولار تقريباً، لم تكن على المستوى المطلوب ولم تحقق النتائج المتوقعة «في أن تصبح المصارف اللبنانية شريكاً في حصة هذا السوق بحجم تعامل يصل إلى 10% أي (10 مليارات دولار) في مجالات التنمية والتطوير والزراعة والصناعة ، وذلك نتيجة الظروف القاهرة والأوضاع غير المستتبة التي أعاقت المصارف اللبنانية من الإنطلاق في العراق على غرار تجربتها في دول الخليج».
في مقابل هذه التحديات ، ومن باب التشجيع على زيادة نشاط المصارف الأجنبية في السوق العراقية ومنها اللبنانية وبالتالي رفع المنافسة مع المصارف المحلية، إتبع البنك المركزي العراقي حسب الحنظل إستراتيجية ترتكز على بناء البنية التحتية للقطاع المصرفي وفق الأسس الأتية: تعديل التشريعات القانونية التي تنظم عمل المصارف لا سيما إقرار قانون مكافحة تبييض الأموال، إلى جانب اصدار قانون المصارف الإسلامية حيث كانت تلك المصارف البالغ عددها 12 مصرفاً ، تمارس الصيرفة الاسلامية بدون وجود قانون ينظم عملها.
وعن خطط البنك المركزي العراقي للنهوض بالواقع المالي، يشير الحنظل إلى ان خطة البنك المركزي ترتكز على ثلاثة أمور أساسية:
– زيادة الإيرادات مقابل خفض النفقات .
– إعادة هيكلية المصارف الحكومية التي تدير 90% من موجودات القطاع المصرفي.
– وتفعيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة كونها تشكل العمادة الأساسية للإقتصاد.
وإذا كانت الرؤية الأساسية للإقتصاد العراقي لعامي 2016-2017 تقوم على تنمية المشاريع الناشئة والمتوسطة، فقد أطلق البنك المركزي العراقي في هذا الإطار رزمة تحفيز بقيمة 850 مليون دولار من أصل 5 مليارات و500 مليون دولار، إذ من المقرر أن يمدّ المركزي المصارف التجارية بخطوط ائتمان ذات فائدة نسبتها 0,8% لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والمشاريع الناشئة. وهذه المبادرة وفق الحنظل هي الأضخم على مستوى الوطن العربي، وهي تأتي بهدف ضرب ظاهرتي البطالة والفقر بعدما أشار تقرير صادر عن اتحاد المصارف العربية إلى ان عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي بلغ 22 مليون عاطل عن العمل، 7 ملايين منهم في سوريا والعراق. علماً أن هذه المبادرة، تتخذ أهمية خاصة بالنسبة لرجال الأعمال والمستثمرين اللبنانيين في العراق، خصوصاً أن معظم المشاريع المتوسطة في إقليم كردستان من خدمات بترولية، مطاعم، دراسات جيو-إقتصادية يرعاها المستثمرون اللبنانيون وهنا تكمن حجم الإستفادة.
أمّا في ما يتعلق بظاهرة DE-RISKING والتشدد في تطبيق الرقابة لا سيما في الدول التي تصنف ذات مخاطر مرتفعة مثل العراق ولبنان، ينوه الحنظل بالمبادرة التي أطلقها إتحاد المصارف العربية حول إنشاء مجلس امناء للامناء العامين للمصارف العربية والاقليمية، يكون الرابط والمنسق بين جمعيات المصارف والبنوك التجارية والمركزية، ويمثل مرجعاً REFERENCE حول الإمتثال الضريبي.