Site icon IMLebanon

أيها المسيحيون.. إلى الدولة!

 

رولان خاطر

 

تكثر في الآونة الأخيرة العناوين التي تجترحها القوى السياسية لتبرير تحركاتها في الشارع. ولعلّ عنوان “استعادة حقوق المسيحيين” هو الأكثر تأثيراً في العقل اللاوعي وفي الإدراك الجماعي المسيحي.

هذا الخوف على الوجود، قديم – جديد ومبرّر، للأسف، في كل مرحلة من تاريخ لبنان، أولاً بفعل البنية الفكرية والعقائدية للشريك الآخر في الوطن، وثانياً، بسبب التخاذل الموجود ضمن دائرة القرار المسيحي وغياب مرجعية موحدّة على مستوى القيادات السياسية والحزبية والروحية.

استهداف الوجود المسيحي من قبل بعض المسيحيين والشركاء في الوطن اتخذ أوجها عديدة منذ سنوات الحرب، واليوم تستخدم أكثر الوسائل خطراً وحنكة وخبثاً، “القانون”. فبالقانون تستمر محاولات قضم هذا الوجود في مؤسسات الدولة، عبر استخدام المادة 95 من الدستور على غير ميثاقيتها.

فصحيح، أن المادة 95 تنص على إلغاء المناصفة من الفئة الثانية وما دون، على ألا يتناقض ذلك مع مقتضيات “الوفاق الوطني”، لكنّ الأصح، أن مقتضيات “الوفاق الوطني” تحتّم الحفاظ على أسس العيش المشترك، الذي يرتكز بشكل لا لبس فيه على “المناصفة”. فهناك توازن يجب أن يُحترم من القوى السياسية كافة، وعلى القوى المسيحية المتمثلة في السلطة ان تحمي وتصون وتحافظ وتهتم وتجهد وتحارب من اجل الحفاظ على هذا التوازن.وعلى المرجعيات المسيحية التي تطالب بحقوق المسيحيين، أن تحقق هذه الحقوق من خلال الموظفين الذين انتدبتهم في الدولة.

من هنا، يُسلّط الضوء على دور المرجعيات المسيحية أولاً، وعلى سياسة شريك الوطن ثانياً.

 

المرجعيات المسيحية:

 

أولاً: الأحزاب

هناك تقصير تام من قبل الأحزاب السياسية المسيحية لجهة إعطاء مسألة التوظيف في إدارات الدولة اولوية ضمن اجندتها. فمعلوم ان لكل حزب موظفاً يتابع مسألة المرشحين والمتقدمين إلى الوظائف الرسمية، إلا أن هذه الآلية، أثبتت عقمها، نظراً لعدم وجود خطة واستراتيجية واضحة طويلة الأمد لدى الأحزاب المسيحية تؤمّن نجاح المتقدمين إلى مباريات الوظائف الشاغرة. وهو ما يتطلب من هذه الأحزاب إلى وضع إطار منظم لهذه القضية، لأن خطورتها تزداد وتتسع.

 

ثانيا: الوزراء المسيحيون

بعض من دور الوزراء المسيحيين في السلطة التنفيذية مراقبة المراسيم وكل ما يتصل بالوظيفة العامة للحفاظ على التوازن المطلوب في الدولة، من هنا، فإن أداء هؤلاء في الحكومة، إلى أيّ جهة انتموا، مُدان بالكامل، في ظلّ غياب أيّ مبادرة أو عمل يؤدي إلى تفعيل الحضور المسيحي في الدولة، خصوصاً أن لأولئك القدرة على توقيف أيّ مرسوم يعتبر مجحفاً بحق التوازن.

