IMLebanon

“ضمان طرابلس”: تعيين مدير جديد لا يحل الأزمة

Social-Security-Tripoli
بشير مصطفى

أبلغ وصف لحال مركز الضمان الإجتماعي في طرابلس أنه “صورة عن وضع البلد”. في مكاتب الضمان لا شيء جديداً، فالصف الطويل وإحتجاجات المواطنين من طول الإنتظار وحالة التذمر من بطء الخدمة هي نفسها منذ فترة، وحدها باقات الورد التي ملأت مكتب المدير تنبئ بوصول الزائر الجديد.
بعد فترة من الإنتظار تم تعيين محمد زكي مديراً لمركز الضمان الإجتماعي في طرابلس، وفي يوم عمله الأول عبّر لـ”المدن” عن أمله في ضخ دم جديد في المؤسسة، لافتاً إلى إدراكه حجم المسؤولية الموكلة إليه، فمن ناحية هو يتعامل مع الفئات الأكثر حاجة في المجتمع، ومن ناحية أخرى تسلم مؤسسة تعاني نقصاً حاداً في عدد الموظفين.
وعن سبب النقص في عدد الموظفين يتحدث زكي عن عدم نجاح العدد الكافي من أبناء طرابلس المتقدمين إلى إمتحانات مجلس الخدمة المدنية.
زكي يعد بتغييرات سريعة سيلمسها المواطنون في الآتي من الأيام، ويرفض تحديد فترة زمنية لذلك، فهو بحاجة إلى بعض الوقت للإطلاع على كافة المشكلات التي يعاني منها المركز، فعمله السابق في قسم المحاسبة لا يكفي لتكوين صورة شاملة وعلمية. ويرفض المدير الجديد أن يكون الفساد سبباً في تأخير إنجاز المعاملات، فالموظفون “يقومون بما يتجاوز طاقاتهم”.
ويعكف زكي على عقد إجتماعات مع من بقي من الموظفين في الخدمة، من أجل تكوين تصور للحل يبدأ بتحسين الخدمات وتحديد النواقص. كما يرفض المدير الجديد الدخول في متاهة تحميل سياسيّي طرابلس مسؤولية تدهور وضع الضمان.

معاناة المواطنين

“الحدث الجديد” لا يلغي الصورة القاتمة لوضع الضمان في طرابلس، اذ ليس مبالغة القول إن مكتب الضمان في طرابلس شبه معطّل، حيث لا تقل مدة إنجاز أي معاملة عن السنة والنصف. فواز الشامي أحد المسجلين في ضمان طرابلس يقول: “منذ سنة ونصف وأنا أنتظر قبض أحد الإيصالات لثمن الدواء”، متحدثاً بصورة كاريكاتورية عن خوفه من أن يموت قبل أن يقبض الإيصال الجديد. ويقترح الشامي تعاقد الضمان مع الصيدليات مباشرة لتيسير حصول المواطن على الدواء. ويعلّق قائلاً: “بيقولولك ما في موظفين، كيف ذلك ونصف موظفي الدولة يقبضون معاشاتهم دون عمل، لماذا لا يستعان ببعضهم لسد النقص؟”.
الى جانب ذلك، هناك حالة من الإحباط من خدمات الضمان في طرابلس، وهذا ما دفع بعض المضمونين الى شراء الادوية وعدم تقديمها للضمان، تفادياً لطول الانتظار، وذلك وفق ما تذكره سحر (إحدى المضمونات) لـ “المدن”. وبفعل تراكم الازمات، باتت سحر تملك كمية من الادوية “تتجاوز قيمتها الألف دولار وما معي فرنك إشتري دواءً جديدا”، متسائلةً: “إذا ما قبضت حقوقي بالضمان كيف بدي إشتري دواء جديد؟”.
ولا يتوقف الامر على مسألة تقديم الدواء، بل ان الحصول على موافقة لدخول المستشفى، يتطلب وقت الانتظار نفسه. وهذا ما حصل مع رامي، الذي اضطر الى طلب اجازة من العمل، للذهاب الى صندوق الضمان للحصول على موافقة لإدخال ابنه الى المستشفى. وفي مركز الضمان، انتظر رامي في الصف، لنحو ثلاث ساعات.
ويذكر ان العديد من المضمونين، بدأوا بنقل معاملاتهم الى مكتب زغرتا، لكن كثافة الطلبات المنقولة، بدأت تهدد إلى حد ما بنقل الأزمة الى مكتب زغرتا، اذا استمر الوضع على ما هو عليه.

الموظفون: “لسنا مقصرين”

بالرغم مما وصل اليه وضع الصندوق في طرابلس، الا ان الموظفين هناك، لا يعتبرون انهم “مقصّرون”، فالموظفون الحاليون، وعددهم 15 من أصل 105 موظفين كانوا في المركز على مدى 30 عاماً، يحاولون انجاز معاملات أكثر من 45 ألف مشترك، من كل منطقة الشمال، بإستثناء أميون وزغرتا، بحسب أحد قدامى الموظفين، الذي اوضح لـ “المدن” ان هناك “موظفة واحدة تتولى الإشتراكات، وأخرى التعويضات العائلية”. وتقول إحدى الموظفات لـ “المدن” أن اليوم الذي تغيب فيه “يتوقف المركز عن العمل”، فيما تشير أخرى إلى أنها تقوم بمهام “سبعة موظفين”، وعليها وبصورة مستمرة التنقل بين شباك وآخر.
ولا يتوانى الموظفون عن الحديث عن معاناتهم الشخصية أثناء العمل، لأن “معاناتنا تفوق أحياناً معاناة المواطنين، فعلينا تحمل الشتائم والتعديات، كما أنه مطلوب منّا العمل بلا مكيفات للهواء في الصيف أو مدافىء في الشتاء وفي ظل غياب مستمر للكهرباء، حيث يفتقد المركز إلى مولد كهربائي”.
كما لا تنحصر المشاكل في الامور المادية، فالضمان يعاني من عدم معرفة كثير من المواطنين لما هو مطلوب منهم في الادارات العامة، لذلك من الضروري، على حد تعبير احد الموظفين، استحداث دائرة للعلاقات العامة في الضمان، تساعد المواطنين على معرفة المطلوب منهم، بحسب كل معاملة يريدون انجازها. فـ”أحياناً يأتي أشخاص يحملون أوراقاً لغير المعاملات التي يريدونها، وذلك يستنزف وقتنا، اذ نضطر الى الشرح والمساعدة لوقت طويل”. اما المسؤولية الاساسية، فتُلقى على عاتق “الادارة المركزية في بيروت، لأنهم لم يستجيبوا لطلبات التعيين أو التعاقد مع موظفين جدد منذ عهد الإدارة السابقة”.
لسان حال المواطنين ومن بقي من الموظفين، يقول إنّ الازمة أبعد من تعيين مدير عام، فالترابط بين المركز والاطراف، يجر الازمات الى الأطراف، فتبقى ادارات الدولة هناك مرهونة بمحاصصات المركز. وعليه، فإن ضمان طرابلس سينتظر كغيره، معجزة ما.