 

ثالثاً: البطريركية المارونية

يكثر الكلام كثيراً بشأن غياب الإدارة والقرار وربما سوء التنظيم لدى بكركي، خصوصاً أن مسألة التوظيفات في الوظيفة العامة شأن وطني يتخطّى منطق المحسوبيات أو السياسات الضيقة. لذلك، وعلى الرغم من تشكيل بكركي للجنة المتابعة النيابية للحضور المسيحي في الدولة، فما زالت الرؤية غير واضحة وبحاجة إلى جهد كبير وإستثمار دور بكركي وتسخير مؤسساتها خدمة لهذا الغرض يؤثر إيجاباً على الحضور المسيحي من جهة وعلى معنويات الشباب المسيحي من جهة اخرى.فإذا كانت رسالة الكنيسة أن تكون حاضرة على أقدام كل صليب من أي نوع كان، فلا مبررات تمنع هذه المؤسسة الكبرى وهذا الصرح الوطني من ان يقول كلمته – السيف في هذا المجال. علماً ان “مؤسسة “لابورا” التي تعنى بهذا الشق من العمل الوطني، تقرع طبول الخطر التي تحدق بالوضع المسيحي في المؤسسات الرسمية بالتعاون مع الأحزاب المسيحية والكنيسة.

 

رابعاً: الشباب المسيحي

نتيجة هذا الأداء “التكفيري” لدى القيادات المسيحية، يشعر الشباب المسيحي بنوع من إحباط شبه معلن، يبرّره، بعدم وجود “مرجعية – قيادة”، تنظم، وتكودر، وتحمي، وتُؤتمن على مستقبله، فيمتنع عن التقدم إلى الوظيفة العامة، ويستبعد فكرة الانتماء إلى الدولة، نظراً لـ”الواسطات” الموجودة والفاعلة لدى الشريك المسلم، والتي يقابلها نوع من الإهمال وعدم المسؤولية لدى الفريق المسيحي. علماً أن مؤسسة “لابورا” لا تكلّ، وهي في جهاد مستمر في سبيل إقناع الشباب المسيحي أنه يمكن مقاومة “مخرز الواسطة”، وكل الإرادات الخبيثة، بالايمان أولا، وبالبرنامج المنظم ثانياً، وبإرادة المرشح ثالثاً.

 

سياسة شريك الوطن:

حديث كثير نسمعه من الفريق المسلم، يتناول الحرص على التعدّدية في لبنان والعيش المشترك، واحترام خصوصية والرأي العام المسيحي واهمية هذا الوجود في لبنان والمنطقة كعنصر اعتدال في الوسط الإسلامي المحتدم، لكن الأداء في مؤسسات الدولة من قبل بعض ممّن يدعون الحرص على المسيحيين، لا يعكس حقيقة ادعاءاتهم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، خلصت نتيجة المباريات التي أجريت لوظيفة مراقب ضرائب – مراقب جباية – محتسب – محاسب في ملاك مديرية المالية العامة في وزارة المالية قبل فترة، إلى نجاح 216 شخصاً، 98 شيعياً مقابل 39 مسيحياً، والبقية من السنة والدروز والأقليات. وهذا الرقم إن دلّ على شيء، فعلى ضرب التوازن، ومقتضيات “الوفاق الوطني”المتمثل بـ”المناصفة”. علماً ان النتائج صدرت عن مجلس الخدمة المدنية.

أما السؤال، لماذا تفوّق هذا العدد الكبير من المتبارين الشيعة على غيرهم من المتبارين، فهو امر سيكون موضوع معالجة في التقرير المقبل، حيث سيتم التطرق إلى اهمية الوظيفة العامة، والإجحاف اللاحق بالمسيحيين من قبلهم ومن قبل شركائهم في الوطن إضافة إلى المراحل والآليات المتبعة وبعض الخفايا التي تساهم في وصول او إيصال من نريد من المرشحين إلى الوظيفة العامة.

يبقى، ان تتعظ جميع المكونات السياسية، ان سياسة الإلغاء لأي فريق في لبنان، لمتنجح في الماضي، ولن تنجح في المستقبل. فكلّ مكوّن سياسي له طائفته، وخصوصيته، وتكوينه، ومقومات وجوده، لذا، فإن الإدارة العامة من الطبيعي أن تكون نتاج الوجود الحرّ والمحترم لكل المكوّنات السياسية التي تؤلف السلطة السياسية والحالة المجتمعية في البلد. في المقابل، هذا الواقع السيء، يتطلب قراراً وإرادة صلبة من الشباب المسيحيين، للاندفاع أكثر نحو الوظيفة العامة، لأهميتها الايجابية اجتماعياً واقتصادياً ومعيشياً على مستقبل العائلة المسيحية في لبنان.